عُقدت الجولة الثانية من المفاوضات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، بوساطة عمانية، في العاصمتين مسقط وروما على التوالي في، واستمرت الجولة الأولى ساعتين ونصفها بينما استمرت الجولة الثانية نحو أربع ساعات، أعلن في ختامها عدد من المسؤولين السياسيين عن تحقيق تقدم “مقبول” في مسار التفاوض، مع التوافق على عقد جولة جديدة يوم السبت 26 إبريل 2025.
وكانت الجولة الأولى قد انطلقت في مسقط، وسط مناخ إقليمي ودولي شديد التعقيد، يتسم بالغموض فيما يخص مستقبل العلاقات بين الطرفين، وتحديدًا في ضوء استمرار الخلاف حول الملف النووي الإيراني ومستوى تخصيب اليورانيوم، وهو ما يزيد من تعقيد فرص الوصول إلى اتفاق ثنائي مستقر.
تُجمع دول إقليمية مثل مصر وعُمان والإمارات والسعودية على أهمية التوصل إلى توافق بين طهران وواشنطن؛ لما لذلك من أثر مباشر على أمنها القومي ومصالحها الاقتصادية، في ظل التداخل الجيوسياسي والجيواقتصادي مع إيران. وفي المقابل، ترى القيادة الإسرائيلية أن أي تقارب إيراني ــ أمريكي لا يخدم مصالحها، بل وتسعى إلى عرقلته بغرض إضعاف إيران والبحث عن حلفاء جدد في مواجهتها.
محطات الحوار الإيرانية ــ الأمريكية
شكل الملف النووي الإيراني عامة في محطات عديدة أساسًا للحوارات بين طهران والقوى الغربية. ووفقًا لتصريحات وزير الخارجية الإيرانية، عباس عراقجي، فإن المفاوضات الجارية تركز حصريًا على الشأن النووي، من دون إدراج ملفات غير ذات الصلة، وهو ما شدد عليه الجانب الإيراني منذ بداية المسار التفاوضي.
وبالرغم من ذلك، فإن الوصول إلى توافق جزئي لا يؤدي إلى إغلاق نهائي للملف النووي، ولكنه يبعث برسائل طمأنة للجانب الأمريكي يسمح بتخفيف تدريجي للعقوبات، ومع ذلك لا تزال المهمة معقدة.
كما تلعب الأطراف الفاعلة من وراء الكواليس دورًا محوريًا في تشكيل مسار المفاوضات، لا سيما القوى المتشددة في واشنطن، التي تسعى إلى تعطيل العملية التفاوضية عبر تضخيم المخاوف من البرنامج النووي الإيراني، مدفوعة بمصالحها في تأزيم الوضع الاقتصادي وزيادة أسعار النفط.
في هذا السياق، تواصل تل أبيب، التي تواجه حاليًا أزمات متعددة تشمل حربها العدوانية في غزة وتدهورًا اقتصاديًا وتراجعًا في مؤشرات الأمن، مساعيها للضغط على واشنطن من أجل التصعيد ضد إيران، حيث لا تخفي استياءها من أي مؤشرات تقارب بين الطرفين.
من جهة أخرى، يرى مراقبون أن رغبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في دفع المفاوضات مع طهران تعود إلى جملة من التحديات الدولية العالقة، بما في ذلك تعاظم القوة الاقتصادية للصين، واستمرار الحرب في أوكرانيا، وتكاليفها المتزايدة على الغرب، إلى جانب هشاشة التوازن الجيوسياسي في إقليم غربي آسيا، باعتبارها منطقة إستراتيجية غنية بالموارد الطبيعية وتقاطع الممرات العالمية.
كل هذه العوامل تجعل من التفاهم مع إيران هدفًا ذا أولوية بالنسبة لصناع القرار في واشنطن.
الوطنية كركيزة العملية التفاوضية
قبل الجلوس إلى طاولة الحوار، شدّد الجانبان الإيراني والأمريكي على ضرورة تحقيق حد مقبول من الضمانات الوطنية، واعتبرا ذلك مكسبًا سياسيًا يُحسب لكل طرف.
وبالفعل، عقب انتهاء الجولة الأولى، أعرب الطرفان عن ارتياحهما لاستمرار المفاوضات، مشيرين إلى تحقيق تفاهمات مبدئية حول القضايا العامة، وهو ما تم تأكيده خلال الجولة الثانية أيضًا، وصولًا إلى الإعلان عن عقد جلسات فنية، تُعنى بالتفاصيل التقنية للمفاوضات قبيل الجولة السياسية على مستوى رئيسي الوفدين.
ويُقرأ هذا التطور باعتباره انتقالًا من القضايا العامة إلى الملفات التفصيلية، ما يُعد مؤشرًا على وجود تقاطع في الرؤى حول بعض النقاط الأساسية.
كما يبرز الدور المتزايد لدول المنطقة، خاصة السعودية، التي تحولت من المعارضة الصريحة لأي توافق أمريكي – إيراني إلى داعم محتمل لهذا المسار. أما الدور العماني، فظل محوريًا ويعكس قدرة مسقط على تسهيل قنوات الاتصال بين الطرفين.
ويمكن القول إنه كلما تعزز التوافق الإقليمي حول ضرورة احتواء الأزمة النووية الإيرانية، كلما قلّت فرص التصعيد وزادت احتمالية الوصول إلى تفاهم عادل ومستدام.
خاتمة
جملة ما سبق، أن مسألة بناء الثقة المتبادلة تظل عاملًا حاسمًا في استمرار المفاوضات ونجاحها، إذ إن غياب هذه الثقة هو ما يغذي الشكوك، ويُضخم فجوات التفاهم بين الجانبين.
ومع ذلك، فإن التوصل إلى حد معقول من الطمأنة المتبادلة قد يُسهم في تسهيل الطريق نحو اتفاق متوازن، يخدم مصالح الطرفين ويضمن استقرار المنطقة على المديين القريب والمتوسط.