يمكن اعتبار قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية الأخير قرارًا سياسيًا بحتًا، فهو قرار أُعِدّ بشكلٍ مباشر لمصلحة الولايات المتحدة وثلاث دول أوروبية، وكان هدفه منذ البداية ممارسة ضغط سياسي ونفسي على الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
لقد أثّر اعتماد هذا القرار عمليًا على ما تبقى من العلاقات بين إيران والوكالة، وأفضى إلى دفع طهران لإعادة النظر في نهجها السابق حيال مسارات التعاون الفني والرقابي، كما أفقد “اتفاق القاهرة” الذي طُرح خلال الأشهر الماضية بوصفهِ إطارًا لأدنى حدٍ من تنظيم العلاقات بين إيران والوكالة، فاعليته بشكلٍ عملي عقب صدور هذا القرار.
ويبدو أن الغاية الأساسية من هذا الإجراء هي الحدّ من القدرات النووية لإيران ومنع تقدّمها في مجال التخصيب وسائر التقنيات المرتبطة به، وفي ظل هذه الظروف، أصبح من الطبيعي أن تفسد البيئة اللازمة لاستمرار التعاون وفقًا لـ”اتفاق القاهرة”، لكونهِ قائمًا على نوع من التفاهم والثقة المتبادلة، وهذه الثقة قد تقوضت الآن بفعل الخطوة الأخيرة للدول الغربية.
كما يبدو أن المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، قد خضع لتأثير ضغوط مارستها واشنطن وعدد من العواصم الأوروبية، وأسهم هو وغالبية أعضاء مجلس المحافظين إسهامًا جوهريًا في تقديم وصياغة مسودة هذا القرار.
وبالرغم من ادعائه الدائم بالحياد، إلا أن أسلوب تعامله مع البرنامج النووي الإيراني يُظهر سعيه لتمرير المصالح السياسية للغرب على هيئة تقارير ومواقف فنية.
وتتمثل المرحلة الأولى من تداعيات القرار في الإلغاء العملي لاتفاق القاهرة وتعطيل أحكامه، وعلى ضوء ذلك، دخلت الجهات الرسمية الإيرانية في سلسلة من المشاورات التي شملت بحث خيارات متعدّدة، من بينها خفض مستوى التعاون مع الوكالة، بل والنظر في المتطلبات المحتملة للانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT).
وعلى الرغم من أن اتخاذ القرار النهائي في هذا السياق يستلزم فحصًا قانونيًا وفنيًا وسياسيًا دقيقًا، إلا أن استمرار النهج الراهن وتواصل ضغوط مجلس المحافظين سيؤديان إلى تضييق مجال التعاون يومًا بعد يوم.
ومع ذلك، ينبغي إدراك أن وقف التعاون بشكل كامل مع الوكالة ــ على الرغم من انحيازاتها ــ لا يخدم بالضرورة المصالح الإيرانية، فالوكالة هيئة دولية، ويمكن للتفاعل البنّاء معها أن يسهم في إدارة الضغوط السياسية وتفادي نشوء إجماع أشدّ حدّة ضد إيران.
بناءً على ذلك، يتعيّن أن تكون السياسات المتّبعة في هذا المجال مدروسة، ومتدرجة، ومرتكزة إلى المصلحة الوطنية، بما يضمن الرد على الضغوط السياسية دون إغلاق مسار الدبلوماسية والتعاون الفني إغلاقًا تامًا.
ـــــــــــــــــ
مقال نُشر في صحيفة “آرمان ملى” (بالعربية: الآمال الوطنية) بعنوان “خروج از توافق قاهره” (بالعربية: الانسحاب من اتفاق القاهرة) كتبه: حسن هانى زاده خبير العلاقات الدولية بتاريخ 1 آذر 1404 هـ. ش. الموافق السبت 22 نوفمبر 2025م.
