إن تفعيل آلية الزناد إجراء لن يُسهم في معالجة الهواجس النووية والسياسية والأمنية لأوروبا تجاه إيران، بل على العكس، سيؤدي إلى رفع مستوى التوتر بين الطرفين، وإدخال اقتصاديهما في مزيد من الضغوط والركود، فضلًا عن إضعاف مكانة أوروبا ونفوذها الدولي أكثر من أي وقت مضى.
مؤخرًا، وجّهت الترويكا الأوروبية رسالة في إطار خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي” (بالفارسية: برجام) أشارت فيها إلى أنها قد تلجأ إلى “آلية الزناد” في حال فشل المسار الدبلوماسي.
اقرأ أيضا:
وقد صُممت هذه الآلية كجزء أساسي من الاتفاق النووي، بحيث تتيح إعادة فرض العقوبات الدولية عبر مجلس الأمن إذا تبيّن وجود خرق للالتزامات. وإذا ما فُعلت هذه الآلية، فإن فصلًا جديدًا من التصعيد وزيادة عدم اليقين في العلاقات بين إيران وأوروبا سيبدأ.
وفيما يلي، تُستعرض آثار ذلك من زوايا أمنية واقتصادية وسياسية.
فقدان أداة ضغط أم نهاية العلاقات؟!
في حال أقدمت الترويكا الأوروبية على تفعيل آلية الزناد، فإنها ستدفع عمليًا بعلاقاتها مع إيران نحو مستوى من القطيعة أو تراجع جدي في التبادلات الاقتصادية والسياسية، بما يوفر أرضية لتصعيد التوتر وربما حتى دفع طهران للتفكير في الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT).
وفي المقابل، إذا امتنعت أوروبا عن هذه الخطوة وتركت المهلة المحددة تنقضي، فإنها ستفقد واحدة من أهم أدوات الضغط ووسائل التفاوض لديها، وبالتالي لن تحتفظ بنفس مستوى النفوذ السابق في أي محادثات قادمة.
اقرأ أيضا:
وبالرغم من سعي أوروبا إلى تمديد مؤقت للمهلة بغية التوصل إلى حل دبلوماسي مع إيران، إلا أن هذه الخطوة لا تعالج جوهر المعضلة الماثلة أمامها. فأوروبا تقف أمام خيار مصيري: إما الاحتفاظ بأداة الضغط لمفاوضات مستقبلية، أو تجنب الانزلاق إلى مزيد من التوتر وانهيار العلاقات مع طهران. هذا القرار سيؤثر بصورة جوهرية في مسار العلاقات الإيرانية ـ الأوروبية مستقبلاً.
التداعيات الأمنية والاقتصادية والسياسية
أولا: إعادة نظر إيران في السياسات الدفاعية، من أبرز التداعيات الأمنية لتفعيل آلية الزناد، تعاظم إدراك التهديد المتبادل وتقلص هامش العمل الدبلوماسي. وقد يدفع ذلك طهران إلى إعادة النظر في سياساتها الدفاعية، بما في ذلك رفع مدى صواريخها والتوسع في التعاون الأمني والعسكري مع روسيا والصين.
فإيران، التي كانت قد امتنعت حتى الآن لأسباب مختلفة عن زيادة مدى صواريخها بصورة كبيرة، قد تضع على جدول أعمالها تطوير صواريخ يصل مداها إلى نحو خمسة آلاف كيلومتر، قادرة على استهداف مدن مثل باريس وبرلين.
بل قد تذهب إيران إلى ما هو أبعد من ذلك فتدرس خيار نقل بعض صواريخها الباليستية الهجومية إلى روسيا كوسيلة للضغط على الأوروبيين.
ثانيا: مزيد من الانكماش التجاري، سيؤدي تفعيل آلية الزناد إلى فرض قيود أشد على التعاملات المالية بين إيران وأوروبا، خاصة في مجال السلع الأساسية. ورغم أن هذا لن يوقف التبادل التجاري كليًا، إلا أنه سيجعل مساراته أكثر التفافًا وكلفة، ما ينعكس في انخفاض حجم المبادلات وزيادة تكلفتها. وإلى جانب ذلك، ستتضرر حركة السياحة بين الطرفين، بينما ستؤدي القيود المصرفية والعراقيل السياسية إلى حرمان أوروبا من جزء من فرص الاستفادة من الكفاءات والطاقات البشرية الإيرانية، والتي قد تتجه بدلًا من ذلك نحو وجهات هجرة أخرى.
ثالثا: نهاية الدور الأوروبي الفاعل، إن أخطر النتائج السياسية لتفعيل آلية الزناد تكمن في تراجع موقع أوروبا كطرف مؤثر ووسيط في الملف النووي الإيراني. فأوروبا، بخطوتها هذه، ستعلن فعليًا نهاية دورها الفاعل في إدارة الملف، ما سيضعف مكانتها الدبلوماسية أمام طهران، ويقوّض صورتها كوسيط محايد في الشرق الأوسط والعالم.
الخلاصة
إن تفعيل آلية الزناد لن يحل مشكلات أوروبا النووية والسياسية والأمنية مع إيران، بل سيزيد من حدة التوتر، ويضاعف الأعباء الاقتصادية على الطرفين، ويقوّض مكانة أوروبا ونفوذها الدولي.
اقرأ أيضا:
وبالرغم من أن مستوى التصعيد سيتوقف على طبيعة الردود المتبادلة بين طهران وبروكسل، إلا أن تجارب العامين الماضيين توحي بأن تفعيل هذه الآلية سيدفع الجانبين نحو مرحلة جديدة من المواجهة والتوتر المتصاعد.
———
مقالة مترجمة من معهد طهران للدراسات “انديشكده تهران” بعنوان: “دیپلماسی در بنبست؛ ایران و اروپا پس از مکانیسم ماشه” وتعني: “الدبلوماسية في مأزق؛ إيران وأوروبا بعد آلية الزناد“.