في عصر المعلومات، تُعد البيانات الإخبارية (News Data) أحد أهم مصادر تشكيل التصورات والقرارات والسياسات على الساحة الدولية، بحيث لم تعد الحكومات تتخذ قراراتها فقط عبر التقارير الدبلوماسية أو مصادر الاستخبارات التقليدية، بل أصبح للبيانات الإخبارية والرأي العام العالمي والمناخ الإعلامي تأثير مباشر أيضاً على سلوك السياسة الخارجية.
ففي قسم المعلومات المشتركة بين الأجهزة، والتي غالباً لا تتسرب إلى الخارج وتكون أقرب إلى التحليل منها إلى الخبر، يسعى منفذو السياسة الخارجية إلى نقل وجهات نظرهم إلى صانعي القرار ومساعدتهم في اتخاذ قراراتهم.
ولكن البيانات في عالم اليوم أوسع وأكثر تعقيداً بكثير من التقارير في القنوات الداخلية بوزارة الخارجية والأنظمة الاستخباراتية، وهي تلك الموجات الإخبارية التي تشكّل فجأة قرارات كبيرة.
فعلى مر التاريخ، ليست قليلة تلك التغيرات في السياسات التي حدثت بسبب تسرب أخبار مهمة أو نشوء موجات إخبارية.
على سبيل المثال: تمت تعبئة الرأي العام الأمريكي في السنوات الأخيرة من حرب فيتنام ضدها بشدة، لدرجة أن هذا الضغط أجبر إدارة جونسون ثم نيكسون على اتخاذ قرار بالانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من فيتنام.
ولاحقاً، تشكّل في السياسة الخارجية الأمريكية مصطلح يُعرف بـ”متلازمة فيتنام” Vietnam Syndrome والذي يعني خوف السياسيين من التورط في صراع عسكري طويل الأمد يفتقر إلى الشرعية الإعلامية.
بناءً على ذلك، يوجد اليوم في معظم دول العالم قسم يسمى الدبلوماسية الإعلامية، يُسعى من خلاله، عبر فهم وتحليل الأخبار والبيانات المعلوماتية، إلى ركوب موجات الأخبار وتحقيق المصالح الوطنية للدول من خلالها.
يمكن أن تكون هذه البيانات فرصة أو تحدياً للسياسة الخارجية. أما كيفية تشكّل البيانات، فهي مسألة تحتاج إلى بحث ودراسة.
إن وقوع حادثة أو حدث ما، أو قرار أو توجيه حكومي، أو تفاهم واتفاق، يمكن أن يكون مصدراً وبداية لموجة إخبارية، ولكن المهم هو أن تحظى باهتمام وسائل الإعلام.
في الماضي، كان الدبلوماسيون ورجال المخابرات يحاولون في الجلسات والحفلات اكتشاف الأخبار المهمة والسرية وإبلاغها للمركز، أما اليوم، فبالإضافة إلى جهودهم، تساهم وسائل الإعلام، وخاصة الشبكات الاجتماعية، أيضاً في خلق الأخبار ونشرها.
في “السياسة الخارجية”، تُصنّف الأخبار عادةً بناءً على الموضوع، والمصدر، والتأثير، وتكمن أهمية هذه الأخبار، سواء بناءً على الموضوع (سياسي، اقتصادي، عسكري، إلخ) أو بناءً على المصادر (موقع داخلي أو وسائل إعلام)، في مدى تأثيرها.
نذكر هنا على سبيل المثال:
1- أزمة الصومال في عامي 1993-1994 والصورة التي عرضتها شاشات التلفزيون لجثث الجنود الأمريكيين في مقديشو، أدت إلى عدم تدخل الحكومة الأمريكية في رواندا.
2- البث المباشر للعمليات العسكرية الأمريكية في حرب الخليج الأولى (1991) عبر شبكة CNN جعل الرأي العام العالمي يطّلع على مجريات الحرب بالتزامن تقريباً مع القادة السياسيين، وفي ذلك الوقت، شاع مصطلح “تأثير سي إن إن” (CNN Effect) لوصف التأثير المباشر للبيانات الإخبارية على قرارات السياسة الخارجية.
3- في حرب الخليج الثانية وقبل غزو العراق (2003)، نشرت وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية بيانات استخباراتية تُظهر أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل. هذه البيانات الإخبارية (التي تبين لاحقاً أنها غير صحيحة) هيأت الرأي العام والكونجرس لدعم الهجوم العسكري.
وفي عصر الشبكات الافتراضية، أدركت الحكومات أنها لم يعد بإمكانها انتظار الموجات الإخبارية، لأنها قد تشهد ثورات ملونة وربيعاً عربياً؛ لهذا السبب، يجب على الأنظمة الحكومية، فعل ما يلي:
أولاً: استقبال ومعالجة البيانات وتحويلها إلى معلومات.
ثانياً: ترقية هذه المعلومات إلى تحليل وسيناريوهات.
ثالثاً: أن تتحول تغذية هذه المعلومات الراجعة إلى موجة إخبارية باستخدام الشبكات الإعلامية.
رابعاً: أن تقوم الحكومات نفسها، إذا لزم الأمر، بصناعة بيانات إخبارية (حتى لو كانت كاذبة، كما يفعل السيد ترامب مراراً).
هذه الطريقة في العمل قابلة للتطبيق أيضاً في السياسة الخارجية.
وفي عالم أصبح أصغر حتى من قرية عالمية، وكل حدث فيه يتحول بسرعة إلى خبر و”ترند”، تلعب سرعة تحرك الجهاز الدبلوماسي لاحتواء الموجة الإخبارية وركوبها دوراً مهماً، بحيث لا يمكننا أن نتوقع أن يُقال ويُنشر ما نريد نحن فقط، بل يجب علينا، مع انتشار أي خبر، أن نكون قادرين على سماعه، وتحليله، واستخدامه لصالحنا.
ـــــــــــــــــــــ
ترجمة مقالة بعنوان “نقش دادههاي خبري در سياست خارجي” (بالعربية: دور البيانات الإخبارية في السياسة الخارجية) من موقع صحيفة “اعتماد” بقلم حميد روشنايي، بتاريخ: 19 آبان 1404 هـ. ش. الموافق وافق 10 نوفمبر 2025م.
