عادت كل العقوبات الأممية التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيع الاتفاق النووي لعام 2015م، إلى حيز التنفيذ يوم الأحد 28 سبتمبر 2025، بعد انقضاء مهلة “آلية الزناد” التي أطلقتها الترويكا الأوروبية (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا) في 28 أغسطس 2025 بسبب اتهامات لطهران بانتهاك الاتفاق النووي، وعدم الاستجابة إلى مطلبيها المتمثلين في الانخراط بمحادثات مباشرة مع أمريكا وعودة كل المفتشين الدوليين للعمل بكل حرية في كل المواقع النووية الإيرانية.
أولا: تفاصيل العقوبات والفصل السابع
تشمل العقوبات التي أعيد فرضها على إيران حظر بيع أو نقل الأسلحة التقليدية إلى البلاد، ومنع الواردات والصادرات أو نقل المكونات أو التكنولوجيا المرتبطة بالبرامج النووية والباليستية، وتجميد أصول كيانات وأفراد مرتبطين بهذه البرامج في الخارج.
كما تقضي العقوبات بمنع الأشخاص المشاركين في النشاطات النووية المحظورة من السفر إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، فضلا عن تقييد الوصول إلى المنشآت المصرفية والمالية التي قد تدعم هذه البرامج.
لكن الأهم من كل ذلك بل والأخطر على الإطلاق هو أن هذه العقوبات تعود بإيران رسميا إلى وضع قانوني ينضوي تحت طائلة الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يطبق في حالات تهديد السلم والأمن الدوليين، كما ورد في القرار الدولي العقابي على إيران رقم 1737 الصادر عام 2006م.
ويعني ذلك بكل بساطة أن العقوبات على إيران يمكن أن تشمل تطبيق المادة 41 من الفصل السابع في ميثاق الأمم المتحدة وهي التي تتيح لمجلس الأمن اتخاذ تدابير عسكرية في حال استمرار التهديد النووي من جانب إيران، ما يعني أن الحرب تطرق أبواب إيران هذه المرة أكثر من أي وقت مضى.
ثانيا: ردود الفعل الإيرانية والدولية
كان طبيعيا أن ترفض طهران الاعتراف بالعقوبات، وأن تعتبرها “غير قانونية”، مستنكرة تفعيل آلية “سناب باك” من قبل الدول الأوروبية، غير أن الترويكا الأوروبية دعت إيران إلى “الامتناع عن أي عمل تصعيدي” والعودة إلى الامتثال للاتفاق النووي الذي أرداه ترامب قتيلا في يوم 8 مايو 2018 ودفنته أوروبا يوم 28 سبتمبر 2025.
ودخولا على خط التهديد دعا وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو إيران إلى إجراء محادثات مباشرة، مؤكدًا أن “الدبلوماسية لا تزال خيارًا مطروحا”، بالرغم من علمه أن إيران لن تقبل التفاوض تحت التهديد الأمريكي، إذ تعتقد طهران أن واشنطن تجلس على طاولة المفاوضات بينما تضع السلاح على الطاولة بجوار الأوراق والأقلام، على غرار المافيا المنتشرة في شوارع نيويورك ونيفادا.
لكن اللافت للنظر هنا هو موقف روسيا والصين إذ فشلت محاولاتهما في مجلس الأمن لتأجيل العقوبات، حيث لم يحظ مشروع القرار التي تقدمت به بكين إلا بأربعة أصوات مقابل تسعة أصوات رافضة، ما يشير إلى ضآلة التأثير الصيني في السياسة الدولية حتى الآن مقارنة بالتأثير الغربي في تلك المحافل العالمية.
ثالثا: التأثيرات المحتملة
من المؤكد أن هذه العقوبات ستودي إلى تأثيرات فورية سلبية على الاقتصاد الإيراني حيث إنه من المتوقع أن تؤدي العقوبات إلى زيادة الضغوط على مفاصل البلاد المالية خاصة في مجالات سعر الصرف والشحن والطاقة وغيرها، لا سيما مع تدهور قيمة الريال وارتفاع معدلات التضخم وتراجع القدرة الشرائية لدى أغلب المواطنين في البلاد.
يشار في هذا السياق على سبيل المثال إلى أن سعر صرف كل دولار أمريكي واحد بلغ في أسواق إيران يوم الأحد 28 سبتمبر 2025 نحو مليون ومئة وثلاثة عشر ألف ريال (نحو 113 ألف تومان لكل دولار أمريكي واحد)، وهي قفزة هائلة في سعر الصرف تعني أن الريال خسر نحو 30 بالمئة من قيمته في غضون شهر تقريبا.
وعلى المستوى السياسي قد تؤدي العقوبات إلى تصعيد التوترات في المنطقة، خاصة مع المخاوف من تدخلات عسكرية محتملة، أخذا في الاعتبار أن مثل هذه الإجراءات السياسية ينظر إليها كونها تمهيد لعملية عسكرية من المحتمل أن تقوم بها أمريكا وإسرائيل في المدى القريب.
خاتمة
دخلت العقوبات الأممية على إيران حيز التنفيذ يوم الأحد 28 سبتمبر 2025، ما يعيد طهران إلى دائرة العزلة الاقتصادية التي كانت عليها قبل العام 2015، وهو ما يزيد من تعقيد الملف النووي، ويعني انتقاله من حيز الدبلوماسية إلى حيز الحرب، وفي ظل هذه التطورات تظل الفرص الدبلوماسية محدودة، ما يرفع من احتمالية التصعيد العسكري في المستقبل القريب.