في مثل هذا الموعد كل أربعة أعوام يجري الحديث التحليلي في مجتمع خبراء الشؤون الإيرانية حول أن الانتخابات الرئاسية الإيرانية هذه المرة تمثل نقطة تحول مغايرة، وتنطوي تداعيات نتائجها على أهمية خاصة، وإن كان هذا الكلام مكررا إلا أنه صحيح تماما؛ إذ دأبت الأوضاع في إيران على إجلاس المراقبين لتطورات مشهدها على أطراف مقاعدهم لانتظار معرفة من يكون الرئيس؛ بالرغم من معرفة كل الخبراء ــ وغير الخبراء ــ أن الرئيس، وإن كانت له بعض الصلاحيات التنفيذية الدستورية، فهو في الأخير محكوم بإطار السياسات العليا التي يضعها المرشد الأعلى للبلاد وفقا للمادة 110 من الدستور.
مع ذلك تكتسب الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر أن تجري يوم الجمعة 18 يونيو 2021 أهمية حقيقية في كل الأوساط التحليلية الداخلية والخارجية، خاصة أن تلك الانتخابات هي التي قد تحدد اسم الرئيس الذي ستعيد إدارته التفاوض ــ أو التفاهم ــ مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد أربع سنوات من الصدام الأمريكي ـ الإيراني على عهد الرئيس دونالد ترامب (2017 ـ 2021)، كما أنه جرى الحديث على نحو متواتر حول أنها قد تشهد أول رئيس عسكري في تاريخ البلاد منذ نجاح الثورة عام 1979.
ففي السنوات الستة والثلاثين (1981 ـ 2017م) انتخب الإيرانيون ٥ أشخاص لرئاسة البلاد، ٤ منهم رجال دين (آية الله علي خامنئي – آية الله هاشمي رفسنجاني – حجة الإسلام والمسلمين محمد خاتمي – حجة الإسلام والمسلمين حسن روحاني) وواحد فقط مهندس هو أحمدي نجاد، مع عدم احتساب أبو الحسن بني صدر ومحمد علي رجائي، اللذين لم يستمرا في السلطة طويلا.
الرئيس عسكريا للمرة الأولى
مجمل الوضع في الأسابيع الأخيرة يشير إلى أن المؤسسة العسكرية في إيران ألحت على المرشد الأعلى للبلاد آية الله علي خامنئي، وأقنعته بأن يكون الرئيس المقبل من قلب النخبة العسكرية الراهنة، ويرجح هذا التحليل تعديل قانون الانتخابات ليسمح للعسكريين بالترشح ثم إعلان الچنرال حسين دهقان، وزير الدفاع السابق، والقيادي في الحرس الثوري، ترشحه للرئاسة.
اقرأ أيضا:
ولعل العسكريون أقنعوا خامنئي بتلك الاستراتيجية بناء على تقييمهم لاحتياجات الغرب (بايدن تحديدا) من إيران في المرحلة المقبلة، فالرئيس الديمقراطي يريد صراحة أن يفاوض طهران على تموضعها العسكري في المنطقة، ويريد أن يفاوضها على برنامجها العسكري للصواريخ الباليستية، ويريد أن يحول خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي” من اتفاق لمنع الانتشار النووي إلى اتفاق جيوستراتيجي موسع في الإقليم يعالج كل ثغرات اتفاق العام 2015.
على تلك الرؤية فإن العسكريين رأوا أنهم أقدر على قيادة التفاوض مع الغرب في هذه المرحلة من أي فصيل مدني أو ديني سواهم، خاصة أن إدارة روحاني الدينية/ المدنية، مُنيت بعدم النجاح بعد أن تبدلت القيادة في البيت الأبيض من الديمقراطي أوباما إلى الجمهوري ترامب.
وتشير تصريحات المرشد الأعلى في الأسابيع الأخيرة إلى أنه بات أكثر ميلا لتطبيق هذه الاستراتيجية، ولو حدث وتم انتخاب دهقان “العسكري” رئيسا أو أي عسكري غيره؛ سوف تكون سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الجمهورية الإسلامية لها ما بعدها على صعيد علاقات إيران الإقليمية والدولية.
العقلية الاستراتيجية لخامنئي
لفهم طبيعة تفكير خامنئي والغوض في عقليته الاستراتيجية يلزم التركيز على ما قاله بحق هذه الانتخابات وتحليل عباراته حولها، ففي كلمته احتفالا بأعياد النوروز يوم السبت 20 مارس 2021 قال خامنئي إن هذا العام (1400 ش)، هو عام حساس ومهم، وأرجع تلك الأهمية وتلك الحساسية إلى إجراء الانتخابات الرئاسية في بدايته (خرداد 1400 ش / يونيو 2021م).
وقال خامنئي إن البلاد أمامها انتخابات مهمة، ويمكن أن يكون لها تأثير كبير في أوضاع البلاد وأحداثها ومستقبلها، وأنها ستأتي بإدارات جديدة إلى رأس العمل، وهي إدارات مفعمة بالحيوية، ستدخل البلاد بدوافع متنوعة وقوية، لذا تجعل الانتخابات هذا العام مهمًا وحساسًا للغاية، وفقا لمنطوق خطابه.
بالرغم من تلك الكلمات المقتضبات إلا أن خامنئي ألحقها بتأكيده على أنه سيخصص كلمة لها في القريب؛ ما فهم منه أن تلك الانتخابات من وجهة نظر متخذ القرار الأول في البلاد تنطوي على أهمية بمكان تجعلها مختلفة كل الاختلاف عن أي انتخابات سابقة في تاريخ الجمهورية الإسلامية وفي عهد ولايته هو على وجه التحديد (1989 ـ حتى الآن).
ولعل الشعار الذي اختاره خامنئي للعام الفارسي الجديد 1400 ش (21 مارس 2021 ــ 20 مارس 2022م) وهو: “الإنتاج، والدعم، وإزالة الموانع”، يشي بأن الإدارة الوحيدة القادرة على دعم سياسات الجمهورية الإسلامية وإزالة الموانع الاستراتيجية من أمامها هي إدارة عسكرية يقودها رجل من قادة الحرس الثوري كما هو متوقع حال فوز الجنرال حسين دهقان.
إرث حسن روحاني
في ضوء كل تلك المعطيات يبرز إرث حسن روحاني أمام الناخب الإيراني الذي ينظر إلى استحقاق الثامن عشر من يونيو 2021 م، على أنه فرصة محكوم عليها بالإخفاق لإصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة الأمريكية والانتفتاح على العالم الخارجي، إذ إن روحاني بخطابه المعتدل الأقرب إلى خطاب الإصلاحيين وباستدعائه الدائم نموذج الإمام الحسن حين تفاوض وترك السلطة لمعاوية لم يتمكن من تعديل علاقات بلاده مع العالم الخارجي.
ففي استحقاقي 2013 و2017 حقق حسن روحاني الفوز من الجولة الأولى ولم يذهب حتى إلى جولة إعادة مع أي من المنافسين وبعضهم أقطاب في النظام السياسي الإيراني؛ لمجرد أنه وعد بالانفتاح على العالم الخارجي وتحسين علاقات طهران في محيطيها الإقليمي والدولي.
غير أن الناخب الإيراني الآن ينظر إلى تلك السنوات الثماني التي انتهت من دون إنجاز واحد لإدارة روحاني “المعتدلة”، كإرث من الإخفاق يحكم أفضلياته ويحدد تصويته لاختيار الرئيس المقبل، ليس هذا فحسب، بل إن كثيرا من قطاعات الشبان في البلاد وهم نحو 60 بالمئة من الكتل التي يحق لها التصويت قد تمتنع بالكلية عن الذهاب إلى الصندوق، والسبب: هو إرث روحاني.
خاتمة
من ثَمَّ يمكن القول إن كل ما أعلاه محكوم برؤية المرشد الأعلى لطبيعة إدارة علاقات بلاده الخارجية وأولويات سياساته الداخلية، إلى جانب العامل الأكثر أهمية وهو توجيهاته إلى مجلس صيانة الدستور المخول حصرا بالمصادقة ـ أو الرفض ـ على الشخصيات التي يحق لها خوض غمار المنافسة الانتخابية من عدمه.