مثَّل الهجوم الإسرائيلي العدواني على إيران والذي انطلق في تمام الساعة الثالثة من فجر يوم الجمعة 13 يونيو 2025م، مفاجأة وصلت إلى حد الصدمة بالنسبة للمجتمع الإيراني ذلك الذي ظن لعقود طويلة أن عاصمة بلاده محصنة ضد الغزو الخارجي، أو ضد أي عملية عسكرية صريحة من أي قوى أجنبية، خاصة أن إيران لم تشهد أي معارك على أراضيها منذ انتهاء الحرب مع العراق عام 1988.
صدمة الرأي العام الإيراني
فلقد جرى الهجوم على إيران في ظروفٍ، بالرغم من كونه متوقعًا، إلا أنه من حيث التوقيت واتساع العملية العسكرية كان شديد المفاجأة، فعلى الأقل في نظر الرأي العام الإيراني، جاء هذا الهجوم مسبوقًا باغتيال أبرز القادة العسكريين والأمنيين الإيرانيين، الأمر الذي كان صادمًا للغاية.
اقرأ أيضا:
ومن المهم للغاية في هذا السياق توضيح أن إسرائيل في السنوات الأخيرة اعتمدت على إستراتيجية “قطع الرأس” من خلال استهداف القادة الميدانيين والعلماء النوويين، وهي سياسة تهدف لإضعاف البنية الصلبة للقرار العسكري والأمني الإيراني.
وبالمثل، فإن الغارات الجوية على مدينة طهران وسقوط المقذوفات الإسرائيلية على بعض المناطق السكنية والعسكرية في هذه العاصمة الكبرى، أدخلت ليس فقط القيادة، بل الشعب الإيراني كله في حالة من الصدمة الشديدة، بالرغم من تماسك النظام بعد تلك الصدمة بحوالي 10 ساعات تقريبا.
الهجوم المباشر على طهران
من النادر جدًا أن يرى الناس طهران تتعرض لهجوم مباشر، وهو أمر لم يحدث منذ الحرب العراقية ـ الإيرانية 1980 ــ 1988م، وهذا ما جعل وقع الضربات في يونيو والتي استمرت اثني عشر يوما، مضاعفًا على الرأي العام، خاصة أن أغلب المجتمع من الشبان دون الأربعين والذين لم يعاصروا القصف العراقي على إيران إبان حرب تلك السنوات الثماني.
اقرأ أيضا:
لدرجة أنه حتى قبل أن تبدأ بعض التحذيرات الإسرائيلية الموجهة للمدنيين بشأن الهجمات على أماكن بعينها، كان هناك شعور بعدم التصديق إزاء احتمال وقوع خسائر بشرية وأضرار جسيمة من الحرب.
ولم يحدث أن بدأ الناس في إدراك حقيقة الضربات وواقعيتها إلا بعد نشر أخبار عن مقتل عدد من المدنيين، بينهم أطفال، وتداول صور ومقاطع فيديو صادمة عن الأضرار التي لحقت بالمناطق السكنية، ثم اندلعت فجأة موجة من القلق والرعب، أعقبتها موجات نزوح جماعية مرتبكة من طهران وسائر المدن المنخرطة في الحرب، إلى مدن الشمال والشمال الشرقي في البلاد.
حروب الدفاع المدني في إيران
لعل هذا النمط من موجات النزوح الجماعية عكس هشاشة البنية التحتية المدنية في مواجهة الحروب الحديثة، إذ لم تُختبر المدن الإيرانية الكبرى منذ عقود بضغط عسكري مباشر مماثل، ولم يتدرب المدنيون على حروب الدفاع المدني كما ظهر في تلك الأيام الاثني عشر.
في الوقت نفسه ظل المسؤولون الإيرانيون خلال الساعات الأولى من الهجوم وعمليات الاغتيال المتتالية للقادة العسكريين الكبار والعلماء النوويين، في حالة صمت شبه كامل، من دون أي تحرك يُذكر على صعيد إطلاع الشعب على المستجدات أو محاولة تقييم أبعاد الهجوم الذي بدا مدويا وصارخا وغير مسبوق بالنسبة للأمة الإيرانية.
اقرأ أيضا:
وقد بدا هذا الصمت في أذهان الإيرانيين صادمًا ومستفزا بقدر الحرب نفسها، بحيث يمكن القول إن الصمت الرسمي كان انعكاسًا لارتباك مؤسسات الدولة وتعدد مراكز القرار، إذ لم يكن هناك اتفاق داخل النظام على كيفية الرد أو التهدئة إعلاميًا، في تلك الساعات القليلة التي أعقبت المفاجأة الإسرائيلية.
تكهنات حول الحرب الإسرائيلية على إيران
الآن، وبعد مرور ما يقارب سبعين يومًا على انتهاء حرب الأيام الاثني عشر، بلغت التكهنات بشأن مستقبل الحرب بين إيران وإسرائيل ذروتها؛ فقد أدت المواقف المتناقضة بشدة من جانب المسؤولين الإيرانيين، إلى جانب ضغوط الجماعات المتشددة، إلى حالة من الارتباك في المشهد السياسي الإيراني.
وأهم أسباب هذا الاضطراب تعدد مراكز اتخاذ القرار وتدخل المؤسسات الموازية، ما جعل صياغة سياسة موحدة وحاسمة أمرًا شبه مستحيل، والمقصود بالمؤسسات الموازية هنا الحرس الثوري، ومجلس الأمن القومي، ومكتب القيادة، ووزارة الخارجية، حيث غالبًا ما تتقاطع صلاحياتها وتتصادم في مثل تلك الأوقات العصيبة.
لا سيما أن المرشد الإيراني، في آخر خطاب له، شن هجومًا حادًا على أنصار التفاوض مع الولايات المتحدة، ومن ثم، فبينما يبدو أن التفاوض أصبح مستحيلًا وأن فرصة إيران قد انتهت، فإن المشاورات والحوارات بين طهران والترويكا الأوروبية ما زالت جارية، إلى حد أن كثيرين يرون هذه الاتصالات مجرد محاولة من إيران لكسب الوقت.
أوروبا والعقوبات الخانقة على إيران
لقد فطن الشارع الإيراني مؤخرا إلى أن الترويكا الأوروبية التي تتمثل في كل من بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، والتي لعبت الدور الأبرز في المفاوضات النووية السابقة مع إيران ضمن إطار خطة العمل الشاملة المشتركة “JCPOA” هي التي تدخل الآن في صراع سياسي وقانوني مع إيران لإعادة كل حزم العقوبات الأممية التي كانت مفروضة عليها قبل توقيع الاتفاق النووي الذي يطلق عليه في إيران اسم “برجام”.
اقرأ أيضا:
وعلاوة على ذلك، فقد أثارت المناورة العسكرية الأخيرة التي أجرتها إيران على حدودها الغربية احتمال قيامها بشن هجمات استباقية، وهو أمر لو صحّ، ستكون تبعاته على الجمهورية الإسلامية وخيمة ولا يمكن التنبؤ بها، لكن ما هو مؤكد أن بعض الأحداث الغامضة التي وقعت، مثل الحرائق والانفجارات في مناطق متفرقة من إيران، مع الصمت المطبق للحكومة، عززت أكثر فأكثر نظرية أن الحرب لم تنتهِ بعد.
الأحداث التخريبية في إيران
من المهم في هذا المضمار توضيح أن هذه الحرائق والانفجارات قد تكون نتيجة هجمات سيبرانية أو عمليات تخريبية داخلية، وهو ما يُظهر أن الحرب باتت متعددة الأبعاد: عسكرية، وسيبرانية، ونفسية أيضا.
كما أن استهداف الحوثيين في اليمن في ظهيرة الأحد 24 أغسطس 2024، والأخبار المتواترة عن الهجوم البري الإسرائيلي على غزة بهدف “التطهير الكامل”، وانطلاق عمليات الجيش اللبناني لنزع سلاح حزب الله، والمواقف الصريحة للمسؤولين العراقيين حول وجود إيران وتدخلاتها، كلها عوامل جعلت الآفاق المقبلة أكثر قتامة وغموضًا.
ولعل هذه الجبهات المتعددة تشير إلى إستراتيجية دولية ــ إقليمية منسقة تهدف إلى حصار النفوذ الإيراني في كل مسارح نفوذه، من اليمن إلى لبنان والعراق ومرورا بغزة وغيرها من ميادين التنافس والصراع.
خاتمة
بعد ما تقدم أعلاه، يبقى السؤال الكبير: هل سيكون وجود الجمهورية الإسلامية ذاته، مثل وكلائها، هدفًا مباشرًا؟! وهل ستنتهي هذه “المعركة غير المنتهية”، التي تجري في الظل بين البلدين، إلى مواجهة مباشرة جديدة؟!
اقرأ أيضا:
يأتي هذا في وقت يعتبر فيه بعض المسؤولين الرسميين الإيرانيين أن تجدد المواجهة أمر لا مفر منه، في حين ترى شريحة واسعة من الرأي العام الإيراني، وهي تتابع هذه التطورات عن كثب، أن استمرار الحرب أمر محتوم، وأن الهجوم الإسرائيلي المقبل بات وشيكا.
وقد صار الرأي العام الإيراني في الظرف الراهن أكثر واقعية خاصة بعد الحرب الأمريكية الإسرائيلية (13 يونيو ــ 24 يونيو 2025م)، إذ بات يرى أن “الردع التقليدي” الذي اعتمدت عليه إيران سابقًا لم يعد كافيًا، وأن إسرائيل قد كسرت كل خطوط مواجهتها الحمراء مع إيران بالفعل.