إن نقص المياه وعدم سقوط أمطار الخريف حقيقة تستدعي أن يضبط الجميع أساليبهم وسلوكياتهم بما يتناسب مع ظروف الجفاف، ولكن هل كل واقع، من الجفاف إلى الهطولات الغزيرة، يُعدّ أزمة أو يتحول إلى أزمة؟
إن قلّة المياه، وفي الأصل فترة الجفاف وضعف الهطول، حقيقة جعلها علم المناخ والأنظمة والتقنيات الحديثة قابلة للتنبؤ، كما أن الوعي بالمؤشرات والانتباه إلى الاتجاهات يعني رؤية الواقع في الوقت المناسب وبالطريقة الصحيحة، سواء أكان وفرة أم جفافاً، ومن ثم التدبير والاستعداد والتخطيط.
لكن كيف يكون سلوكنا في هذا البلد؟ شيئاً فشيئاً أصبحنا نتعامل مع كل الوقائع والأحداث بسلوك مأزوم. لقد بلغنا مرحلة تحوّلت فيها حتى الأمور العادية والاعتيادية إلى أزمات صغيرة وكبيرة.
إن واقع الحياة اليوم مليء بالصعوبات، ولكن المؤسف أننا في كثير من الأحيان وصلنا إلى وضع يكون فيه “تحوّل الأمور إلى أزمات” هو المشكلة الأساسية.
بالطبع هناك أعداء خارجيون وداخليون يقومون بالتخريب وصناعة الأزمات، لكن لا يمكن أن تكون كل القضايا مفاجئة أو تُعرّف باعتبارها أزمة.
وعندما تصبح الدولة، بدلاً من الانتباه اللازم والتنبؤ والإجراء المتناسب والتدبير والإعداد السليم والمدروس، غارقة في التوتر وصراعات مدمّرة، وفي عدم الكفاءة وتعطل المؤسسات في الأجهزة المختلفة، فلن يسير أي شيء في مكانه الصحيح؛ سواء أمطرت السماء أم لم تمطر، سنبقى عالقين في الأزمة.
يجب على الناس والإدارة العليا والدنيا في البلاد أن يتعلموا ألا يتجاهلوا المؤشرات القابلة للتنبؤ، وألا يؤجلوا الأمور أو يؤخّروها، وأن يستخدموا مهارات التفكير والتحليل.
إن هذا الوضع مؤشر مخيف على أننا لا نُحسن استخدام قدراتنا العقلية بالشكل الصحيح، أو أننا لا نمتلك القدرات العقلية الكافية لإدارة أوضاعنا، أو ربما نحن منشغلون ومنصرفون إلى أمور أخرى على نحو لا نرى معه الحقائق الواضحة والمصيرية، أو لا نريد أن نراها أو نعرفها.
من الجيد أن نعيد قراءة كلمة “الأزمة” ونعرف معناها، فمنظمة الصحة العالمية (WHO) تُعرّف الأزمة بأنها “أي حالة أو حدث يُحدث خطراً جسيماً على الصحة أو الأمن أو الرفاه العام ويحتاج إلى استجابة فورية.”
هذا التعريف يوضح أن الأزمات حالات تخلق تهديداً وخطراً جديين على صحة وأمن المجتمع أو السكان أو البيئة، وتتطلب إجراءات فورية وفعّالة من المؤسسات والجهات المسؤولة، ومن ناحية أخرى، يمكن تعريف الأزمة بوصفها حالة مفاجئة وغير متوقعة من فقدان التوازن تؤدي إلى أضرار خطيرة ومخاطر كبيرة للأفراد والجماعات في المجتمع.
وغالباً ما تكون هذه الظروف خارج نطاق قدرة الأفراد العادية على السيطرة والمعالجة، ويتطلب التعامل معها استجابة سريعة وفعّالة، إن إعادة قراءة مفهوم “الأزمة” تكشف أن كل حقيقة، سواء كانت صعبة أو سهلة، مريرة أو حلوة، ليست بالضرورة أزمة أو تتحول إلى أزمة.
لقد تكررت كلمات مثل الأزمة، التحدي، والتحديات الكبرى كثيراً في كلام الناس والمسؤولين وفي الاجتماعات والكتابات، إن مؤشرات الضغط والاضطراب على حياة الناس واضحة إلى درجة لا تخفى على أحد: نحن نعيش في أزمات متعددة، متسلسلة وهدّامة.
إن تاريخ إيران والعالم مليء بالمراحل الصعبة، من الحروب العالمية والأوبئة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ولكن السؤال الأساسي هو: كيف واجهت الحكومات تلك الأزمات، وكيف تجاوزتها الشعوب؟
ينبغي الانتباه إلى أن دور الحكومات ليس كدور الناس، كما أن الصمود البنّاء والعثور على الفرص داخل التهديدات ثمرة تعاون واعٍ بين الحكومة والشعب. إن الفارق في الذكاء الإداري، والمهارات التنفيذية، والقدرة على إدارة الأزمات هو ما يرسم مصير الدول، فبعض الأفراد والعائلات والمجموعات في الأزمات يسعون بوعي أكبر وإعادة تقييم للوضع وتغيير الإستراتيجيات إلى منع تعميق الأزمة.
إن إدارة الأزمات تحتاج إلى رشاقة وذكاء وسرعة بديهة وتفكير إستراتيجي ومرونة، وإذا لم يمتلك الفرد أو الجماعة القدرة والمهارات اللازمة للإدارة أثناء الأزمة، فإن الأزمة ستتعقد، وستتطلب كل مهمة بسيطة تكلفة وزمناً هائلين، وستقل إمكانية إيجاد الحلول.
بعبارة أخرى، إن كيفية العيش في مواجهة الأزمة هي بحد ذاتها أزمة، كما أن مشكلتنا الكبرى اليوم هي أزمة “التهويل بالأزمات”؛ وهي ظاهرة ينخرط فيها الناس والمديرون بطرق مختلفة.
الأزمة حدث مفاجئ ومتسارع يؤدي إلى وضع خطير وغير مستقر للفرد أو الجماعة أو المجتمع.
ومثل هذه الظروف تحتاج إلى إجراءات خاصة وجذرية لحلّها، والأزمة ضغط نفسي واجتماعي كبير يكسر نظام الحياة ويصيب ردود الأفعال الاجتماعية بالاختلال، مصحوباً بالأضرار الجسدية والمالية والتهديدات والاحتياجات الجديدة.
وإذا لم تُدر التحديات بطريقة صحيحة، فإنها تنتقل وتتوسع من مكان إلى آخر، ويمكننا ويجب علينا أن نتعلم كيف نعيش بشكل متكيّف في بلد قليل الأمطار، وهذا يتطلب برنامجاً وطنياً شاملاً يُعدّه متخصصون وخبراء إلى جانب شبان مبتكرين وخلاقين.
إن تنفيذ مثل هذا البرنامج مسؤولية الحكومة والمؤسسات العامة كالأمانات والبلديات. وعندما يرى الناس أن هناك إجراء منسقاً ومدروساً يُنفذ للحد من الضرر والبحث عن حل، فإنهم سيتعاونون.
يجب أن يتضمن هذا البرنامج التعليم والتوعية وتنمية المهارات وتمكين المجتمع. ويجب التأكيد بصوت عالٍ: إن مصالح الناس، وأوضاع البلاد، والقضايا الإقليمية لا تحتمل المجاملة ولا التساهل ولا التجربة والخطأ أمام عدم الكفاءة.
إذا لم يستطع شخص أو لم يرغب في القيام بعمله، فيجب التفكير في مدير بديل، وأن يترك المديرون المرفّهون ترف عيش أيام الرخاء، إن البلاد بحاجة إلى مديرين متخصصين ومخلصين ومضحّين لحل المشكلات ومنع تحوّل الأمور إلى أزمات.
لا يمكن تخفيض كثافة السكان عبر التحذير أو الإخطار بإخلاء المدن. وإن فك الازدحام عن طهران والمدن الكبرى يحتاج إلى تدبير وإعداد ظروف حياة لائقة وفرص عمل في جميع أنحاء البلاد. ولتحقيق ذلك، يجب تشكيل شبكة من المواطنين التي تنتج قيمة من خلال برنامج قائم على الوعي والقدرة والتعاون، برنامج يحتاج إلى استقرار اقتصادي وإمكانية التنبؤ.
هل جاءت قلّة المياه فجأة؟ أليست قابلة للتنبؤ؟ ألم يكن لها آلية وإعداد؟ في بلد أنشأت فيه الأجيال السابقة قبل نحو سبعة آلاف عام القنوات المائية ومعها الساعة المائية والطاحونة المائية بوصفها هياكل ذكية لإدارة المياه ووسّعتها، كيف تُركت كل تلك الآليات المتكيفة مع البيئة خلال العقود الأخيرة، وفُرض كل ما لا ينبغي فرضه على الأرض بسرعة، ثم أُطلق عليه اليوم اسم أزمة؟ إن هذا، أكثر من كونه قسوة الطبيعة وشدّتها، هو صُنع بشري للأزمات خلال القرن الأخير.
ــــــــــــــــــــــــــ
مقاله بعنوان “بحرانزدگی؛ از آگاهی تا درمان.. برای واقعیتها باید برنامه داشت و نه فقط واکنش” (بالعربية: الإصابة بداء الأزمات؛ من الوعي إلى العلاج.. يجب أن نواجه الواقع بخططٌ مسبقة، لا مجرد ردود أفعال). بقلم: إلهام فخاري، عالمة في علم النفس، منشورة في جريدة سازندگی الإصلاحية (بالعربية: البناء) بتاريخ ۲۱ آبان ۱۴۰۴ هـ. ش. الموافق 11 نوفمبر 2025م.
