في صباح الجمعة نُشر مقطع مصوَّر من مقابلة وزير الخارجية الإيراني الدكتور عباس عراقجي مع إحدى وسائل الإعلام الداخلية، كشف فيه للمرة الأولى صراحةً عن مضمون رسالة ترامب إلى المرشد الإيراني آية الله علي خامنئي.
يقول عراقجي: “عندما كتب ترامب الرسالة، وضع أمامنا خيارين: إمّا الحرب وإراقة الدماء، وإمّا التفاوض المباشر لإنهاء التخصيب والبرنامج الصاروخي الإيراني. غير أنّ منظومة النظام صمّمت مساراً مختلفاً، فغيّرت أرضية وشروط اللعبة، ما اضطرّهم إلى القبول به”.
في يوم الأربعاء الموافق 19 فبراير 2025م، كشف دونالد ترامب في مقابلة مع فوكس نيوز عن هذه الرسالة. ورغم أنّ بعض المسؤولين العرب كانوا قد تحدثوا آنذاك عن مضمونها، إلا أنّ قائد الثورة الإسلامية، كما أعلن الشهيد الفريق محمد باقري في 6 إبريل 2025 ردّ بأنّ إيران لن تُجري مفاوضات مباشرة، لكن المفاوضات غير المباشرة لا إشكال فيها، لأنّ إيران لا تغلق باب الحوار، بل تتركه مفتوحاً «كي يكون بالإمكان التفاوض إذا تحرّكتم بصدق».
إشارة عراقجي إلى «تصميم النظام» تعني صيغة المفاوضات غير المباشرة، التي تحقق هدفين:
أولاً: امتصاص الضغط النفسي الذي كان ترامب يصبّه على المجتمع من خلال خطاباته المتكررة.
ثانيا: إبراز أحقية إيران في متابعة برنامجها النووي السلمي حتى في عهد إدارة ترامب.
وكان وزير الخارجية قد صرّح سابقاً بأنّ إيران ترحّب بـ«مفاوضات متكافئة»، وكرّر ذلك يوم الأربعاء 19 نوفمبر 2025 في حديثه مع مجلة إيكونوميست البريطانية، وقال بالحرف الواحد: «نعم، نحن نوافق على اتفاق، لكن على اتفاق عادل ومتوازن. المشكلة أن الأمريكيين، وتحديداً الإدارة الحالية، عندما يتحدثون عن الاتفاق، فهم يريدون في الحقيقة إملاء مطالبهم، وهذا ما جرّبناه».
أوضح عراقجي في حديثه عن آخر جهود إيران خلال الاجتماع السنوي للأمم المتحدة للتوصل إلى اتفاق يمنع إعادة فرض العقوبات عبر آلية «سناب باك»، قائلاً: «قبل شهرين فقط في نيويورك، كنا جاهزين للتفاوض، لكن لا لكتابة إملاءات.. نحن مستعدون للدخول في اتفاق، ولكن اتفاق عادل ومتوازن، لا اتفاق أحادي».
إن إصرار واشنطن على صفر التخصيب وتفكيك البرنامج الصاروخي معاً يؤكد أنّ ترامب لم يكن يسعى إلى التفاوض أصلاً.
فالجمع بين هذين المطلبين يدلّ على:
أولاً: أنّ الملف النووي ليس سوى ذريعة لفرض الضغوط على إيران كي تقبل بالهيمنة الأمريكية.
ثانياً: أنّ المطالب الأمريكية لا حدّ لها، كما قال أمين المجلس الأعلى للأمن القومي في لقاء مع الباحثين في العلوم الإنسانية في يوم 23 أكتوبر 2025م.
وقال علي لاريجاني آنذاك: «الآن يقولون لا يجب أن تكون لديكم تخصيب، مع أنهم كانوا قد أقرّوا لنا بذلك سابقاً. هؤلاء انتهازيون ومطالبهم لا نهاية لها؛ فبعد التخصيب سيقولون يجب تقليص مدى صواريخكم، ثم يطلبون في المنطقة أن تفعلوا ما نطلبه نحن. أعتقد أنّ مقاومة وطنية ضرورية أمام هذه المطالب، وعلى إيران والإيرانيين أن يصمدوا أمامها».
وكان يشير بذلك مباشرةً إلى تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الذي ظهر في مؤتمر صحفي مع نتنياهو في تل أبيب. إذ قال ماركو روبيو يوم 15 سبتمبر 2025م، خلال زيارته للكيان الصهيوني، إنّ البرنامج النووي ليس وحده هو التهديد، بل امتلاك إيران صواريخ متوسطة وبعيدة المدى أيضاً.
وفي يوم 5 مايو 2025م، أي قبل ستة أسابيع من الاعتداء الإسرائيلي على إيران وأثناء المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، ادّعى في مقابلة مع فوكس نيوز أن على إيران وقف التخصيب وصناعة الصواريخ البعيدة المدى. غير أنّ المعادلة تغيّرت تماماً بعد مرور خمسة أشهر على الحرب.
أثبتت إيران، خلافاً للتوقعات، وفيما ظهر كذلك في قضية تفعيل «سناب باك»، أنّها لن ترضخ للهيمنة تحت الضغط، ولن تتخلى عن مكانتها السياسية وأصولها الإستراتيجية في إطار مصالحها الوطنية، حتى وإن حاول ترامب في كل مناسبة أن يربط الحديث بإيران ويصوّرها وكأنها متعطشة للاتفاق.
وخلال لقائه مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، حاول مرة أخرى الإيحاء بأن إيران شديدة الرغبة في الاتفاق، وأن الولايات المتحدة هي التي ترغب في حلّ الملف النووي.
لكنّ جوهر القضية ليس النووي، ولا الصواريخ، ولا حقوق الإنسان، ولا دعم حزب الله وحماس، بل هو ما أكّد عليه قائد الثورة في 23 أكتوبر 2025م، خلال لقائه التلاميذ والطلبة:
«أمريكا لم تتحمل الثورة، لأن الثورة انتزعت من فمها لقمة سائغة. كانت إيران بكاملها تحت الهيمنة الأمريكية؛ نفطها، مواردها، ثرواتها، أموالها، وكل شيء كان بيد أمريكا. الثورة وقفت بوجه أمريكا وانتزعت ذلك منها».
وأكمل:
«الطبيعة الاستكبارية لأمريكا لا تقبل سوى بالاستسلام. جميع الرؤساء الأمريكيين كانوا يريدون هذا، لكنهم لم يصرّحوا به. أما الرئيس الحالي فقد قالها صراحة: يجب أن تستسلم إيران. وهذا كشف حقيقة أمريكا. استسلام شعب مثل الشعب الإيراني، بكل قدراته وثرواته وتراثه الفكري وشبابه الواعي، لا معنى له».
ــــــــــــــــ
مقالة مترجمة من صحيفة “وطن امروز” الأصولية (بالعربية: الوطن اليوم) للكاتب طه سهراببور، بعنوان “توضیحات عراقچی درباره نامه ترامپ به رهبر انقلاب چه پیامهایی دارد؟ آمریکا دنبال توافق نیست” (بالعربية: ما الرسائل التي تحملها تصريحات عراقچي حول رسالة ترامب إلى قائد الثورة؟ أمريكا لا تسعى إلى اتفاق) بتاريخ 30 مهر 1404 هـ. ش. الموافق 21 نوفمبر 2025م.
