قبل بدء الضربات الإسرائيلية على إيران في فجر يوم 13 يونيو الماضي، استندت واشنطن في إيعازها لتل أبيب بتوجيه ضربة عسكرية ضد إيران في حرب استمرت اثني عشر يومًا على تقارير إدانة أصدرتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بحق إيران، وهو ما جعل إيران الآن تترقب استصدار قرار جديد يدين إيران خلال اجتماعات مجلس محافظي الوكالة خلال الجلسات المقرر عقدها بين 19 و21 نوفمبر الجاري.
اجتماعات الشهر الجاري للوكالة التي تعثرت مهمتها في إيران ستناقش مصير الملف النووي الإيراني، خاصة بعدما صادقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على التقرير السنوي للوكالة، والذي قدمته الجمعة الماضي، وحصل على أغلبية 146 صوتًا مؤيدًا واعتراض صوتين فقط، وامتناع صوت واحد عن التصويت وهو إيران.
ولعل هذا يشير إلى موافقة عالمية على تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تدين في مضمون بعضها نشاط إيران النووي، خاصة بعد تأكيد رفائيل جروسي المدير العام للوكالة على عدم قدره مفتشيه على الوصول إلى المواقع النووية الإيرانية المقصوفة في حرب الاثني عشر يومًا وكذا عدم قدرته على الوصول إلى اليورانيوم المخصب بنسبة 60%.
قرار مرتقب ضد إيران
من المقرر أن يتم مناقشة ملف إيران النووي خلال الاجتماع المقرر عقده لمجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يوم الأربعاء المقبل الموافق 19 نوفمبر الجاري، وهو ما سيضع علاقة إيران بالوكالة على المحك وقد تفضي إدانة إيران وأنشطتها النووية إلى تعليق كامل للعلاقة بين الطرفين، واستصدار قرار جديد بمعاقبة إيران مرة أخرى بضربات قد تنهي بقاء النظام الحاكم في البلاد منذ عام 1979، خاصة وأن البعثة الإيرانية في الأمم المتحدة هددت بتأثر العلاقة بين طهران والوكالة.
وقد تشتعل الأوضاع بين إيران والترويكا الأوروبية والوكالة من طرف، وبين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل من طرف آخر بناء على التقديرات التالية:
أولًا: مشروع القانون الأوروبي الذي قدمته الترويكا الأوروبية (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) والذي لا يشير إلى عودة إيران للاتفاق النووي بقدر المواد التي تشير إلى ضرورة تشديد العقوبات على إيران والتأكيد على إشارات تدل على خرق إيران لالتزاماتها الدولية بموجب التوقيع على معاهدة الحد من الانتشار النووي، برفض الإفصاح عن طبيعة برنامجها النووي وكمية اليورانيوم المخصب بنسب عالية.
ثانيًا: من المرتقب أن يكون مشروع القانون في حال التصديق عليه وهو المتوقع – نقطة انطلاق لتوتر جديد بين إيران ورباعي أعدائها وهم (الولايات المتحدة ودول أوروبا وإسرائيل والوكالة الدولية للطاقة الذرية)، بما يشير إلى أن المجتمع الدولي كله يتحضر لدفع النظام الإيراني خارج إطار المنظومة الدولية، بنفس الطريقة التي تم الدفع بها بالنظام العراقي الذي كان يقوده صدام حسين وبالدواعي والذرائع ذاتها.
ثالثًا: المواقف الضعيفة لدول التهدئة في الملف النووي كروسيا والصين لا يمكن التعويل عليها في تحشيد الجهود ضد أي عمل عسكري ضد إيران، خاصة وأنه على الرغم من وقوع إيران بموجب قرار الإدانة تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يبارك أي عمل عسكري ضد إيران بموجب ما تقدم، إلا أن تحركات واشنطن وتل أبيب العسكرية ضد إيران في يونيو الماضي لم تنتظر قرارًا أمميًا لمباركة هذا العمل العسكري، خاصة وأن دول أوروبا لم تدن الحرب الإسرائيلية – الأمريكية على إيران في ذلك الوقت. وعليه، فإن الحرب ضد إيران إذا ما اندلعت فإن الموقف العالمي سيتحشد ضد إيران بمواقف رسمية معلنة بدون أدنى مواربة.
رابعًا: الاستعداد الإيراني للحرب والذي يتكشف يومًا بعد يوم، وسط تقارير استخباراتية وإعلامية تشير إلى أن لدى أجهزة صناعة واتخاذ القرار في إيران يقينًا بأن حرب الاثني عشر يومًا لم تكن سوى جولة أولى من المواجهة، وأن الجولات الجديدة على مشارف الظهور مرة أخرى، وبناءً على ذلك اتجهت إيران إلى تطوير منظومتها الصاروخية ومنظومة طائراتها المسيرة، وهما السلاحان اللذان استخدمتهما طهران في حربها ضد تل أبيب، نظرًا لعدم وجود جوار جغرافي بين الطرفين. وقد دعا ذلك إيران مؤخرًا إلى اتخاذ إجراء لم تكن معتادة عليه، وهو اختبار “علني” أجرته على محرك الطائرة المسيرة الشبحية “شاهد 161″، وهي أحد الطرازات الشهيرة لدى إيران في مجال الطائرات المسيرة قليلة التكلفة شديدة التدمير، وهو ما يعكس رغبة إيران في التأكيد على أنها تستعد بقدرات أكبر مما كانت عليه في حرب يونيو الماضي.
الموقف الروسي والصيني تجاه إيران
أما عن الموقف الروسي والصيني، فمن المؤكد أنه لا يجب التعويل بشكل كامل على ما أقيم من تحالفات إستراتيجية بين إيران وروسيا من جانب وبين إيران والصين من جانب آخر، إذا ما أخذنا في الاعتبار دخول موسكو وبكين على خط الحياد في المواجهة بالحرب السابقة، فضلًا عن عدم وجود اتفاقية دفاع مشترك بين إيران وأي من البلدين.
وليس مستبعدًا أن يكون الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد حصل على تأكيدات من الصين خلال زيارته لكوريا الجنوبية الشهر الماضي، بعدم التدخل في أية مواجهة مرتقبة مع إيران، خاصة وأن نتائج القمة التي جمعت ترامب – جين بينج قد أفضت إلى تهاون أمريكي في الرسوم الجمركية التي كانت مفروضة على الصين من قبل الولايات المتحدة.
وإذا ما اعتبرنا أن ما حدث صفقة مفيدة للصين إلى حد ما، فإن الصفقة تقتضي أن تكون الولايات المتحدة قد حصدت أضعافًا مضاعفة مما حصدته بكين من مكاسب إزاء ذلك القرار، وهو ما يشير إلى حياد صيني في أية مواجهة مرتقبة مع واشنطن أو تل أبيب بمباركة دولية.
يزيد على ذلك أن الصين من جهتها لا تثق أساسًا في إيران لعدة أسباب بعضها تاريخية وبعضها يتعلق بفرض عقوبات على شركات صينية بسبب عملاء إيرانيين سربوا معلومات للولايات المتحدة، بجانب أن الوعي الجمعي للصينيين لا يحبذ أي شراكة إستراتيجية أو عسكرية بين بكين وطهران.
فيما تنشغل روسيا بحربها ضد أوكرانيا التي تساندها أوروبا جمعاء، ولا ترى موسكو في فتح جبهة جديدة على جغرافيا أخرى أمرًا يدعو للنظر فيه، خاصة وأنه لا توجد أفق لإنهاء الحرب الدائرة بسبب اقتراب حلف شمال الأطلسي “الناتو” من حدود روسيا، وهو ما ترفضه الأخيرة جملة وتفصيلًا.
خاتمة
في المجمل، يعيش النظام الإيراني أسوأ مراحله الآن، لأنه لا وصل إلى تكنولوجيا نووية وأعلن عن تفجير نووي أو نجح في إنتاج قنبلة نووية تمنع مهاجمة أراضيه مادامت البلاد واقعة تحت ضغط العقوبات، كما في حالة كوريا الشمالية، ولا هو تخلص من العقوبات الأمريكية والدولية بتخلصه من مخزون اليورانيوم المخصب والذي جلب له الوبال بسبب تقارير الوكالة الذرية التي تتسبب دائمًا في عقوبات قاسية، فبقى النظام في مرحلة رمادية بين القوة والضعف بدون رؤية حول مستقبله.
يزيد من الضغوط الداخلية على النظام الأصوات الإصلاحية التي ترى في ضرورة التخلي ولو بشكل مؤقت عن البرنامج النووي الإيراني لحين تحسين الأجواء التي تعكرت مع المجتمع الدولي بأكمله حول سمعة إيران في العالم، وهو المطلب الذي يرفضه بيت القيادة والجناح المتشدد في البلاد، والذي يسيطر على مفاصل السلطة ومواقع صناعة واتخاذ القرار في إيران، وهو ما يشير إلى عناد مستمر يفضي إلى تأزيم الموقف السياسي والاقتصادي لإيران.