في 18 أكتوبر 2025م، انتهى العمل بالقرار الأممي رقم 2231 الصادر عام 2015 وهو القرار المعني بالاتفاق النووي بين إيران والمجتمع الدولي، وذلك بعد مضي مدة الاتفاق المنصوص عليها، وهي عشر سنوات.
فشل جهود تمديد الاتفاق
فقبل ذلك فشلت الجهود الروسية والصينية لتمديد العمل بالاتفاق لمدة 6 أشهر أخرى لإفساح المجال للجهود الدبلوماسية لإعادة الأطراف إلى طاولة المفاوضات، لكن مع الرفض الأمريكي والأوروبي لذلك المقترح في مجلس الأمن تحللت إيران من قيود الاتفاق وبات التصعيد هو لغة الموقف الحالي.
بانتهاء العمل بالاتفاق النووي يمكن للأمم المتحدة أن تعيد حزم العقوبات التي كانت مفروضة على إيران خلال الفترة التي سبقت توقيع الاتفاق النووي في عام 2015، وبذلك تكون إيران عرضة للوقوع تحت طائلة أكبر قدر من العقوبات العالمية المدعومة من المجتمع الدولي.
من المؤكد أن ذلك سيثقل كاهل اقتصاد طهران المأزوم نتيجة العقوبات التي فرضتها واشنطن وتجمع بروكسل بعد الانسحاب الأمريكي أحادي الجانب من الاتفاق النووي عام 2018 بجانب ما خلفته الحرب الإسرائيلية الأمريكية على البنية التحتية الإيرانية في يونيو الماضي.
تشير مراكز الفكر الأمريكية إلى أن الولايات المتحدة تضع خيارات عدة للتعامل مع إيران خلال الفترة المقبلة، سواء شرعت إيران في إعادة بناء برنامجها النووي مرة أخرى أم لا، مع التأكيد على أن إيران لن تتوقف عن التصعيد الذي ستواجهه من جراء إنهاء الاتفاق النووي.
ويمكن النظر في تلك الخيارات على النحو التالي:
1 – خيار اللاسلم واللاحرب
يستند ذلك الخيار على يقين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بإنهاء البرنامج النووي الإيراني بعد الضربة التي وجهتها قاذفاته الإستراتيجية من طراز B2 إلى المنشآت النووية الثلاث في إيران (أصفهان – فوردو – نطنز)>
فضلا عن استناد ترامب إلى التقارير الاستخباراتية التي قدمتها وكالة الاستخبارات المركزية CIA والتي أكدت أن تلك الضربات على المواقع النووية حققت الهدف منها وهو كتابة نهاية البرنامج النووي الإيراني، وبالتالي فلا حاجة للدخول مع إيران في حرب.
ويشير ذلك الخيار أيضًا إلى أن الوضع في إيران سيكون تحت المراقبة المستمرة من عملاء الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، حتى يتم تقويض برنامج إيران النووي إذا ما عملت طهران مرة أخرى على محاولة استعادته من تحت الأنقاض.
2 – خيار العقوبات
وهو الخيار الذي يستند على أن فرض العقوبات الأممية مرة أخرى على إيران يثقل كاهل اقتصادها المتأزم أصلا والعاجز عن الإنفاق على استعادة برنامجها النووي أو الإنفاق على وكلاء إيران في الإقليم، خاصة بعد انهيار أذرع محور المقاومة المدعوم إيرانيًا، وفي القلب منهم الفصائل الفلسطينية، ونظام بشار الأسد، وتحييد الميليشيات المسلحة في العراقز
لم يتبق إلا حزب الله في لبنان، الذي تمارس عليه الولايات المتحدة الأمريكية ضغوطًا لنزع سلاحه من خلال ورقة أمريكية قدمت للحكومة اللبنانية لحصر السلاح بيد الدولة، وهو ما يرفضه الحزب جملة وتفصيلًاز
كما تسعى واشنطن وإسرائيل لتقويض الميليشيات الحوثية التي تسيطر على شمالي اليمن والتي توجه صواريخها وطائراتها المسيرة الإيرانية الصنع من وقت لآخر لإسرائيل وتصيب أهدافها.
فيما ترى الولايات المتحدة أن جملة الضربات العسكرية التي تمنى بها الميليشيات الحوثية في اليمن أو حزب الله في لبنان يمكنها أن تقوض من قدرتهما على تشكيل هاجس لأمن إسرائيل في الإقليم، فيما قد تتسبب العقوبات الاقتصادية في تكبيل إيران عن دعم هؤلاء الوكلاء، بجانب ضعف قدرة إيران على الإنفاق على البرنامج النووي من جديد، وهو ما قد يحقق الغرض المنشود بإضعاف إيران وتحجيم قدراتها داخل جغرافيتها.
3- التصعيد العسكري المسلح
وهو الخيار الذي تزكيه إسرائيل من وقت لآخر، وتستند فيه على ما تقول عنه إنه معلومات استخباراتية صادرة عن معهد العلوم والأمن الدولي في واشنطن، وهو الذي رصد نشاطًا مكثفًا تحت أنفاق منشأة أصفهان النووية التي تعرضت للقصف الأمريكي صبيحة يوم الأحد 22 يونيو الماضي، وهي العملية التي أطلق عليها اسم “مطرقة نصف الليل”، والتي استهدفت تدمير المنشآت النووية الحصينة التي تقوم على تخصيب اليورانيوم بنسب عالية وإنتاج الماء الثقيل.
تستند إسرائيل في ذلك على تلك الصور التي رصدتها الأقمار الصناعية كمحاولة إيرانية لإعادة تأهيل البنية التحتية لتلك المنشآت الحساسة.
ونشرت صحف إسرائيلية عدة أبرزها يديعوت أحرونوت عدة صور ملتقطة خلال شهري سبتمبر وبداية أكتوبر تؤكد على وجود محاولات إيرانية لترميم المنشآت النووية المتضررة، وهو ما تسعى من خلاله إسرائيل إلى تحفيز إيران على توجيه ضربات أخرى إلى إيران خلال الفترة المقبلة لتدمير أي بنى تحتية نووية لإيران قد تظهر في المستقبل على أنها تهديدًا للمنطقة والعالم.
ويمكن القول إن خيار التصعيد العسكري مع إيران قد يكون هو الأوقع خلال الفترة المقبلة لعدة اعتبارات من أهمها:
أولًا: مناعة الولايات المتحدة الأمريكية
في مسألة الهجوم المباغت بعد الضربة الكبيرة التي وجهتها واشنطن باستخدام قاذفات البي تو، حيث لم تتعرض واشنطن لأي رد فعل عالمي يدين ما أقدمت عليها، إلا بعض بيانات الإدانة الصادرة من الدول العربية والإسلامية، فيما لم يصدر من دول تجمع بروكسل.
فيما اكتفى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش ببيان يعلن فيه أنه “لا يوجد حل عسكري وأن السبيل الوحيد هو المضي قدمًا في الدبلوماسية”، وهو ما أضعف من قدرة المجتمع الدولي على إيقاف الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل عن تحركاتهما العسكرية ضد إيران نتيجة غياب الآليات الفعالة لتحركات الدولتين.
ثانيًا: وقوع إيران تحت وطأة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة
وهو ما يخول لأي دولة كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية أن تتقدم بطلب لمجلس الأمن لمباركة عمل عسكري ضد إيران، بسبب مخاوف إقليمية وعالمية من برنامجها النووي، وذلك بعد أن قدمت دول أوروبا المسوغات اللازمة لإعادة تفعيل آلية “سناب باك” على إيران مرة أخرى بدعوى عدم التزام طهران بتعهداتها.
فضلا عن منع مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية من الوصول إلى المواقع النووية الإيرانية الحساسة، والكشف عن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، إذ عرضت واشنطن على طهران أن تحصل على تلك النسبة ورفضت الأخيرة الطلب الأمريكي مقابل رفع العقوبات، وهو ما زاد من تأزيم الوضع بين الجانبين.
ثالثًا: المحاولات الإيرانية لإعادة العمل بالمنشآت النووية
مع رفض إيران دخول المفتشين الدوليين، لحجب القدرة على الوصول لمعلومات عن حجم التدمير الكبير الذي لحق بالمنشآت النووية الإيرانية، واستمرار العمل بشكل سري داخل أنفاق المنشآت النووية، وتحلل إيران من قيود الاتفاق النووي بعد انتهائه رسميًا.
ولعل ما سبق يعطي الحق لإيران للاستمرار في تطوير منظومتها النووية، بشرط الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وهو ما قد تقدم عليه إيران خلال الفترة المقبلة، بقرار من مجلس الأمن القومي الإيراني، كرد فعل على ممارسات واشنطن ودول أوروبا تجاه إيران وتصعيدهم ضدها.
خاتمة
في كل الأحوال فإن التصعيد هو سيد الموقف، وينظر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعين الريبة لأي نشاط إيراني في أنفاق منشآتها النووية، وقد صرح مسبقًا من على منصة الكنيست الإسرائيلي بأنه نجح في إنهاء البرنامج النووي الإيراني، وأنه على استعداد لضرب إيران مجددًا إذا استمرت في تطوير منظومتها النووية، وهو ما يشير إلى تحفز الولايات المتحدة الأمريكية المستمر تجاه نشاط إيران النووي، خاصة بعد كتابة سطر النهاية للاتفاق النووي الموقع عام 2015.
وبجانب ذلك التحفز الأمريكي فإن التصريحات الإسرائيلية المستمرة حول أن “الحرب مع إيران لم تنتهِ” تشير إلى استعدادات إسرائيلية مكثفة لضمان التفوق العسكري الإسرائيلي على حساب إيران ووكلائها في الإقليم، بالاستعداد المستمر لتوجيه ضربات مستقبلية للعمق الإيراني مجددًا إذا ما أقدمت إيران على تطوير بنيتها النووية.