إن مقترح وقف إطلاق النار والسلام في غزة، الذي طُرح مؤخرًا في الأوساط الدولية ومن قبل الولايات المتحدة ــ والذي أسفر عن التوصل إلى اتفاق شرم الشيخ للسلام برعاية مصرية ــ ليس مجرد خطة سياسية، بل هو فرصة تاريخية لإنقاذ أرواح آلاف الأبرياء وإعادة الهدوء إلى غزة تلك المنطقة التي احترقت بنيران الصراعات لعقود.
إن حياة الإنسان تسمو على أي اعتبار آخر، فاستمرار الحرب اليوم يعني تهديدًا مباشرًا لحياة المزيد من البشر، في حين أن قبول هذه الخطة يمكن أن يكون بمثابة شريان حياة يفتح نافذة نحو مستقبل مشرق.
تكمن النقطة الجوهرية في هذه الخطة في قبولها من قبل معظم الدول العربية وحركة حماس، وهذا الإجماع النسبي يشير إلى تحول أساسي في المشهد السياسي في الشرق الأوسط، ويبدو أن الأفكار التي كانت يومًا ما عائقًا أمام أي اتفاق، بدأت تتلاشى لتحل محلها العقلانية والواقعية.
ولعل هذا القبول الواسع يوفر الشرط الأهم والأكثر ضرورة لنجاح الخطة، وهو تأسيس دولة فلسطينية منزوعة السلاح قادرة على ممارسة سيادتها الحقيقية ضمن إطار محدد.
إن أهم إنجاز لهذا السلام بالنسبة للشعب الفلسطيني هو الاستفادة من الموارد الطبيعية والاقتصادية التي حُرم منها لسنوات طويلة، فالوصول الحر إلى البحر الأبيض المتوسط ليس مجرد حق جغرافي، بل هو شريان رئيسي للتجارة والسياحة والتواصل مع العالم الخارجي.
كما أن الشعب الفلسطيني، بما يمتلكه من مواهب ومثابرة يضرب بها المثل، يمكنه، إذا ما اغتنم هذه الفرصة، أن يخطو بسرعة على طريق التقدم والتنمية، وتجدر الإشارة إلى أن الفلسطينيين، من حيث مستوى التعليم والمهارات، يتفوقون في العديد من المجالات على جيرانهم العرب.
هذا الرأسمال البشري الثمين، إذا ما وُضع في بيئة مستقرة وسلمية، يمكن أن يتحول إلى محرك اقتصادي قوي للمنطقة بأسرها.
وفي الواقع لن يقتصر التأثير الإيجابي لهذا السلام على حدود فلسطين وحدها، فالاستقرار في فلسطين يعني الاستقرار في الشرق الأوسط بأسره، ويمكن أن يمهد الطريق لتعاون اقتصادي وأمني غير مسبوق بين دول المنطقة.
ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدوء يتطلب تحمل جميع الأطراف لمسؤولياتها، فاليوم، يجب على نفس الدول والمؤسسات التي ساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في إحداث هذه الأضرار أن تشارك في إعادة إعمار غزة.
وفي هذا السياق، يعتبر دور الولايات المتحدة الأمريكية، الحليف الرئيسي لإسرائيل، حيويًا، إذ يجب على واشنطن أن تستخدم نفوذها لكبح جماح السلوكيات العدوانية الإسرائيلية، وأن تضمن التزام هذا الكيان بتعهداته في إطار الاتفاق.
لضمان نجاح هذه الخطة، هناك عدة شروط أساسية لا يمكن التغاضي عنها.
أولاً: يجب على إسرائيل أن تكف بشكل كامل وغير مشروط عن العدوان والاحتلال.
ثانيًا: يجب على الدول العربية أن تتحرك بسرعة وجدية تامة نحو إعمار غزة وإصلاح الدمار الذي خلفته الحرب.
أخيرًا: يمكن لهذه الخطة، بل ويجب عليها، أن تفضي على المدى الطويل إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة.
فمثل هذه النتيجة ليست فقط طموحًا تاريخيًا للشعب الفلسطيني، بل هي الضامن الحقيقي الوحيد للسلام.
هذه الخطة، إذا ما تم المضي بها قدمًا بحكمة جماعية وإرادة صلبة، يمكنها أن تضع حدًا للأطماع الإسرائيلية وأن تفتح فصلاً جديدًا في تاريخ الشرق الأوسط المضطرب، وهو فصلٌ تتغلب فيه الكرامة الإنسانية والمنطق على التوتر والدمار.
ــــــــــــــ
مقالة مترجمة بعنوان “غزه و چشمانداز صلح و ثبات” (بالعربية: غزة وآفاق السلام والاستقرار) بقلم، فريدون مجلسي في صحيفة آرمان ملى (بالعربية: الآمال الوطنية)، نشر يوم جمعه ۱۸ مهر ۱۴۰۴هـ. ش. الموافق الجمعة 10 أكتوبر 2025م. ترجمتها للعربية: د. مايسة العرابي.
