ترتبط السياسة الخارجية الإيرانية بالمرتكزات الفكرية النابعة من الأيديولوجية السياسية التي تبنتها الثورة الإسلامية منذ عام 1979، مع مراعاة التطورات التي طرأت على الساحة الدولية على إثرها، ولكن مع الاحتفاظ بالثوابت الفكرية المرتبطة بمفهوم الشرق الأوسط الخالي من الهيمنة الأمريكية ومحاولة تعميق دور إيران الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط ككل وفي الخليج العربي على وجه الخصوص.
ويمثل الدور الإيراني في اليمن إحدى حلقات النفوذ الإيراني المتصاعد في المنطقة العربية، وفي اليمن كمثال بارز على هذا التوجه إذ يتمثل التدخل الإيراني في هذا البلد في دعم جماعة الحوثيين التي تتبني أفكاراً هي الأقرب إلى السياسة الإيرانية، ومن ثم يندرج الدعم الإيراني لها تحت إطار السعي لتحقيق المصالح الإيرانية في المنطقة ككل.[1]
وقد سبق وكشف تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الصادر بتاريخ 26 يناير 2018 أن النفوذ الإيراني في اليمن لم يعد قضية إقليمية بقدر ما أصبح قضية عالمية، وأشار التقرير إلى مخلفات قذائف ومعدات وطائرات عسكرية مُسيرة من أصل إيراني جُلبت إلى اليمن، كما تم إمداد جماعة الحوثيين بقذائف تسيارية قصيرة المدى من طراز بركان إتش 2 وصهاريج خزيم ميدانية لمؤكسد سائل ثنائي الدفع للقذائف وطائرات عسكرية من نوع أبابيل –T قاصف1.[2]
تغلغل النفوذ الإيراني بعد اندلاع الثورة اليمنية
على مدى سنوات طويلة قبل عام 2011، كان هناك العديد من المؤشرات على أن إيران تتدخل في الشأن اليمني الداخلي سواء عبر دعم الحوثيين في صراعهم مع الحكومة المركزية في صنعاء أو عبر دعم بعض أجنحة الحراك الجنوبي الساعية لفك الارتباط مع الشمال، لكن كان الدعم العسكري والمالي الإيراني لليمن موضع تشكيك من قبل البعض.
ولقد شهد هذا الوضع تغيراً واضحاً منذ عام 2011، إذ اتخذ هذا الدعم طابعاً سافراً مع تزايد التدخلات الإيرانية في اليمن في ظل الأوضاع الفوضوية التي رافقت أو أعقبت اندلاع الثورة اليمنية ضد نظام الرئيس علي عبد الله صالح، ما أتاح لإيران مجالاً رحباً لتعزيز دورها وتوسيع نفوذها على الساحة اليمنية.[3]
ويمكن القول إن أحد المبررات الرئيسة التي تسوقها الولايات المتحدة الأمريكية لدعم تدخل التحالف العربي لحلحلة الأزمة اليمنية على المستوى السياسي والعسكري هو أن الحوثيين هم بمثابة وكلاء لإيران سعوا إلى الإطاحة بالحكومة اليمنية وإخضاعها للنفوذ الإيراني.
ردود الفعل إزاء الدور الإيراني في اليمن
ينفي كل من الحوثيين وإيران وجود علاقة وثيقة بينهما، ويحاولان التقليل من أهمية الدعم الذي يتلقاه المتمردون اليمنيون من طهران. على سبيل المثال: سبق وأن دعا الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إيران لعدم التدخل في الشأن اليمني عدة مرات بالإضافة إلى دعوات الحكومة اليمنية، لكن استمرت إيران في نفي قيامها بدعم جماعة الحوثي المسلحة ودعم الحراك الانفصالي في الجنوب.[4]
يزعم بعض المحللين أن إيران ليست هي المصدر الأساسي لتمرد الحوثيين بالنظر إلى الخلفية السياسية التي أدت إلى نشأتهم كتيار مذهبي في أوائل التسعينيات من القرن الماضي وصدامهم مع الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، وبالتالي فإن هذا التيار يشكل خطرا على الجمهورية اليمنية سواء في وجود الدعم الإيراني أو غيابه.[5]
لكن الثوابت التاريخية تدحض هذا الرأي؛ لأن إيران تدخلت في اليمن وحاولت تكوين جيوب انفصالية خاصة في صعدة منذ اليوم الأول للثورة الإيرانية 1979 وهو ما دعا الرئيس اليمني علي عبد الله صالح إلى التدخل الرسمي المكثف في الحرب العراقية ـ الإيرانية عن طريق إرساله لواءين عسكريين تحت مسمى “ألوية العروبة” وقاتلا في الخطوط الأمامية إلى جانب الجيش العربي العراقي في حرب السنوات الثماني؛ دعما للرئيس صدام حسين ونكاية في إيران التي شرعت حينها في زعزعة استقرار اليمن.
احتجاج الحكومة اليمنية على إيران
يشهد الواقع بتفاقم الدور الإيراني واستمرار اتهامات الحكومة اليمنية لإيران بالتدخل في شؤون اليمن سعياً لخلط الأوراق وعرقلة مسار عملية السلام التي ترعاها الأمم المتحدة وفقاً لتصريح سابق لوزير الإعلام اليمني في حكومة تصريف الأعمال معمر الإرياني بتاريخ 24 أكتوبر 2020.
الوزير اليمني أكد أن النظام الإيراني انتهج سياسة التصعيد وخلط الأوراق مع كل بادرة انفراج في الأزمة اليمنية في إشارة إلى قيام طهران بتهريب أحد قادة الحرس الثوري إلى صنعاء وتنصيبه سفيرا لدي الجماعة الحوثية الانقلابية، ورأى أن سلوك إيران يهدف لنسف الأجواء الإيجابية التي سادت بعد تنفيذ المرحلة الأولى من عملية تبادل الأسرى والمختطفين في سعي لتأكيد الوصاية الإيرانية على القرار السياسي والعسكري لميليشيا الحوثى.[6]
هذا بالإضافة إلى الانتقاد الموجه لإيران من منطلق أن تعيين طهران لسفير فوق العادة مطلق الصلاحيات لدي الحوثيين سيكون بمثابة تنصيبه الحاكم العسكري الفعلي في صنعاء.
كما سبق وأن استنكرت الحكومة اليمنية الشرعية التصريحات الصادرة عن مسؤولين عسكريين إيرانيين حول امتداد محور المقاومة من اليمن إلى لبنان من منطلق أن هذا التصريح بمثابة إعلان إيراني واضح بالوجود في البحر الأحمر واعتراف رسمي بالمشاركة في القتال على الأرض إلى جانب مليشيا الحوثي.
كما ترى الجهات الرسمية في اليمن أن السلوك الإيراني يقوم على التنكيل باليمنيين والتآمر على أمن واستقرار اليمن والمنطقة العربية، وتهديد المصالح الإقليمية بوجه عام.
خاتمة: الدور الإيراني في اليمن وقضية وحدة الدولة
لا تقتصر أهمية قضية الدور الإيراني على الساحة اليمنية في كونها مجرد حلقة من حلقات الدور الإيراني في الشرق الأوسط وتقاطع هذا الدور مع مصالح الدول العربية والولايات المتحدة الأمريكية، لكنه يرتبط بقضية أعم وأشمل هي وحدة الدولة بين الخلافات الداخلية والضغوط الخارجية.
وتُعد وحدة أراضي الدولة وسلامتها من القضايا الجوهرية التي تؤثر في التوازنات الإقليمية ومستقبل المنطقة، وتمثل الأحداث والصراعات التي يشهدها الشرق الأوسط تحدياً حقيقياً لمفهوم الدولة القومية كما استوردته المنطقة ـ إذا جاز التعبير ـ منذ عصر الاستعمار القديم.
كما لا يخفى على أحد الدور التاريخي (الذي يتغير في سياقه الفاعل ولكنه يحمل الدلالة ذاتها) المتعاقب عبر العصور القائم على تكريس الخلافات الداخلية في إطار الدولة الواحدة من منطلق أن تقسيم المُوحَدين وتفرقتهم يُعد بمثابة الوسيلة الأساسية الأكثر كفاءة التي يلجأ إليها الخارجي عند رغبته في التدخل.
يتشابك في هذا الإطار دور القوى الإقليمية غير العربية مثل إيران ومواقف الداخل المتباينة في اليمن تجاه الاستراتيجية الأمريكية (الخارج).
من ثم يمكن القول إن اليمن يُعد بمثابة ساحة للتجاذب بين المصالح الإيرانية وتنافر قوى الداخل علاوة على الدور الأمريكي الذي صار من الثوابت الأساسية في حركة التفاعلات في الشرق الأوسط وأحد المكونات التي تعد من قبيل المسلمات السياسية.
وتلعب إيران دور الطرف الخارجي الذي يوظف الصراع الداخلي في اليمن لصالحه، وهي وإن لم تكن الطرف الأساسي الذي فجر الصراع اليمني؛ لكنها ساهمت في ترسيخه مما لا يحتمل الكثير من الجدل، كذلك فالدور الإيراني في الشرق الأوسط يمكن أن ينطبق عليه التوصيف ذاته للحالة الأمريكية من منطلق كونه أحد الثوابت الحالية (والمرشحة في المستقبل كذلك) المسيطرة على الكثير من مقدرات الأحداث والصراعات في الشرق الأوسط.
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] دينا محسن محمود عبده، المنطقة العربية دراسة مقارنة سوريا واليمن، موقع المركز الديمقراطي العربي، 25 يوليو 2016.
[2] النفوذ الإيراني في اليمن والفرص الموهوبة، موقع مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، بتاريخ 4 إبريل 2018.
[3] محمد حسن القاضي، الدور الإيراني في اليمن وانعكاساته على الأمن الإقليمي، موقع المعهد الدولي للدراسات الإيرانية، بتاريخ 26 نوفمبر 2017.
[4] تفكيك الدور الإيراني في اليمن، أوجه التدخل والأهداف، موقع البيان.
[5] فارع المسلمي، الدور الإيراني في اليمن أقل مما يشاع عنه وأكثر تدميرا مما يعتقد، مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، 3 يونيو 2017.
[6] اليمن يتهم إيران بالتدخل في شؤونه لعرقلة مسار السلام، موقع جريدة الشرق الأوسط، 25 أكتوبر 2020.