على الرغم من أن حزب العمل والتضامن (PAS) الموالي للغرب قد فاز في الظاهر، فإن المسار الذي ينتظر مولدوفا محفوف بتحديات خطيرة، إذ إن اختيار هذا الطريق والتلاعب بالعملية الديمقراطية قد يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي، وتنامي التطرف، وتآكل الثقة العامة، ليس فقط في مولدوفا، بل في جميع أنحاء أوروبا.
فقد أجريت يوم الأحد، 28 سبتمبر 2025م، انتخابات برلمانية في دولة مولدوفا الصغيرة الواقعة في شرقي أوروبا، وفي هذه الانتخابات، تمكن الحزب الحاكم الموالي للغرب من الحفاظ على أغلبيته في البرلمان ومواصلة مساره نحو التقارب المتزايد مع الناتو.
ومع ذلك، بلغت أهمية هذه الانتخابات بالنسبة لروسيا والغرب حدا شهدنا معه حالات متعددة من التدخل والتلاعب في عملية التصويت، وهو أمر يكشف بحد ذاته عن الدور الحيوي لهذا الحدث في مستقبل البلاد والمعادلات الجيوسياسية في المنطقة.
في هذا التحليل، نتناول أهمية هذه الانتخابات وتداعياتها.
زيادة الأصوات صدفة أم تدبير؟!
على الرغم من أن استطلاعات الرأي في بداية سبتمبر أظهرت تأييدا شعبيا لا يتجاوز 34 بالمئة لحزب العمل والتضامن (PAS) الموالي للغرب، إلا أن الحزب تمكن في النهاية من الحصول على 50.1 بالمئة من الأصوات ليحقق بذلك الحد الأدنى من المقاعد اللازمة لتشكيل أغلبية برلمانية.
في حين ركزت وسائل الإعلام الغربية الرئيسية على مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات، تشير أدلة متعددة إلى أن القوى الغربية وتابعيها في الداخل هم من تدخلوا في العملية الانتخابية بأساليب مختلفة.
من بين هذه الإجراءات، يمكن الإشارة إلى حظر نشاط بعض الأحزاب الموالية لروسيا مثل حزب “قلب مولدوفا” (PRIM) بحجة ارتكاب مخالفات مالية، والتلاعب بالفضاء الإلكتروني بالتعاون مع شبكات التواصل الاجتماعي الخاضعة لضغوط الحكومات الغربية، والترهيب غير المباشر عبر نشر قوات عسكرية فرنسية وبريطانية على الأراضي الرومانية.
كما كان التوزيع غير العادل لمراكز الاقتراع في الخارج مثيرا للجدل، ففي حين تم تخصيص 36 مركز اقتراع في ألمانيا التي يقطنها حوالي 120 ألف مولدوفي، لم يتم تخصيص سوى مركزين اثنين لـ350 ألف مولدوفي مقيمون في روسيا.
أهمية هذه الانتخابات لمولدوفا والقوى الأوروبية
على الرغم من أن مولدوفا دولة صغيرة ذات تعداد سكاني واقتصاد محدودين، إلا أنها تتمتع بأهمية جيوسياسية بالغة بسبب مجاورتها للحدود الجنوبية الغربية لأوكرانيا.
ففي حال تمكنت القوات الروسية من التوغل في هذا البلد، قد يتغير التوازن العسكري في حرب أوكرانيا لصالح روسيا.
كما أن نجاح الحركات المناهضة للغرب في مولدوفا كان من الممكن أن يصبح نموذجا للدول الأخرى، ويعزز بتأثير الدومينو تيارات مماثلة في أوروبا.
من هذا المنطلق، يرى المسؤولون الغربيون في مولدوفا خطا أماميا لاحتواء النفوذ الروسي ومنع انتشار التيارات المناهضة لليبرالية، وفي هذا الإطار، اعتُبر التدخل في العملية الانتخابية لضمان فوز التيارات الموالية أداة مشروعة.
تداعيات الانتخابات على الحرب الأوكرانية
إن إعادة انتخاب حزب العمل والتضامن في مولدوفا تذكرنا، أكثر من أي شيء آخر، بالمسار الذي سلكته أوكرانيا للابتعاد عن روسيا والتقرب من الغرب، في حين أن عضوية الاتحاد الأوروبي ليست مضمونة، ولا توجد مكاسب اقتصادية ملموسة على المدى القصير.
لقد حرمت مولدوفا نفسها من الحصول على الطاقة الروسية الرخيصة، لتواجه تضخما بنسبة 34 بالمئة وأزمة طاقة، بينما اقتصرت المساعدات الأوروبية حتى الآن على شكل قروض ومنح محدودة.
كما أن معارضة دول مثل المجر لانضمام مولدوفا إلى الاتحاد الأوروبي تكشف حقيقة أن الدعم الغربي قد يظل في مستوى رمزي، ومع ذلك، نجحت أوروبا في احتواء نفوذ روسيا والتيارات الموالية لها، واستخدام مولدوفا كأداة لمواصلة الضغط على موسكو.
تراجع الديمقراطية الغربية
من ناحية أخرى، من المؤكد أن التلاعب الانتخابي والإقصاء المنهجي للتيارات المنتقدة للغرب سيؤدي إلى تراجع شرعية القوى الليبرالية والديمقراطية.
فهذه الإجراءات لن تمهد الطريق في مولدوفا وحدها، بل على مستوى القارة الأوروبية، لانتشار الحركات الراديكالية والمناهضة للنظام القائم.
كما أن إبعاد التيارات المعارضة عن العملية الانتخابية يدفعها نحو التطرف واللجوء إلى أساليب غير ديمقراطية، ولعل مثل هذا المسار لن يؤدي في النهاية إلى الاستقرار، بل إلى الاستقطاب والأزمات السياسية.
خلاصة
تُظهر نتيجة الانتخابات الأخيرة في مولدوفا بوضوح المسار الذي تسلكه البلاد، وهو مسار شبيه بمسار أوكرانيا، فعلى الرغم من أن حزب العمل والتضامن (PAS) الموالي للغرب قد فاز في الظاهر، فإن المسار الذي ينتظر مولدوفا محفوف بتحديات خطيرة.
إن اختيار هذا الطريق والتلاعب بالعملية الديمقراطية قد يؤدي إلى عدم الاستقرار السياسي، وتنامي التطرف، وتآكل الثقة العامة، ليس فقط في مولدوفا، بل في جميع أنحاء أوروبا.
ـــــــــــــ
تحليل مترجم بعنوان “انتخابات مولداوی در سایه ژئوپلیتیک؛ پیروزی غرب و شکست دموکراسی”، (بالعربية: انتخابات مولدوفا في ظل الجغرافيا السياسية: انتصار للغرب وهزيمة للديمقراطية) للكاتب علي محبي، منشور على موقع “انديشكده تهران” (بالعربية: معهد طهران)، بتاريخ 30 سبتمبر 2025م.
