شهدت المنطقة الأسبوع الماضي ثلاثة تحولات غاية في الأهمية، سيكون لها دورًا بارزًا في تغيير مستقبل المنطقة وتشكيل التكتلات والصراعات بها، وهي:
1 ــ مشاركة كازاخستان في الاتفاقيات الإبراهيمية.
2 ــ نتائج انتخابات البرلمان العراقي.
3 ــ زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن.
وتجدر الإشارة إلى أهمية بحث ودراسة تلك التحولات كل على حدة بشكل مفصل، ولكننا سنكتفي بإلقاء نظرة سريعة عليها من خلال هذا المقال.
انضمام كازخستان إلى الاتفاقات الإبراهيمية
انضمت كازخستان إلى سلسلة من الاتفاقات مع أمريكا فيما يتعلق بمبلغ قدره 18 مليار دولار، وقد أعلن انضمامها للتحالف المعروف بصلح إبراهام الذي يجمع بين الدول العربية وإسرائيل.
ووقع هذا التحول بعد إجراء إتصال هاتفي جمع دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وقاسم تاكايف رئيس جمهورية كازخستان، وبنيامين نتنياهو رئيس وزراء النظام الصهيوني بالتزامن مع سفر قادة كل من كازخستان، وتركمانستان، وقرغيزستان، وأوزبكستان، وتاجيكستان إلى واشنطن للمشاركة في جلسة مشتركة.
كان التصور المعروف أن التحالف المعروف بصلح إبراهام والمعني بتطبيع العلاقات بين حكومات العرب والنظام الصهيوني مقتصر على العرق السامي الذي يعتبر أفراده أنفسهم أبناء النبي إبراهيم، ولكن اتضح فيما بعد أن ترامب أراد أن يشمل هذا التحالف كل الدول الإسلامية.
وكان لهذا التحول أهداف بخصوص أسيا الوسطى أعلى من الأمن الإستراتيجي للنظام الصهيوني، إذ قطعت أمريكا بعد العبور من “طريق ترامب” بين نخجوان وأرمينيا في منطقة القوقاز مسافة كبيرة في أسيا الوسطى وحتى حدود الصين، تلك المنطقة التي انفقت عليها الصين مئة مليار دولار ضمن المشروع العظيم “حدود واحدة، طريق واحد”.
ولعل إحدى نتائج ذلك التحول هو فرض روسيا نفوذها في منطقة القوقاز وأسيا الوسطى بعد انشغالها في حربها مع أوكرانيا، وتوسع نفوذ حزب الناتو في الشرق.
فهل ستتمكن أمريكا من أن تنجز هذا المشروع بدون مساعدة تركيا؟ وما هي المكاسب التي ستنالها تركيا؟ وكيف سيكون رد فعل الصين؟ يجب بحث كل تلك النقاط بشكل مستقل.
نتائج الانتخابات العراقية
تعد مشاركة الشعب العراقي في انتخابات البرلمان العراقي سواء كانت النسبة 56 بالمئة المعلنة أو 41 بالمئة الحقيقية، أمرا مهما حيث تعتبر تلك النسبة أكبر من نسبة الانتخابات السابقة، ولها تأثير مهم في مستقبل العراق، حيث يشكل التيار الشيعي النسبة الأكبر من الأمة العراقية محافظًا على مكانته.
أما في بغداد وعلى الرغم من مقاطعة التيار الصدري للانتخابات، إلا أن هناك أعدادا كبيرة قد شاركت وتعتبر هذه خسارة للسيد مقتدى الصدر وتياره، ومن الضروري الآن أن يراجع السيد مقتدى المسار الذي يسلكه ويعود إلى الصفوف الشيعية.
وفي حين يعتقد أنه بسبب عدم مشاركة التيار الصدري، ستسحوذ التكتلات السنية على الكراسي في العاصمة لا سيما تحالف “تقدم” بزعامة الحلبوسي، وتحالف “العزم السامرائي” وائتلاف “سيادة” بزعامة خميس الخنجر.
ولكن النتائج تشير إلى أنه بالرغم من استخدامهم للشعارات غير الأخلاقية وكذلك الجماعات الطائفية مثل “أحفاد الصحابة” ضد أتباع “مدرسة أهل البيت” لم تحقق مكاسب مهمة، وحصل الشيعة على أغلب الكراسي في العاصمة.
ووفق النتائج المعلنة، فقد حصلت التيارات الشيعية على مجموع 187 كرسيا من أصل 329 كرسيا في البرلمان؛ ليصبح لهم الغالبية في البرلمان، بينما حصلت الأحزاب السنية على 77 كرسيا، والأكراد على 56 كرسيا مما جعلهما في موقف تفاوضي بخصوص التحالفات المحتملة.
أما الآن في الصفوف الشيعية ولتشكيل أكبر ائتلاف في البرلمان واختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، تدور المنافسة الرئيسية بين ائتلاف “البناء والتنمية” بزعامة محمد شياع السوداني بعدد 46 مقعدا، وائتلاف “دولة القانون” بزعامة نوري المالكي بعدد 28 مقعدا.
ويبدو أن الفائز في هذه المنافسة سيكون السوداني، ومع ذلك يعتقد المحللون أن ائتلاف “البناء والتنمية” غير مستقر وهش، في حين يتمتع ائتلاف “دولة القانون” بمتانة أكبر، ومن المحتمل أن يتمكن في المستقبل من تشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان عن طريق استقطاب المزيد من الأفراد.
ومن خلال تلك النقاط، هناك شيء مهم فيما يتعلق بنتيجة تلك الانتخابات وهو أنه منذ وقت طويل وأمريكا تحاول إبعاد العراق عن طريق المقاومة في المنطقة من خلال نشر شعار التغيير في البلاد، وتوجيهها إلى التطبيع مع النظام الصهيوني، والترويج للأحداث الشائكة مثل تيار إبراهام، وتشير الأدلة إلى عدم تمكنهم من تحقيق هذه الأهداف.
زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن
من الأحداث المهمة لهذا الأسبوع زيارة رئيس الجمهورية السورية، أحمد الشرع، إلى واشنطن ولقائه مع دونالد ترامب في البيت الأبيض.
أبو محمد الجولاني زعيم جماعة “تحرير الشام” الإرهابية الذي وضعت أمريكا جائزة عشرة ملايين دولار لمن يبلغ عنه، حل ضيفا على البيت الأبيض بعد أن بدل زيه إلى زي رسمي باسم أحمد الشرع.
إن الشخص الذي كان يعدّ الانتحاريين في السابق بأنهم سيكونون ضيوفًا على النبي الأكرم في وجبة الغداء بعد تفجير أنفسهم بين جموع المسلمين، أصبح ضيفًا على السيد ترامب، “فاعتبروا يا أولي الألباب”!
قال توم بارك مبعوث ترامب في المنطقة “إن هذا الأسبوع سيشهد تحولا مصيريا في تاريخ الشرق الأوسط وخروج سوريا من العزلة، وأنا افتخر بأني أرافق الرئيس أحمد الشرع في البيت الأبيض. ويعتبر قراره بمساعدتنا أمر غاية في الأهمية لمواجهة المتبقين من داعش، والحرس الثوري الإيراني، وحماس، وحزب الله وغيرهم من الجماعات الإرهابية في المنطقة”.
من الواضح أن أمريكا تسعى بأن تصبح سوريا مركزًا مناهضًا للمقاومة، كما انضمت فرنسا إلى الأمر حيث التقى ماكرون رئيس الجمهورية الفرنسية خلال فعاليات مؤتمر التغير المناخي في البرازيل بأحمد الشرع وطلب منه المشاركة في تحالف مواجهة داعش وباقي المنظمات الإرهابية.
وعلى غرار ما قامت به أمريكا أرسل ماكرون، السيدة آن كلير ليجيندر، المتحدثة باسم وزارة الخارجية، مبعوثة خاصة إلى لبنان وسوريا، لكي تخطط لإجراءات عملية لمكافحة محور المقاومة.
إننا نشهد الآن الحرب على إيران، كما يشهد محور المقاومة صعودًا سريعًا وبصور متنوعة في كافة أنحاء المنطقة، وتجدر الإشار إلى أنه لا يمكن الخوض في تفاصيل تلك التحولات بشكل مختصر، ولكن بالنظر إلى ما مضى، من الضروري أن تأخذ دوائر صنع القرار في إيران وعموم محور المقاومة هذه التطورات على محمل الجد، وأن تشرع في التخطيط لمواجهة التحديات الحالية، بالإضافة إلى تعزيز الجبهة الداخلية.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
مقالة مترجمة عن موقع صحيفة اطلاعات الإلكترونية “اطلاعات انلاين” للكاتب: محمد علي مهتدي، بعنوان: “يك هفته پرماجرا در منطقه” (بالعربية: أسبوع حافل بالأحداث في المنطقة) نشرت يوم یکشنبه ۲۵ آبان ۱۴۰۴ هـ. ش. الموافق الأحد 16 نوفمبر 2025.
