لطالما كانت إيران محط اهتمام دوائر صنع السياسات في العالم والإقليم عبر تاريخها الطويل، غير أنها منذ نجاح الثورة الإيرانية لعام 1979م، وما استتبعها من تغيير جذري في السياسات الداخلية والخارجية معا، أصبحت محط اهتمام القاصي والداني وأصبحت الحاجة إلى فهم إيران حاجة ماسة لدى كل من يعرف السياسة أو يتابعها أو يشتغل بها.
فبين ضغوط العقوبات الدولية وتعقيدات الملف النووي، والدور الإيراني الإقليمي وحلول اسم هذا البلد كخبر رئيسي في كل نشرات الأخبار، برزت مدرسة يمثلها جيل من الدبلوماسيين والمفكرين الإيرانيين صاغوا خطابا جديدا وتحليلا مغايرا يجمع بين الثبات والمرونة، والمبدأ والمصلحة، والعقيدة والبراجماتية.
تتجلّى ملامح هذه المدرسة في ثلاثة كتب أساسية صدرت مؤخرا عن دار آل هاشم في بيروت، تمثل معا ميثاقا غير مكتوب للدبلوماسية الإيرانية المعاصرة، جنبا إلى جنب مع طبيعة اتخاذ القرار حيال اللحظات الأكثر حسما في عمر هذه الدولة.
في السطور التالية عرض موجز لكتب: “صمود الدبلوماسية” لوزير الخارجية الإيرانية الأسبق، محمد جواد ظريف، و”قوة التفاوض” لوزير الخارجية الإيرانية الحالي عباس عراقجي، و”إستراتيجية إيران الكبرى” للمفكر الأمريكي من أصول إيرانية ولي نصر.
محمد جواد ظريف: الدبلوماسية كأداة للصمود
في كتابه “صمود الدبلوماسية”، يقدّم الدكتور محمد جواد ظريف شهادة شخصية عن سنوات من العمل في قلب العاصفة السياسية، فهو لا يكتب مذكراته بقدر ما يؤسس لفلسفة في العمل الخارجي قائمة على فكرة أن الصمود ليس رفضا للتغيير، بل إدارة ذكية للثوابت وسط العواصف.
يستعرض ظريف مراحل التفاوض النووي وما رافقها من تحديات، موضحا كيف استطاعت طهران، برغم القيود والعقوبات، أن تفرض على المجتمع الدولي الاعتراف بدورها الإقليمي.

كتاب صمود الدبلوماسية للدكتور محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الأسبق
وفي العمق من هذا العمل الكبير الذي يقع في 613 صفحة، يقدم ظريف نموذجا لما يسميه الباحثون في العلاقات الدولية بـ”القوة الذكية”؛ أي الجمع بين الخطاب الثوري والمناورة الدبلوماسية الواقعية.
لكن أهم ما فيه أنه يكشف بالوقائع والأسماء كواليس وأسرار تنشر للمرة الأولى عن علاقات إيران بحلفائها وأضادها على حد سواء، لاسيما ما يهم الجميع في الأوساط السياسية العالمية وهو: علاقة إيران الملغزة بكل من روسيا والصين.
عباس عراقجي: التفاوض يمنح القوة للبلاد
الكتاب الثاني هو “قوة التفاوض” للدكتور عباس عراقجي، رفيق ظريف في مفاوضات فيينا وجنيف، ووزير الخارجية الحالي، وهو يأخذنا في كتابه إلى كواليس العملية التفاوضية نفسها، حيث تتقاطع الأعصاب الباردة بالحسابات الدقيقة.

كتاب قوة التفاوض للدكتور عباس عراقجي، وزير الخارجية الإيرانية
في هذا الكتاب يشرح عراقجي، بلغة هادئة ومدروسة، كيف بنيت نظرية التفاوض الإيرانية على ركيزتين، وهما: الصبر الإستراتيجي وامتلاك البديل.
ومن وجهة نظر عراقجي فإن فالقوة في التفاوض لا تأتي من الضغط أو التهديد، بل من القدرة على الانتظار من دون خسارة الموقف.
ومن زاوية أكاديمية، يمكن اعتبار هذا الكتاب بمثابة “دليل تكتيكي” لفهم فنون الممارسة الدبلوماسية الإيرانية، التي تمزج بين الأيديولوجيا والبراجماتية في توازن بالغ الحساسية.
ولي نصر: إستراتيجية إيران الكبرى تمزج بين التاريخ والجغرافيا
ينظر ولي نصر، الأكاديمي والمفكر الإيراني الأمريكي، إلى المشهد الإيراني من الخارج في كتابه “إستراتيجية إيران الكبرى”، ومن موقعه في المؤسسات البحثية الأمريكية، يقدم تحليلا معمقا وموثقا للكيفية التي أعادت بها طهران رسم خريطتها الإقليمية.

كتاب إستراتيجية إيران الكبرى للدكتور ولي نصر
ويرى نصر أن إيران لا تتحرك بدافع رد الفعل، بل ضمن مشروع طويل الأمد لإعادة التوازن الإقليمي، وقد قدم قراءة ثرية للغاية في التحولات الإيرانية من منظور جيوسياسي واقتصادي وثقافي، وشرح كيف استطاعت طهران أن تدمج أدوات “القوة الصلبة” و”القوة الناعمة” في مقاربة واحدة، تتجاوز حدود الجغرافيا إلى تشكيل الفضاء الذهني والسياسي في المنطقة.
وتكمن أهمية الكتاب في أمرين، وهما: شخص كاتبه، وهو الدكتور ولي نصر، نجل مفكر إيران الشهير، نصر حسين نصر، الذي يعد من أبرز المفكرين والفلاسفة الإيرانيين في القرن العشرين، وأحد أعمدة الفكر الإسلامي الحديث، فضلا عن موضوع الكتاب نفسه لأنه يقدم أداة شاملة لفهم بناء محور المقاومة الذي قادته إيران في آخر 30 عاما.
خاتمة ونتيجة وتوصية
بناء على ما أعلاه يمكن القول إن الكتب الثلاثة، برغم اختلاف مواقع مؤلفيها، تجمع على حقيقة واحدة، وهي أن إيران لم تعد مجرد لاعب سياسي في الشرق الأوسط، بل أصبحت مدرسة فكرية في فن إدارة القوة، وصنع السياسات.
في كتاب ظريف يمكن قراءة الجانب الفلسفي لهذه المدرسة، بينما يشرح عراقجي أدواتها العملية، غير أن وولي نصر يحلل نتائجها الجيوسياسية وتداعيات إستراتيجيتها على أمنها القومي من خلال معطيات التاريخ والجغرافيا.
والنتيجة التي يمكن التوصل إليها من خلال هذه الكتب الثلاثة أن صورة إيران أصبحت أكثر وضوحا من الداخل والخارج، فهي دولة تتفاوض وتلقى القنابل على أمامها على الطاولة، وتصمد دون أن تغلق باب الدبلوماسية، وتفكر على المدى الطويل حيث يكتفي الآخرون بردود الفعل القصيرة.
شخصيا أوصي كل متابع ومراقب للسياسات الإقليمية وخاصة في مضمار السياسات الإيرانية بالعالم العربي، ليس اقتناء هذه الكتب، بل دراستها والوقوف على مفاتيح الفهم فيها لمعرفة كيفية فك الطلسم الكامن في هذه البلاد التي لطالما استعصت على الفهم والتحليل.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
🛑 للانضمام إلى النشرة البريدية للمنتدى على واتساب من خلال الرابط التالي:
https://chat.whatsapp.com/HRhAtd7IrydFFx6i1zSI7S
🛑 رابط قناة الدكتور محمد محسن أبو النور على تليجرام:
https://t.me/iran_with_egyptian_eyes
🛑 رابط الحساب الرسمي للدكتور محمد محسن أبو النور على فيسبوك:
https://www.facebook.com/mohammedmohsenaboelnour1
🛑 رابط قناة الدكتور محمد محسن أبو النور على يوتيوب:
https://www.youtube.com/@MohammedMohsenAboElNour