تشهد طرقات إيران مأساة متكرّرة تُنذر بخطرٍ داهم، إذ تُسجَّل سنوياً أكثر من عشرين ألف حالة وفاة ناجمة عن حوادث السير، في ظاهرةٍ تحوّلت إلى كارثة وطنية صامتة.
بحسب التقرير الأخير الصادر عن هيئة الطبّ الشرعي الإيرانية، فقد لقي 10,414 شخصا مصرعهم في النصف الأول من العام الجاري وحده، أي بزيادة بلغت 3.3% مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2024.
وبمعدّلٍ يوميّ، يموت 57 شخصاً على الطرق، أي إنّ كل 25 دقيقة تُزهق روح بسبب حادث سير، وتجعل هذه الأرقام المفزعة من حوادث الطرق أحد أهمّ ثلاثة أسباب للوفيات غير الطبيعية في البلاد، فيما تعجز الخطط الرسمية عن تحقيق هدفها المعلن بتقليص عدد الضحايا.
في العام الماضي سُجِّلت نحو 19,400 وفاة، ومع استمرار هذا المنحنى التصاعدي يُتوقَّع أن يتجاوز عدد القتلى هذا العام عتبة العشرين ألفاً، ما يؤكد أن البرامج الحكومية لتقليل الحوادث لم تصل إلى النتائج المرجوّة، هذا بالرغم من أن «البرنامج الوطني للحدّ من الوفيات المرورية» كان يستهدف خفض العدد بنسبة تتراوح بين 5 و8% سنوياً.
تشير الإحصاءات إلى أن نحو نصف الضحايا (49.7%) هم من فئة الشباب بين 11 و39 عاماً، أي من القوى العاملة والمنتجة في المجتمع، أما من حيث التوزيع الجغرافي، فقد سجّلت محافظات طهران، وفارس، وخراسان رضوي أعلى نسب الوفيات، في حين جاءت عيلام، وكهكيلويه وبوير أحمد، وقم في أدناها، وهو ما يبيّن العلاقة بين الكثافة السكانية، وجودة الطرق، وحجم الرقابة على حركة المرور.
انتقال الخطر من الطرق إلى المدن
من المقلق أيضاً ارتفاع نسبة الوفيات داخل المدن، حيث أظهر التقرير زيادة قدرها 8.3% في النصف الأول من هذا العام، بعد أن كانت العام الماضي تتجه نحو الانخفاض.
ولعل هذا يعني أن الخطر بات يهدّد العابرين والمشاة والأطفال وسائقي الموتوسيكلات داخل الأحياء السكنية، لا على الطرق السريعة فحسب.
أما أسباب الوفاة، فكان أولها هو الكسور المتعددة بنسبة 34.8%، تليها إصابات الرأس، وتفضح هذه الأرقام هشاشة هياكل السيارات المحلية التي ما تزال عاجزة عن حماية الركّاب عند وقوع الحوادث، بالرغم من الوعود المتكرّرة من وزارة الصناعة وهيئة المواصفات وشركات التصنيع بتحسين معايير السلامة.
فجوة بين القانون والتنفيذ
على الرغم من وجود القوانين، فإن ضعف التنفيذ هو المعضلة الكبرى، وقد أصدر النائب العام أخيراً أمراً إلى الشرطة بإيقاف المركبات غير المؤمَّنة، لكن التجارب السابقة تُظهر أن كثيراً من القرارات تبقى حبراً على ورق، بلا متابعة أو التزام فعلي.
الخسائر الاقتصادية والإنسانية
تقدّر الدراسات المحلية والدولية أن خسائر حوادث السير في إيران تصل إلى 6–8% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، وتشمل تكاليف العلاج والتعويضات والإصابات الدائمة وفقدان القوى العاملة الشابة.
فكل وفاة ليست مأساة إنسانية فحسب، بل نزيف في رأس المال البشري والمعرفي الذي لا يمكن تعويضه بسهولة.
لماذا فشلت خطط الحدّ من الوفيات؟
يظهر التحقيق في جذور المشكلة أن السبب الرئيس هو غياب التنسيق المؤسّسي بين الجهات المعنية، وهذه المؤسسات هي: شرطة المرور، ووزارة الطرق، ووزارة الصناعة، وهيئة المواصفات، وهيئة التأمين. كلّ منها يعمل بمعزلٍ عن الآخر من دون إطارٍ إلزامي موحّد، فتبقى النتائج مجتزأة.
الحلول المقترحة
يرى الخبراء أن الطريق نحو الإنقاذ يبدأ من:
1ــ رفع معايير السلامة في السيارات المحلية، وحظر إنتاج المركبات عديمة النجوم في اختبارات الأمان.
2ــ استكمال منظومة المراقبة الذكية للسرعة والمخالفات داخل المدن وخارجها.
3ــ تحسين الطرق والإضاءة العامة في النقاط الخطرة، خصوصاً لحماية المشاة والدراجين.
4ــ إدماج التعليم المروري في المدارس لتنشئة جيلٍ أكثر وعياً وانضباطاً.
5ــ نشر الإحصاءات الدورية بشفافية لتحريك الرأي العام نحو المطالبة بالإصلاح.
أزمة وطنية تهدّد المستقبل
إن وفاة أكثر من عشرة آلاف شخص في ستة أشهر ليست حادثاً عابراً، بل ظاهرة متكرّرة يمكن الوقاية منها. وما لم تُنفَّذ إصلاحات جذرية في سلامة المركبات والبنية التحتية والقوانين والسلوك المروري، فستظلّ طرق إيران تنزف الأرواح والموارد عاماً بعد عام، وهكذا فإن ناقوس الخطر يدقّ بقوّة على طرقات الموت في إيران، وهو ما يدعو إلى تحرّكٍ وطنيٍّ عاجل قبل أن تتحوّل هذه الحوادث إلى وباءٍ دائم ينهش جسد المجتمع واقتصاده.
ــــــــــ
ترجمة عن صحيفة “آرمان امروز” الإصلاحية (بالعربية: الآمال اليوم) بعنوان “فاجعه در جادهها؛ سالانه ۲۰ هزار مرگ تحمیلی” (بالعربية: كارثة علي الطرقات.. عشرون ألف وفاة إجبارية سنويا) بتاریخ 14 آبان 1404 هــ. ش. الموافق ٥ نوفمبر ٢٠٢٥م.
