في الجلسة الختامية للمؤتمر الدولي “القانون الدولي تحت الهجوم.. العدوان والدفاع”، قال كمال خرازي، مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية ووزير الخارجية الإيرانية الأسبق ورئيس المجلس الاستراتيجي للعلاقات الخارجية: لديّ نصيحة للسيد ترامب فقد جرب أسلافه ورأوا أن إيران لا تُهزم بالقوة وراسخة في عزمها تقف بثبات من أجل حقوقها.
وعندما لم تكن الدول الغربية مستعدة لأن تسمح لنا حتى بتشغيل 15 جهاز طرد مركزي، قررنا في الأيام الأخيرة، كسر التعليق وبدء التخصيب، وقد رأى الأمريكيون أن إيران تُشغّل 19 ألف جهاز طرد مركزي وأن الضغط لا يمكنه إخضاع إيران فكانوا هم من اقترحوا التفاوض عبرعُمان وهو ما انتهى إلى الاتفاق النووي (برجام).
لذلك فإن نصيحتي للسيد ترامب أن يدرس التجارب التي خاضها أسلافه، فكما اضطرّوا في النهاية إلى الاعتراف بإيران بوضعها الحالي وبوصفها دولة وشعبًا مقاومًا فستضطرون أنتم أيضًا إلى الاعتراف بإيران وإجراء مفاوضات حقيقية معها ومفاوضات تقوم على الاحترام المتبادل ومبدأ المساواة، لأننا لا نقبل مفاوضات تحت الضغط والتهديد والسلاح والجرائم.
أنصح السيد ترامب بانتهاج سياسة بنّاءة وأن يُظهر استعداده للتفاوض على أساس المساواة والاحترام المتبادل، وسترون ما سيترتب على ذلك من آثار نحن لن نتخلى عن التخصيب للاستخدامات السلمية، ولن نفرط في قدرتنا الدفاعية، ولن نساوم على استقلالنا.
وفيما يتعلق بمؤتمر “القانون الدولي تحت الهجوم.. العدوان والدفاع” فإن مثل هذه الاجتماعات يمكن أن تلعب دورًا مهمًا في توضيح قضايا إيران والمنطقة، وللأسف، برغم الجهود الكبيرة التي بُذلت في العالم لإنشاء منظمة دولية ووضع القوانين الدولية بهدف السيطرة على علاقات الدول ومنع الحروب وإراقة الدماء نرى أنّ الالتزام بالقانون قد تحوّل ـ وللأسف إلى هيمنة القوة، ولا سيما مع ظهور ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، إذ لا يؤمن بالقوانين الدولية ويتّبع سياسة القوة والضغط والحرب من أجل تحقيق أهدافه.
لقد كانت إيران من مؤسسي الأمم المتحدة، وسعت دائمًا إلى تطبيق القواعد الدولية ومنع الحروب، لكن القوى الكبرى استغلت المنظمة فازدادت ضعفًا عامًا بعد عام، واليوم أصبحت الأمم المتحدة في حال من الضعف الشديد لدرجة أن القوى الكبرى تتخذ ما تشاء من قرارات دون أن تستطيع المنظمة ردعها.
وقد رأينا في حرب غزة الإهانات الواضحة التي تعرض لها الأمين العام للأمم المتحدة ما يدل على تراجع مكانة المنظمة وهيمنة (فرض) القوة بدلا من سيادة القانون.
إن اسم المؤتمر مستوحى من مؤتمر “العدوان والدفاع” في أواخر الحرب العراقية ــ الإيرانية التي استمرت 8 سنوات وقد كنت مسؤولًا عن الدعاية الحربية، ونظّمنا مؤتمرًا حضره حقوقيون وشخصيات بارزة من دول مختلفة، وأقمنا مؤتمر “العدوان والدفاع” الذي كان ناجحًا جدًا لأنه تناول الأسس القانونية لما وقع من عدوان واضح خلال الحرب المفروضة ليكون تجربة ودروسًا لمنع أي اعتداءات مستقبلية.
لقد صمدت إيران في حرب السنوات الثماني، وكانت هناك جهود كبيرة لإقناع إيران بقبول وقف إطلاق النار ثم التفاوض لكنها رفضت وأصرّت على طرد العدو من أراضيها بجهود شبابها وقواتها المسلحة وهو إنجاز كبير.
وبالرغم من أن العدو كان يظن أن الثورة حديثة العهد وأن بإمكانه تقسيم إيران وتحقيق أهدافه إلا أن إرادة الشعب والشباب أحبطت مخططاته، وإذا درسنا الأمر سنرى تشابهًا بين حرب الثمانية أعوام وهذه الحرب ذات الاثنا عشر يوما.
ففي الحرب الثمانية أعوام كان صمود الشعب وتماسكه وقدرته على التحمل أمام العدو سببًا في تحقيق النصر، وكانت إرادة وقرار ودافع قواتنا المسلحة هي التي صمدت ودافعت عن البلاد.
وفي حرب الإثني عشر يومًا كان الحال مشابهًا، حيث كان صمود الشعب مؤثرًا جدًا، وبرغم أن الأعداء حاولوا التسبب بانهيار الدولة، أظهر الإيرانيون أينما كانوا داخل البلاد وخارجها تماسكهم في مواجهة العدو والنضال ضده.
وكان الاعتماد على الذات خلال حرب الثمانية أعوام وحرب الإثني عشر يومًا من السمات المشتركة بين النزاعين، فلم نعتمد على القوى الأجنبية في حرب الثمانية أعوام وكنا متوكلين على أنفسنا وفي حرب الإثني عشر يومًا أيضًا لم يساعدنا أحد وكنا وحدنا من دافع عن البلاد.
وخلال حرب الثمانية أعوام، استطاعت إيران بالاعتماد على كفاءات قواتها الماهرة استخدام الأسلحة المتبقية من النظام السابق بشكل فعّال، وهنا يمكن الإشارة إلى طائرة F14 التي كانت أحدث التقنيات وتم استلامها في عهد الشاه فعندما غادر الخبراء الأجانب البلاد، اعتقد الجميع أننا لن نستطيع تشغيلها لكن الخبراء الإيرانيون المتمرسون استخدموها بكفاءة عالية ومن دون أي استشارة خارجية وقد استخدمنا الأسلحة المتاحة لدينا وصنعنا أسلحة جديدة بأنفسنا
إن الصواريخ المنتجة في فترة الحرب هي أساس الصناعات الصاروخية الإيرانية الحالية إلى أن أصبحت إيران اليوم إحدى القوى الصاروخية في العالم، ومن أوجه التشابه أيضًا أن المنظمات الدولية لم تقدّم أي دعم لإيران خلال الحرب، وحتى في القرار 598 لم يكن هناك شيء لصالح إيران سوى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وتشكيل لجنة لتحديد المعتدي وهو ما ثبت لاحقًا بأنه نظام صدام، ومع ذلك لم تحصل إيران على أي دعم فعلي.
وفي الأحداث الأخيرة أيضًا لم تقدّم الأمم المتحدة أي مساعدة لإيران واكتفت بدعوة الطرفين إلى ضبط النفس، وهذا يدل على أن الأمم المتحدة لا تقوم بالدور الفعّال الذي أُنشئت من أجله.
من كل ذلك يتضح أن الإيراني لا يقبل الذل ويقف في وجه القوة، ولا يساوم على استقلاله ويعتمد على ذاته، وبناءً على شعار “نحن قادرون”، تسعى إيران لحل مشكلاتها وكما دافعت عن نفسها عبر تطوير الصواريخ والأسلحة، فهي أيضًا تبادر إلى المصالحة إذا قُدّمت لها يد الصداقة.
فبعد سقوط نظام صدام وظهور داعش التي صنعتها أمريكا وكادت تسقط بغداد ساعدت إيران العراق رغم أنها كانت في السابق في حالة حرب معه وإيران اليوم تساعد جيرانها أيضًا.
إن إيران وعلى مدى تاريخها أظهرت دائماً استعدادها للتفاوض لكن التفاوض الذي يقوم على مبدأ المساواة والاحترام المتبادل، غير أن المشكلة تكمن في أن الأمريكيين غير مستعدين لمثل هذا النوع من التفاوض فهم يريدون فقط فرض إرادتهم على الطرف الآخر، وإيران لن تقبل أبداً بهذا الإملاء إذ إنهم يحاولون من خلال الضغط الاقتصادي والعمليات العسكرية أن يفرضوا أهدافهم غير المشروعة وهذه الأساليب مرفوضة لأيّ إيراني ولذلك يقف الإيرانيون في وجه هذه الممارسات التعسفية.
كما أنّ إحدى المشكلات التي تواجهها الولايات المتحدة اليوم هي أنّ ترامب وفريقه يفتقرون إلى أيّ خبرة دبلوماسية حيث يتكون فريق ترامب في الغالب من مقدّمي برامج ومن شخصيات تلفزيونية في قناة فوكس نيوز ويتصورون أن ساحة الدبلوماسية والسياسة هي مجرد منصة تلفزيونية للعرض واتخاذ المواقف.
في الماضي أيضاً تولّى رئاسة الولايات المتحدة أشخاص لم تكن لديهم خلفية دبلوماسية مثل رونالد ريجان الذي كان ممثلاً، إلا أنّه قبل أن يصبح رئيساً اكتسب خبرة ولديه فريق قوي شكّل له صورة سياسية، وكذلك كارتر الذي كان مزارعا لكنه قبل تولّيه الرئاسة كان حاكماً في ولاية جورجيا واكتسب خبرات أما ترامب، فجاء بلا خبرة وبلا معايير دبلوماسية ومع ذلك أصبح رئيساً للولايات المتحدة بتلك الطريقة.
لقد ظهر نقص خبرتهم مؤخرًا؛ فقبل انتخابات العراق، اتصل وزير الدفاع الأمريكي بالعراقيين وهددهم بشكل صريح وغير لائق بضرورة حل الحشد الشعبي وكان نتيجة هذه السياسة الخاطئة أن الانتخابات جرت بمشاركة واسعة تجاوزت 50٪، وأن القوى الثورية حصدت أصواتًا أعلى ومقاعد أكثر وبالأسلوب ذاته من الطبيعي أن يرفض الإيرانيون ضغوط ترامب ويقفوا في وجه الغطرسة الأمريكية.
إن هذا الصراع فيه صعود وهبوط والنصر والهزيمة أمر طبيعي، وإذا كان الكيان الصهيوني بدعم أمريكي يرتكب الجرائم المروعة في غزة ويستخدم المجاعة كسلاح، فذلك لا يعني أن إرادة الشعب الفلسطيني يمكن محوها، إذ إن الإرادة الإنسانية لا تُقهر بالسلاح وما يتعرض له الفلسطينيون اليوم لا يعني أن حماس أو حزب الله أو أنصار الله أو الحشد الشعبي يمكن القضاء عليهم فالتقلّبات طبيعية، لكن إرادة الإنسان في الدفاع عن قضيته لا يمكن إبادتها وهذا من ثمار الثورة الإسلامية.
ومع ظهور الثورة الإسلامية بدأت دول المنطقة تدرك حقوقها وتستيقظ عليها وأصبحت أكثر عزماً على انتزاع تلك الحقوق ومن الطبيعي أن يكون من آثار الثورة الإسلامية الإيرانية ما نشهده اليوم في دول المنطقة ومنها العراق ولبنان واليمن، حيث يكافح الناس من أجل حقوقهم.
ـــــــــــــــــــــ
تقرير مترجم من صحيفة “هفت صبح” الإيرانية (بالعربية: السابعة صباحا) بعنوان “توصیه مشاور بینالملل مقام معظم رهبری به ترامپ” (بالعربية: نصيحة مستشار المرشد الأعلى للشؤون الدولية إلى ترامب) نشرت يوم 25 آبان 1404 هـ. ش. الموافق 15 نوفمبر 2025م.
