في أعقاب الحرب التي اندلعت منذ أكتوبر 2023 بين إسرائيل والجماعات المسلحة الفلسطينية، سعى المجتمع الدولي مرارًا لإيجاد سبل لإنهاء العنف وبدء عملية إعادة إعمار غزة، ومن بين هذه الجهود، عقدت قمة دولية في مدينة شرم الشيخ بمصر تحت عنوان “قمة سلام غزة”، وقد عقدت هذه القمة بحضور قادة وممثلين من دول مختلفة إقليمية وعالمية لوقف إطلاق النار، وإدخال المساعدات الإنسانية، والمستقبل السياسي لغزة.
ووفقًا للتقارير المنشورة في وسائل الإعلام الإيرانية والدولية، قامت الحكومة المصرية بدعوة إيران لحضور القمة، لكن عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيراني، أعلن أن الجمهورية الإسلامية تشكر مصر على الدعوة، لكنها لن تشارك في القمة بسبب حضور دول “ألحق أفرادها الضرر بالشعب الإيراني أو فرضت عقوبات على إيران”. وأضاف في تصريحاته: “بينما ندعم التفاعل الدبلوماسي، لا أستطيع أنا ولا الرئيس بزشکیان الجلوس إلى جانب من هاجموا الشعب الإيراني وما زالوا يهددوننا ويفرضون علينا العقوبات”.
بناء على الأدلة والمؤشرات المتاحة، يمكن حصر التداعيات المحتملة لغياب إيران عن هذه القمة على النحو التالي:
أولا: تراجع النفوذ الدبلوماسي الإيراني في ملف غزة والسلام الإقليمي
مع غياب إيران، يستبعد أحد اللاعبين الإقليميين المؤثرين عن طاولة اتخاذ القرار، وقد يؤدي ذلك إلى تقليل الاهتمام بمواقف إيران في الأطر المستقبلية المتعلقة بإعادة إعمار غزة، وتوزيع المساعدات، والهيكل الحكومي المؤقت في غزة، وضمان الأمن الإقليمي.
وقد تتمكن الدول الأخرى المشاركة في القمة، والتي لها علاقات أوثق مع الغرب، من فرض نفوذ أكبر على المسارات المقبلة، ومن ناحية أخرى، قد تتراجع قدرة إيران على التأثير في الأهداف الإقليمية مثل لبنان وسوريا والعراق واليمن، التي تتفاعل مع القضية الفلسطينية، لأن الدول المضيفة والمنفذة لبرامج إعادة الإعمار قد تعمل دون اعتبار لموقف طهران.
ومن الممكن أن تتمكن إيران من الانخراط في بعض المفاوضات أو الاتفاقات بعد القمة، لكنها ستكون بموقف أقل نفوذا مقارنة بحالتها لو شاركت في البداية.
ثانيا: تعرض فرصة الحوار الدولي للخطر
كان يمكن لمشاركة إيران أن تمثل فرصة لعرض مواقفها في مثل هذا الحدث الدولي، والتفاعل مع الشركاء الإقليميين والغربيين، وشرح مشاريعها الدبلوماسية، ومع عدم المشاركة، تُفقد هذه الفرصة أو تضعف على الأقل.
وقد يُفسر الإعلام الدولي قرار الغياب على أنه رفض إيران للتفاعل، حتى لو أكدت السلطات الإيرانية أن الغياب لأسباب مشروعة. على سبيل المثال: ذكرت مجلة نيوزويك أن غياب إيران “أدى إلى خلق غموض حول مستقبل غزة ومسار السلام الإقليمي”.
ولو شاركت إيران في القمة، ربما كانت ستتمكن من عقد مفاوضات جانبية ضمنية أو ثنائية مع بعض الدول بما يخدم مصالحها. والآن، من الممكن أن تكون هذه المساحات محدودة أكثر.
ثالثا: إضعاف الصورة الدولية والانطباع عن إيران
قد تفسر عدم المشاركة في بعض المحافل الدولية على أنها نوع من العزلة أو التراجع، فالدول التي تسعى لإبرام اتفاق سلام قد تقلل من ثقتها في إيران أو تراها كفاعل أقل مرونة، وقد يكون هذا التأثير أكثر وضوحًا في الدول الغربية أو في مجموعة مختلطة من الدول الإقليمية المشاركة في القمة.
من جهة أخرى، يمكن لإيران أن تسعى لتقليل أثر غيابها عبر البيانات الرسمية، والتحرك في المنظمات الدولية، واستخدام أدوات دبلوماسية أخرى.
وقد صرّح المسؤولون الإيرانيون رسميًا بأن غيابهم لا يعني تراجع النفوذ، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن القرار اتُخذ بعد دراسة فنية، مؤكدًا أن “دور إيران وتأثيرها لا يقتصر على المشاركة أو عدم المشاركة في قمة واحدة”. ومع ذلك، قد يرى بعض الفاعلين على أرض الواقع أن هذا الغياب يضعف موقف إيران.
رابعا: رسالة إلى الحلفاء والقوى الإقليمية
في الدول الإقليمية، قد يفسر الحلفاء أو الجماعات المقربة من إيران هذا القرار بطريقتين:
الأولى، باعتباره موقفًا مبدئيًا ومستقلاً يرفض الانصياع للضغوط.
الثانية، كدلالة على محدودية الخيارات وانخفاض قدرة إيران على التأثير في الساحة الإقليمية.
وقد يقلق الفلسطينيون وجماعات المقاومة والتيارات المتحالفة مع إيران من احتمال استبعاد إيران عمليًا من دائرة صنع القرار، وهذا قد يزيد المنافسة الإقليمية مع دول أخرى (مثل تركيا وقطر ومصر والسعودية) التي تسعى للعب دور رئيسي في إعادة إعمار غزة وتحقيق السلام. كما قد يستفيد الفاعلون المنافسون لإيران في المنطقة من هذه الفرصة لتوسيع نفوذهم.
خامسا: الرسالة الداخلية وشرعية الحكومة في إيران
يثير قرار عدم المشاركة ردود فعل مختلفة داخليًا، فالمجموعات التي ترى أن إيران يجب أن تكون أكثر نشاطًا في الساحة الدولية تعتبر القرار “إضاعة للفرص”، ويرى البعض أنه في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والضغط الدولي، يجب على الحكومة استغلال كل فرصة دبلوماسية متاحة.
من جهة أخرى، ترحب المجموعات الأصولية أو الذين يؤكدون على الاستقلال والمقاومة بهذا القرار ويعتبرونه تجسيدًا للحفاظ على المبادئ، ومع ذلك، سيكون على الحكومة أن توضح في الإعلام الداخلي أن القرار اتخذ لأسباب إستراتيجية وليس بدافع ضعف أو خوف.
وإذا لم تكن هذه التوضيحات مقنعة، فقد يزداد الضغط السياسي والانتقادات الداخلية على النظام.
سادسا: انعكاس أمني وتأثير على الإستراتيجية العسكرية
على الصعيد الأمني، يوصل غياب إيران رسالة للمنافسين والأعداء مفادها أن إيران أقل استعدادًا أو قدرة على المرونة في سياساتها الخارجية، وفي ظل الضغوط الكبيرة على إيران (عقوبات، تهديد عسكري، منافسة إقليمية)، فإن تقليل القدرة على التفاوض قد يحمل تكاليف أعلى.
كما أنه إذا كانت القرارات التي تخرج بعد القمة تصب في مصلحة الدول المضيفة أو الدول القريبة من الغرب، فسيتعين على إيران تعديل إستراتيجيتها في المجالات الأمنية والعسكرية على أساس موازنة الضغط والمقاومة.
سابعا: العواقب الاقتصادية وجذب الاستثمارات الأجنبية
إن أحد الجوانب الأقل وضوحًا هو تأثير ذلك على جذب الاستثمارات والتفاعل الاقتصادي الدولي.
فقد تعطي الدول والشركات الراغبة بالمشاركة في مشاريع إعادة الإعمار في المنطقة الأولوية للدول المشاركة في القمة، وبغياب إيران، فقد قل الوصول إلى المشاريع الإقليمية أو فرص التعاون الاقتصادي.
وإذا رغبت إيران في التدخل في مشاريع إعادة إعمار غزة أو المشاريع الإقليمية، فإن فرص التناغم مع الإجماع الدولي ستكون أقل، والضغط للامتثال لإطار سياسات التحالفات المشاركة في القمة سيكون أكبر.
الملخص
السؤال الكبير الآن هو: كيف يمكن للجمهورية الإسلامية مواجهة العواقب السلبية والمحتملة لهذا الغياب؟
يترتب على عدم مشاركة إيران في قمة شرم الشيخ آثار متعددة، سيكون بعضها ملموسًا على الأرجح، ومن بينها:
1ــ تراجع نفوذ إيران في صياغة مسار مستقبل غزة.
2ــ فقدان فرصة التفاعل الدبلوماسي المباشر.
3ــ احتمال إضعاف صورتها الدولية.
4ــ الضغط والتفسيرات المختلفة من قبل الحلفاء والمنافسين.
5ــ التحدي في توضيح موقفها داخليًا والحفاظ على الشرعية.
في الواقع، تعتمد قدرة إيران على تعويض هذه التأثيرات السلبية على قوة تحركها الدبلوماسي الموازية، ومدى قدرتها على إدارة الانطباع الإعلامي الإقليمي، وكذلك على قدرتها في مرحلة التنفيذ والمشاركة بعد القمة.