إن المفاوضات في حد ذاتها كأداة دبلوماسية ليست بالجيدة أو السيئة، وإنما تكمن أهميتها في الأهداف والظروف وطريقة استخدامها. وللأسف، في الداخل الإيراني تتحول المفاوضات أحيانًا إلى “تابو”، بينما على الساحة الدولية تُعتبر المفاوضات دليلاً على التزام الدول بحل النزاعات بالطرق السلمية.
فإيران، مدركة لهذه الحقيقة تماما، حيث تستخدم المفاوضات كخيار دبلوماسي، لكنها تؤكد دائمًا أن المفاوضات يجب أن تجري في ظروف عادلة ومن دون فرض شروط مسبقة.
وفي الوقت نفسه يرى بعض الخبراء أن المفاوضات المباشرة يمكن أن تصل إلى نتائج أسرع، إلا أنه في الظروف الراهنة، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بفرض شروط غير مقبولة مثلك
ــ وقف التخصيب.
ــ تقييد البرنامج الصاروخي.
ــ وقف دعم حركات المقاومة.
ما أدى عمليًا إلى تقويض أجواء المفاوضات المباشرة.
وأما من وجهة نظر طهران، فإن المفاوضات غير المباشرة تحمل ميزة مزدوجة، فهي:
ــ من جهة تحافظ على الطابع الإيجابي الدبلوماسي أمام الرأي العام العالمي.
ــ من جهة أخرى تتجنب الوقوع في موقف الضعف وقبول الشروط المفروضة.
أما على الصعيد النووي، فقد حظي التقرير المرتقب لمدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية رفائيل جروسي باهتمام أمام مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك في إطار معاهدةNPT والقرار الأممي 2231.
ومع انتهاء فترة القرار 2231، ينبغي أن يُنظر إلى ملف إيران في إطار الظروف الطبيعية، لكن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين يفسرونه ضمن قرارات الفصل السابع لمجلس الأمن.
ومن جانب آخر، فإن الهجمات الأمريكية والإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية لم تنتهك القوانين الدولية فحسب، بل عطلت أيضًا إمكانية تقديم تقارير تتسم بالشفافية من الوكالة.
ويجب أن يُؤخذ في الاعتبار أن هذه الهجمات كانت مخططة مسبقًا، واستخدمت تقارير الوكالة كذريعة للترويج الإعلامي.
إن تأكيد إيران على المفاوضات غير المباشرة يجب أن يُفهم في إطار إستراتيجية دبلوماسية شاملة؛ فهي تسعى من خلالها إلى تقديم نفسها كطرف يسعى للسلام على الساحة الدولية، وفي الوقت نفسه الدفاع عن حقوقها ومصالحها الوطنية عبر تجنب المفاوضات في إطار ظروف مفروضة عليها.
وما لم تغيّر واشنطن نهجها القائم على فرض الشروط المسبقة، فلن تتوفر أجواء المفاوضات المباشرة، ويبدو أن المفاوضات غير المباشرة في مثل هذه الظروف ليست مجرد خيار، بل ضرورة إستراتيجية لإيران.
ـــــــــــــــــــــ
مقالة مترجمة من صحيفة آرمان أمروز الإصلاحية (بالعربية: الآمال اليوم) بعنوان “ مذاکره؛ از مستقیم تا غیرمستقیم” (بالعربية: المفاوضات من مباشرة إلى غير مباشرة) نشرها المحلل السياسي الإيراني حسن بهشتی پور يوم 23 آبان 1404 هــ. ش. الموافق 14 نوفمبر 2025م.
