استقبل الرئيس السوري بشار الأسد، يوم الاثنين 18 مارس الجاري، وفداً عسكرياً عراقياً وإيرانياً مشتركاً ضم كلاً من الفريق أول الركن عثمان الغانمي رئيس أركان الجيش العراقي، واللواء محمد باقري رئيس الأركان الإيراني وعدداً من القيادات العسكرية من البلدين، وذلك بحضور وزير الدفاع السوري العماد علي عبد الله أيوب. وتناول الاجتماع بحث تطورات الوضع الميداني في سوريا وسبل وآليات تعزيز التنسيق والعلاقات بين البلدان الثلاثة بما ينعكس إيجاباً على الجانب العملياتي لمكافحة الإرهاب على الأرض.
مناقشات
أولا: اللقاء الذى جمع القادة العسكريين للدول الثلاث، يبدو أنه متصل بشكل أو بآخر بتأمين الحدود السورية – العراقية، بالإضافة إلى تأمين طرق برية تربط إيران بالأراضي السورية، بالطبع مرورا بالأراضي العراقية. وترجع أهمية ربط إيران بسوريا بريا في الأساس إلى العامل الاقتصادي.
فسوريا بالنسبة للاقتصاد الإيراني هى الملاذ والفرصة الوحيدة حاليا لها للوجود على شواطئ البحر الأبيض المتوسط. ومن أجل ذلك هناك تحضيرات جادة لسيطرة شركات تابعة للحرس الثوري الإيراني على عمليات الشحن والتفريغ في ميناء اللاذقية.
بالتوازي مع هذه التحضيرات توجد خطط لطرد الفرنسيين من ميناء اللاذقية بنهاية هذا العام لكي يسيطر الإيرانيون بشكل كامل على هذا الميناء، وكما هو معروف فإن شركة CMA CGM الفرنسية هي المشغل الحالي للميناء.
ثانيا: هذا اللقاء جاء بعد أسابيع قليلة من زيارة الرئيس السوري بشار الأسد لطهران، وهو ما يعني أن هناك رسائل إيرانية واضحة للروس، بأن بشار الأسد ينتمي إلى طهران أكثر من إنتمائه لموسكو.
ولعل الاجتماع العسكري الأخير يؤكد ذلك، فالعسكريون الروس لم تتم دعوتهم لهذا الاجتماع ولن يعلموا الكثير عن ما دار بداخله، وهذا يعني أن إيران تعلن للروس قبل الأمريكان والإسرائيليين أن العراق في يد إيران اليمنى وسوريا في يدها اليسرى؛ لذلك لا مجال لوجود ضغوط روسية على إيران من أجل الخروج من سوريا.
ثالثا: بالرغم من أن إيران هي الشريك الرئيس للقوات الجوية الروسية في الانتصارات التي تمت على الأراضي السورية ضد الجماعات الإرهابية، إلا أنها حاليا تعد غريما للقوات الروسية، بشكل خاص بسبب الصمت الروسي عن الضربات الجوية الإسرائيلية بالإضافة إلى الضغط الروسي الدائم لإبعاد القوات الإيرانية عن الحدود السورية – الإسرائيلية.
بالإضافة لذلك فإن روسيا تعلم تمام العلم أن النفوذ الإيراني في دمشق يتفوق على نفوذها بشكل واضح؛ لذلك تعمل روسيا منذ فترة ليست بالقريبة على محاولة إيجاد بديل للرئيس السوري الحالي بشار الأسد من أجل تغيير معادلة النفوذ في سوريا، على اعتبار أن الأسد نفسه أحد عوامل التفوق الإيراني في هذا البلد.
رابعا: فعلت روسيا منذ سبتمبر 2015 الكثير جدا من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومن أجل الأهم الحفاظ على وجودها العسكري في ميناء طرطوس، ونجحت بالفعل في ذلك بل أضافت إلى قاعدة طرطوس البحرية قاعدة حميميم الجوية.
لكن يبدو أن هناك حالة من حالات عدم الاحترام الكامل من جانب الجنرالات الروس لشخص بشار الأسد واتضح هذا في اللقطات التي تم نشرها في قاعدة حميميم في ديسمبر 2017.
عدم الاحترام هذا يمكن بطريقة أو بأخرى أن يؤدي إلى طرد القوات الروسية بشكل كامل من سوريا، وهذا غير مستبعد. فيجب أن تعلم روسيا بأن بقاء بشار الأسد حتى الآن في الحكم ليس مرتبطا بشكل كامل بالرغبة الروسية ولكن هناك العامل الإيراني الذي لولاه لما نجحت في الأساس القوات الجوية الروسية في سوريا.
وعليه يمكن القول إن التجربة السوفيتية في مصر في فترة الستينيات والسبعينيات في القرن الماضي يجب أن تكون درسا قويا لروسيا في تعاملها مع القيادة السورية، فبالرغم من المساعدات السوفيتية التي لا تحصى لمصر في حروبها مع إسرائيل؛ إلى أن مصر طردت في شهر يوليو من العام 1972 الخبراء السوفيت من أراضيها.
استنتاجات
أولا: عقد اجتماع عسكري في دمشق على أعلى مستوى دون دعوة الطرف الروسي، تطور سلبي واضح متصل بالنفوذ الروسي في سوريا. كما أن دخول الجيش العراقي في هذا الاجتماع ينبئ بوجود خطط ثلاثية بقيادة إيران للتحرك بعيدا عن سرب الشراكة الإيرانية – السورية الروسية. وهذا سيعني إعادة رسم خريطة التحالفات على المسرح السوري.
ثانيا: كل الجهود التي قامت بها إيران وتابعها حزب الله في الأزمة السورية منذ 2011 وحتى الآن لن تكون مجانية، وتخطط إيران إلى ألا يكون الوجود العسكري هو محور ما تتقاضاه في المقابل بل إن المقابل الاقتصادي هو المنال بسبب الأزمة الاقتصادية الداخلية في إيران.
ثالثا: في الوقت الذي تضيع روسيا فيه مجهودها على كسب ود الأتراك والإسرائيليين ومجابهة الأمريكان، تعمل إيران على تقوية نفوذها في الداخل السوري. ولعل أوضح دليل على ذلك سيطرة شركة تابعة للحرس الثوري على ميناء اللاذقية ومحاولة طرد الفرنسيين منه. بالإضافة إلى العمل على السيطرة على الحدود السورية – العراقية من أجل ضمان إقامة ممر بري يربط الدول الثلاث (العراق ـ سوريا ـ إيران) وضمان عدم تنقل الإرهابيين من خلالها.
رابعا: الضغوط الإسرائيلية على الكرملين من إجل إخراج الإيرانيين من سوريا، ستؤدي في النهاية إلى اضطراب العلاقات الإيرانية – السورية ما يستتبع ذلك دخول مسألة الوجود العسكري الروسي في سوريا إلى مرحلة الخطر، فلا الأتراك ولا الأمريكان ولا الإسرائيليون يريدون وجودا عسكريا روسيا في سوريا، على اعتبار أن الوجود العسكري الروسي الحالي مرتبط بالموافقة الإيرانية لا العكس، ومرتبط بالتالي بموافقة بشار الأسد. وإذا استمرت مظاهر عدم الاحترام الروسي لشخص بشار الأسد فسيكون على الروس مواجهة خطر الطرد كما حدث في عام 1972 من جانب الرئيس المصري محمد أنور السادات.