يعد شكل العلاقات الإيرانية الإسرائيلية إحدى أبرز القضايا التي تحكم وتؤثر في مستقبل الشرق الأوسط، حيث تتداخل فيها الادوار الدولية والإقليمية، وقضايا محورية مثل الملف النووى الإيراني ودعم إيران للمقاومة المسلحة في الشرق الأوسط ضد إسرائيل.
تعد القضية الفلسطينية هي أساس الصراع بين الطرفين، إذ تعتبر إيران أن القضية الفلسطينية هى قضية مصلحة في المقام الأول، وورقة فى إطار الدفاع عن المصالح السياسية الإيرانية فى مواجهة الولايات المتحدة وإسرائيل، وبالتالى تُعد بمثابة حجر الزاوية الحاكم بدرجة كبيرة للعلاقات بين إيران وإسرائيل.
وتسلك إيران عدة طرق فى إطار استراتيجية هجومية مضادة لتلك التهديدات، تقوم على إيجاد روابط صداقة وشراكة مع جيرانها، وكذا تقوية الحركات الإسلامية ودعمها خاصة فى لبنان وفلسطين، إذ تعتبر إيران أن ذلك الإجراء خطوة من الخطوات اللازمة لحفظ الأمن القومى الإيراني، من منطلق أن محورى لبنان وفلسطين يمثلان جزءً مهمًا من العمق الاستراتيجى الأول ضد القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وحليفتها إسرائيل.
الصراع الإيراني مع إسرائيل
تذهب بعض الآراء إلى أن الاختيار الإيرانى لقضية فلسطين كان ذريعة سياسية للنفاذ للعالم العربي، والتأثير فى جماهيره منذ قيام الثورة الإسلامية عام 1979 وحتى الآن، لكن أصواتًا أخرى ترى أن إيران تتبنى القضية الفلسطينية لأنها تأتي فى إطار أيديولجية طهران المتعلقة بـ”المستضعفين والمستكبرين”، وهي الفكرة التي تنطبق على قضية الصراع العربى الإسرائيلى بمحاورها المتعددة.
وفى ضوء ما سبق، تتصادم الرؤية الإيرانية مع ثوابت الفكر الصهيوني والمصالح الإسرائيلية من خلال عدة ركائز نوجزها على النحو التالي:
أولًا: ترفض إيران عملية السلام التي ترتكز على مبدأ التفاوض بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، في الوقت الذي ترى فيه إيران أن منظمة التحرير الفلسطينية لا تمثل كل الشعب الفلسطيني، حيث ترى إيران أن عملية السلام لن تؤدى إلى الطريق الثابت والعادل لحل القضية، لأن استراتيجية إسرائيل في الصراع لا تستند على مبدأ السلام من الأساس، ولذلك تؤيد إيران المقاومة المسلحة باعتبارها تمثل الطريق الأمثل لعودة الحقوق الضائعة.
ثانيًا: تعتبر إيران أن التحالف مع جماعات المقاومة “حماس وحزب الله” ورقة رابحة بحكم الموقف المشترك من الدور الأمريكى الإسرائيلى في المنطقة، كما أنهما يسهمان في تعزيز التوجهات الإيرانية القائمة على الاسلام السياسي.
وفى إطار الضربة الإسرائيلية التى تمت فجر يوم 26 اكتوبر 2024 (والموجهة لأهداف عسكرية إيرانية تضمنت منشآت لتصنيع الصواريخ وشملت ثلاث مناطق بإيران منها طهران) يمكن القول أن التطورات الأخيرة السابقة على الضربة المشار إليها، والمتمثلة فى اغتيال القيادات المحورية فى تيار المقاومة فى الشرق الأوسط وآخرها اغتيال يحيى السنوار علاوة على تصاعد الأحداث مؤخراً فى جنوب لبنان، شكلت وقوداً لتفاقم العوامل التى عززت الصدام بين إيران وإسرائيل، بالإضافة إلى رغبة إسرائيل فى الرد على الضربة التى وجهتها إيران لها.
ثالثًا: أضافت التطورات الأخيرة على الساحة اللبنانية والفلسطينية المزيد من العوامل المؤججة للصراع الإيراني الإسرائيلي، حيث اعتبر النظام الإيرانى أن مقتل رئيس حركة حماس يحيي السنوار يعزز روح المقاومة، وأنه كان بمثابة مصدر إلهام للقتال ضد إسرائيل فى الشرق الأوسط، وذلك على الرغم مما قيل عن أن السنوار كان يرى أن إيران لم تقدم الدعم اللازم للحركة، وأنه كان على خلاف مع قيادات حماس بالخارج حول توصيات إيرانية تتعلق بإدارة الصراع، لكنه من ناحية أخرى كان يرى إمكانية الاستفادة من المواجهة بين إيران وإسرائيل في تقليل الضغوط العسكرية على غزة.
لكن بوجه عام، فإن اغتيال السنوار ومن قبله حسن نصر الله وإسماعيل هنية، أثار التكهنات حول تداعيات ذلك على موقف إيران من إسرائيل من منطلق أن القوى التابعة لإيران لن تتراجع بطبيعة الحال عن مواقفها، لكن قدراتها قد تأثرت بالأحداث الأخيرة، ما ينعكس على إيران على نحو يدفعها إلى تخفيف حدة التصعيد تجاه إسرائيل، والسعى لتجنب تعرض منشآتها النووية والنفطية لأضرار.
ومن الجدير بالذكر فى هذا الإطار الإشارة إلى تضارب التصريحات التى سبقت الهجوم الإسرائيلى على أهداف عسكرية بإيران، وذلك فيما يخص إمكانية توجه إسرائيل إلى استهداف مواقع عسكرية إيرانية وليست نووية أو نفطية، ما أعطى الانطباع بأن الهجوم المتوقع على “نطاق محدود” بهدف منع اندلاع حرب شاملة فى المنطقة فى ضوء رغبة قوى دولية، حيث تمت الإشارة إلى دور القوى الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة فى ردع إسرائيل عن التوسع فى مواجهة إيران.
تداخل الملفات الإيرانية
من جهة أخرى فإن الملف الإيرانى شديد التداخل مع الدول الكبرى وأبرزها روسيا والصين وكوريا الشمالية، فالأولى تعتمد على الصناعات العسكرية الإيرانية، ويجمع بين الصين وإيران شراكة عسكرية وتفاهمات سياسية علاوة على العلاقات العسكرية التكنولوجية بين كوريا الشمالية وايران، ومن ثم يؤثر ذلك على قرار إسرائيل فيما يخص نطاق تصعيد المواجهة مع إيران.
لكن ظلت الرؤى السابقة محل اختبار فى إطار تأكيد إسرائيل على أن جميع الخيارات مطروحة فى التعامل مع النظام الإيراني، وأنها ستتخذ قرارتها وفقاً لما تمليه عليها مصلحتها الوطنية، وهو ما كشفت الوثائق المسربة عن استعدادات إسرائيل لتوجيه ضربة لإيران، وقيام السلطات الأمريكية بإجراء تحقيقات واسعة فى ذات الشأن.
وفي ضوء ما سبق، جاءت الضربة الإسرائيلية الموجهة إلى إيران، والتي تستند إلى توافق مسبق على المناطق التي تم شن الضربة عليها، بعد توصيات أمريكية لإسرائيل بعدم استهداف المنشآت النووية والنفطية الإيرانية، علاوة على أن أطرافًا ثالثة سبق وأن حذرت طهران من الضربات الإسرائيلية ومنها هولندا، وهو ما أضغف من الهجوم نسبياً بالمقارنة بالتوقعات الناتجة عن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
احتمالات استرارية الصراع
في كل الأحوال يمكن القول أن هناك احتمالات لاستمرارية الصراع فى ضوء المشهد السياسى الحالى بين إيران وإسرائيل، على الرغم من إدراك الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لوضع الاقتصاد الإيراني، إلا أنه خاضع فى سياسته للمرشد الأعلى علي خامنئي وسياسات الحرس الثوري الإيراني، والذى تنطلق رؤيتهم من فكرة أن ضبط النفس يعتبر أمرًا غير مقبول سياسيًا فى ظل تفاقم الأحداث بوجه عام على الساحة اللبنانية والفلسطينية.
وبالتالى من الجائز فى بعض التقديرات أن تستمر المواجهة بين إيران وإسرائيل، بحيث لا تقتصر على الحرب بالوكالة، وأن تتوسع على مستوى التصعيد المباشر.
لكن تلك المواجهة يتحكم في قوتها الدور الإمريكي في الإقليم، حيث تحرص الولايات المتحدة الأمريكية على عدم المبالغة فى التصعيد، في ظل اقتراب ماراثون الانتخابات الأمريكية، ورغبة البيت الأبيض في الظهور أمام الرأى العام العالمي على نحو مقبول نسبياً وكأنها تدير دفة الصراع نحو توجه لا يؤدى إلى الحرب المفتوحة.
من جهة أخرى فالثوابت الايديلوجية والسياسية قائمة لدى إيران وجماعات المقاومة، بالإضافة إلى الموقف الإسرائيلى الأمريكى من الملف النووى الإيراني، وهي الظروف التي ترشح استمرارية المواجهة، لكن يمكن أن يختلف الموقف على مستوى المساومات بين أطراف الصراع وحدة المواجهة مع مراعاة المصلحة القومية الإيرانية واعتبارات الداخل الإيراني.
خاتمة
وفق ما تقدم يمكن القول إن إحتمالات المواجهة الإيرانية الإسرائيلية قائمة فى ظل الظروف السياسية الإقليمية الحالية التى لم تتغير ثوابتها وركائزها، وإن كان من غير المتوقع أن تتجاوز حدود أكبر مما هي عليه الآن، لتأتي في إطار المصلحة القومية الأمريكية والمصلحة القومية الإيرانية على حد سواء.