في منتصف نهار السبت الثامن والعشرين من أغسطس الماضي شهدت العاصمة العراقية بغداد “قمة دول جوار العراق” بحضور عدد من القادة والزعماء ووزراء الخارجية، على رأسهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين، ووزيري خارجية إيران وتركيا، ولئن أعادت تلك القمة وما دار فيها الأذهان إلى العراق كدولة مركزية في محيطها العربي، لكنها أظهرت كذلك رغبة إيران في الاستئثار به منفردة وتجلى ذلك من خلال التجاوز البروتوكولي الفج الذي قام به وزير الخارجية الجديد حسين أمير عبد اللهيان، حين ترك موقعه في الصف الثاني ووقف في الصف الأول وقت التقاط الصور التذكارية للقمة.
مع ذلك فقد ذكرت تلك الوقائع بالقمة الثلاثية العراقية ــ المصرية ــ الأردنية تلك التي استقبل فيها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الرئيس السيسي في بغداد بعد ثلاثين عامًا لم يزر فيها رئيس مصري عاصمة العباسيين منذ غزو الكويت 1990، ومعه العاهل الأردني عبد الله الثاني.
وقد أماطت هذه القمم اللثام عن ثمار التعاون الثلاثي بين بغداد والقاهرة وعمّان في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية، في إطار مشروع “الشام الجديد”، وأظهرت رغبة جادة من مصر في دعم أشقائها في محيطها العربي، لكن تلك القمم أظهرت كذلك ــ لكل ذي عينين ــ موقع إيران في التحالف بين الدول الثلاث.
موقع إيران في مشروع الشام
تكمن أهداف مشروع الشام الجديد في الاستفادة من المواقع الجغرافية الجيوستراتيجية التي تتمتع بها الدول الأعضاء، وتشبيك المصالح الاقتصادية بينها بالشكل الذي يعود بالنفع على تلك الاقتصاديات، ومنها:
أولا: نقل الفعالية الاقتصادية للعراق إلى البحر الأحمر والبحر المتوسط، بعيداً عن الخليج العربي ومضيق هرمز الواقعين تحت سيطرة إيران.
ثانيا: تعزيز أوراق القوة العراقية مقابل الأوراق التي تمتلكها القوى الإقليمية غير العربية وعلى رأسها إيران.
ثالثا: تطوير التنسيق السياسي والأمني بين الدول الأعضاء على نحو يخدم أهداف كل طرف.
وقد ركزت الاتفاقيات في قمة بغداد على عدد من المحاور أهمها: الطاقة والتشييد، وتاتي أهمية التحالف العربي بين الدول الثلاثة في أن الدول الثلاثة تمتلك كثافة سكانية كبيرة وإمكانيات اقتصادية ومواقع استراتيجية تجعلها مصدرا للاستثمار الخارجي.
فالعراق حقق في عام 2020 ما يقارب 42 مليار دولار من خلال بيع النفط، ووفقًا لما أعلنته الشركة الوطنية لتسويق النفط فإن العراق قادر على تصدير ما يقرب من 6 ملايين برميل نفط يوميا.
وتتركز أهمية المشروع على أن هذا التحالف العربي يتطلع إلى إعطاء مساحة أكبر للدول العربية الأخرى في الدخول في تحالف وتسوية العلاقات بينها والاندماج الاقتصادي والأمني وتحقيق حلم السوق العربية المشتركة.
فضلاً عن أن المشروع سيمنح كل دولة من الدول المتحالفة عددا من المكاسب، فعلى سبيل المثال: ستنتهي أزمة انقطاع الكهرباء في بغداد بعد مشروع الربط الكهربائي المصري ــ الأردني ــ العراقي، إذ تتمتع مصر بفائض في الكهرباء بلغ نحو 35 ألف ميجاواط.
كما أن مشروع التشييد لن يعود بالنفع على العراق فقط ولكن ستجني الشركات المصرية التي ستقوم بالتشييد ثمار ذلك من خلال تصدير أدوات البناء للعراق ومن المتوقع أن تبلغ حجم الصادرات المصرية للعراق نحو 6 مليارات دولار بالإضافة إلى توفير فرص العمل وغيرها من أساليب التسويق.
أما بالنسبة لتصدير النفط فمن المرتقب أن يصدر العراق النفط لمصر بأسعار مخفضة وذلك من خلال مد خط أنابيب من البصرة لمصر عبر الأردن ما يؤدي إلى تقليل رسوم استيراد مصر للنفط التي تراوحت بين 6 إلى 10 مليارات دولار في آخر عامين، ما يقلل عجز الموازنة المصرية.
كيف بدأ المشرع؟
لم يكن هذا المشروع وليد تلك الأيام الماضية فحسب؛ لأن هذه القمة العربية التي تعتبر جنياً لعدد من المباحثات بين الدول الثلاث بدأت منذ قمة القاهرة 25 مارس 2019 بمشاركة الرئيس السيسي ثم قمة البحر الميت في المملكة الأردنية وبعدها تبادلت الدول الزيارات.
على سبيل المثال: زار رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي العراق في 10 أكتوبر 2020 وهناك وقع خمسة عشر اتفاقا بخصوص الطاقة والكهرباء وإعادة الإعمار، وأعقبتها زيارة وفد عراقي للقاهرة في يونيو 2021 لبحث التعاون واستكمال الاتفاقات الاستراتيجية.
مع ذلك لا يمكن استبعاد التشابه بين قمة بغداد 2021، التي سبقتها قمة عمان في أغسطس 2020، مع قمة روما 1957 التي عقدت لبناء الاتحاد الأوروبي، والتي جاءت بعد 6 سنوات من قمة باريس 1951، التي كانت النواة الحقيقية لما نراه اليوم من وحدة تجمع 27 دولة أوروبية.
ففي باريس عام 1951، كما كان الحال في قمتي القاهرة وعمان السابقتين، جرى التركيز على حزمة من المشروعات الاقتصادية على غرار اتحاد منتجي الفحم والحديد بين الدول الأوروبية، والذي تأسس عام 1951، وكان هو الأساس لقيام الاتحاد الأوروبي.
تحديات المشروع
رغم أهمية موقعي مصر والأردن ودوريهما في هذا المشروع، إلا أن بوصلة التحديات تتجه إلى العراق بدرجة أساسية، ويرتبط نجاح المشروع بقدرة العراق على الوفاء بالتزاماته تجاهه.
فبرغم الحماس الذي يبديه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي للمشروع، إلا أن ذلك لا يُخفي حقيقة وجود انقسام عراقي بين مؤيد للتحالف مع إيران ومؤيد لعودة العراق إلى إطاره العربي، وتميل الكفّة الداخلية بين النخب لمصلحة مؤيدي إيران.
لذا فمن المرجح أن يواجه الكاظمي جملة من التحديات، أهمها ما يأتي:
أولا: احتمال عدم قدرة العراق على الحصول على تصديق البرلمان على التفاهمات التي تم التوصل إليها في القمة، وقد سارع عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي عامر الفايز، وهو نائب عن كتلة “الفتح” المقربة من إيران بقيادة هادي العامري، إلى التقليل من أهمية القمة، قائلاً إنه “لا يمكن الالتزام بأي تعهد خلال القمة الثلاثية ما لم تتم المصادقة عليه” في البرلمان.
ثانيا: الخشية من إدراج التحالف في خانة اصطفاف العراق في ديلمة المحاور الإقليمية، ورغم أن الكاظمي أكد في لقائه بالحكومة، بعد القمة الثلاثية، على “إبعاد العراق عن سياسة المحاور”، والتأكيد على أن التحالف يركز على الجانب الاقتصادي بالدرجة الأساسية، إلا أنه من غير المستبعد لجوء أنصار إيران في البرلمان والكتل الحزبية إلى تفعيل هذا التمسك بهذا المبدأ من أجل رفض التحالف.
ثالثا: قد تساهم العلاقات المتوترة بين الكاظمي والميليشيات العراقية القريبة من إيران، التي تتهمه بالضلوع في عملية اغتيال قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس وقائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، والتي رفضت نتائج زيارته للولايات المتحدة الأمريكية، في عدم التزام العراق بمخرجات القمة، لما لها من تأثير على مصالح إيران في العراق.
رابعا: التحدي الأخطر الذي يواجه المشروع يكمن في مساعي بعض الأطراف الإقليمية والدولية المتضررة من التحالف بتحريك أدواتها في العراق لعرقلة مسار المشروع، وتأتي إيران في على رأس قائمة المتضررين.
خلاصة واستنتاجات
تتوقف طبيعة مسارات المشروع على الإرادة السياسية لأطرافه، وخاصة قدرة رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي على تطويع العقبات الكثيرة التي ستضعها إيران أمامه، وهو أمر يحتاج إلى تغيرات جذرية داخلية على أكثر من مستوى قد تظهر نتائجها في الانتخابات العراقية المبكرة، التي دعا لها الكاظمي الشهر المقبل.
كما سيكون للدور المصري أثر مهم في تحشيد الدول العربية خلف المشروع ونقله من مجال المنافع الاقتصادية المحدودة إلى الجوانب الجيوسياسية بما يغيّر معادلات القوّة في المنطقة، خاصة في ظل خروج مصر إلى محيطها العربي وإعلانها الوقوف مع أشقائها في محيطها العربي.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
إسماعيل أنور
باحث مساعد في العلاقات الدولية