“كلا ليس بدون ابنتي”، قصة حقيقة روتها المؤلفة الأمريكية، بيتي محمود، في قالب سينمائي مقتبس عن رواية تعد ضمن أولى الروايات التي تناولت إيران بعد سقوط الشاه محمد رضا بهلوي ونجاح الثورة الإسلامية 1979 على يد آية الله الخميني.
حظيت تلك الرواية بترويج عالمي ذائع نهاية الثمانينيات عندما صدرت، وفي بداية التسعينيات تحولت إلى فيلم، كما نشرت الكاتبة بيتي محمودي الجزء الثاني من روايتها بعدما لقي الجزء الأول إقبالا واسعا، وحصلت على جائزة “بوليتزر” نظير هذا العمل الأدبي، الذي تحول إلى فيلم من جملة الأفلام الواقعية التي يعمد فيها المخرجون إلى أسر المشاهد وجذب انتباهه قبل بداية الفيلم، خاصة أنه عن بلد مثل إيران تعد بطلة رئيسة في أغلب نشرات الأخبار حول العالم.
قصة “كلا ليس بدون ابنتي”
تدور أحداث الفيلم عن أمريكية تدعى “بيتي” تزوجت طبيبا إيرانيا يدعى “محمود” كان يقيم في أمريكا، سافرت معه برفقة ابنتهما “مهتاب” إلى العاصمة الإيرانية طهران في أثناء عطلة ابنته وانتقالها إلى مدرسة جديدة.
كان السفر بعد إلحاح من محمود من أجل زيارة أهله، مؤكدا على أنها زيارة لا تتعدى الأسبوعين خاصة بعد رفض زوجته، ثم سيعودون مجددًا إلى الولايات المتحدة الأمريكية. لكن ما تلبث تلك الزيارة أن تتحول إلى سجن بعد قرار زوجها الاستقرار نهائيا في إيران، مدعيا أنه طرد من عمله في المشفى الذي يعمل فيه بأمريكا، ولم يعد له مكانا هناك.
ويركز الفيلم على وضع المرأة الأجنبية غير الآدمي في المجتمع الإيراني من جهة، وبدائية المجتمع المسلم وتفكيره المشجع للعادات والتقاليد الرجعية من جهة أخرى، وفقا لرؤية البطلة. وقد أنتجت الفيلم شركة جولدوين ماير عام 1991، وتم تصويره في أمريكا وإسرائيل وتركيا.
الشكل الفني للفيلم
يعبر الشكل الفني للفيلم عن محتواه ما يُمكّن المضمون من إبراز فاعليته الجمالية، فالعلاقة الجدلية بين الشكل والمضمون تظهر واضحة في البلورات المجمعة للقطات والمشاهد فيجعلها في حالة استقرار، غير أن المضمون يتغير بلا انقطاع بهدوء وبطء، وأحيانا بقوة وعنف. تلك التغييرات يلاحظها المشاهد في أحداث الفيلم فحينا تُظهر “بيتي” استسلامها لزوجها وحينا تساومه، وحينا تعلن تمردها عليه. كل هذه التغييرات تأخذ مجموعة من الصور؛ لتوضح أهمية وجود رؤية ووجهة نظر لدى المخرج إذ تنطوي عملية تصميم شكل الفيلم على أكثر من مجرد تصور أماكن وضع الكاميرا ونوع العدسة قبل بدء التصوير، ويعني ذلك تحديد غرض واضح ومثير، وهو السبب وراء تقديم القصة.
البدايات (الاستهلال)
البداية هى النقطة التي يبدأ بها المخرج أحداث فيلمه، ويفضل بعض المخرجين البدايات الديناميكية المثيرة، ويفضل آخرون البدايات الإيضاحية المتأنية، أما مخرجنا فبدايته كانت إيضاحية متأنية، يعمد فيها على الترتيب الزمني للموضوع، إذ يقدم الخلفيات الضرورية لتطور الحدث قبل أن يتبلور الصراع فيعرف الشخصيات الرئيسة والبيئة المكانية التي فيها الأحداث والزمن، ويخلق الحالة الشعورية أو المزاجية أو الجو النفسي الذي يسود الفيلم.
كذلك يعمد إلى المنطق الذي يربط بين الأحداث ويزرع Plantation فيها أحداث كبيرة لاحقة. نجد أن بداية المخرج كانت متدرجة بوصف السمات المكانية للعيش في أمريكا حيث الطبيعة الساحرة والتنزة على ضفاف البحيرات الآثرة، والزوارق الجارية – وكأنه حصر للدولة ككل – فتتعالى هنالك ضحكات فرحة؛ إعلانا عن السعادة والراحة.
كل هذه الدلالات تنم عن رؤية تشير إلى مدى الحرية والسعادة التي تغمر من يعيش هناك. ثم يستمر التدرج المكاني بالانتقال إلى دولة أخرى؛ حيث تبدأ المقارنة في مخيلة البطلة “بيتي” والتي تترجم إلى أفعال تطالب بالرجوع إلى موطنها. بالإضافة إلى السلوكيات والمعاناة التي تعرضت لها في إيران، ما دعم الرؤية المقارنة لديها.
ولقد كانت مشاهد الدولتين على النحو الآتي:
المكان الفني والفيلمي
المكان الفني كما يصفه عالم السيموطيقا السوفيتي “يوري لوتمان”: هو ذلك المكان الذي من صفاته أنه متناه غير أنه يحاكي موضوعا لا متناهيا أي إنه مكان يتجاوز حدود العمل الفني، فمن خلال التقنيات الفنية يصبح أنموذجا للعالم الواقعي.
كانت إيران في الفيلم هو ذلك الأنموذج الواقعي والذي تجاوز حدود العمل الفني، نظرا لما تحمله من دلالات وأبعاد عديدة، فجاءت صورتها كدولة متزمتة بالتقاليد الإسلامية البدائية من فرض الحجاب والتضيق على المرأة، وتقييد الحريات على عكس صورة إيران الحديثة زمن الشاه.
أما المكان الفيلمي فيعرف بأنه فن المكان نظرا للخاصية الفوتوغرافية التي تجعل للمكان خاصية سينمائية، يؤكد على ذلك “مارسيل مارتن” بوصفه للسينما بأنها فن المسافة التي تستطيع أن تحقق السيطرة الكاملة على المكان، حيث إنها تعيد خلق المسافة المادية الحقيقية بطريقة واقعية.
فضلا عن ذلك تخلق السينما مسافة جمالية نوعية تماما، فالمكان السينمائي له خصائصه التي تميزه، حيث يمزق المكان الحقيقي ويعيد بناءه بأكبر قدر من الحرية مستعينا بالتقنيات السينمائية مثل: زاوية الكاميرا، والعدسة، والتكوين، وحركة الكاميرا.
نرى هذا التمزق المكاني في فيلمنا حينما أعيد تكوين البيئة الإيرانية في مكان جغرافي آخر هو: تركيا وأمريكا وإسرائيل، أي أماكن التصوير الفعلي للفيلم.
سياق المشاهد المتتالية Sequence
يعرف السياق السينمائي بأنه مجموعة من الأحداث الدرامية في عدة مشاهد يربط بينهما فكرة واحدة مثلها مثل المشهد الذي أعلنت فيه “بيتي” منذ البداية عن الخوف والقلق الذي يعتريها. أيضا رفضها السفر إلى إيران؛ لهذا أصرت على البقاء في أمريكا كما رحبت بقدوم أهل زوجها لزيارتهم عوضا عن السفر، غير أن محاولات زوجها في الإقناع كانت أقوى، إذ تمكن من إقناع زوجته بالسفر خاصة بعد شكواه المستمرة والمبررة من التنمر الذي يتعرض له من زملائه الأطباء، بحكم أنه إيراني قادم من مجتمع جاهل، فجاءت لقطات المشاهد كالآتي:
رؤية المخرج كانت غالبة في مشاهد وصول عائلة محمود إلى إيران، حيث كانت إيران دولة خانقة يعيش أهلها حياة بدائية وكأن مفارقة عجيبة حدثت في إيران ما بين زمن الشاه الذي في مخيلة محمود وزمن الثورة الإسلامية، وما لهذا من بعد فكري تروجه الرؤية الغربية تجاه الإسلام، بوصفه دين بدائي يربي في أصحابه التشدد والتعصب، وإرهاب الآخر، غاضيين الطرف عن أن الإسلام كغيره من الديانات السماوية مبرأ ومنزه عن أفعال البشر، أو سلوك الأنظمة الثيوقراطية.
الرؤية الغربية المعالجة للمجتمعات الشرقية كانت المسيطرة في الفيلم، نماذج لتلك المعالجة: الدبابات والجنود الذين يملؤن الشوارع، والذبح والخطو على الذبيحة لدفع العين وجلب الفأل الحسن، وإقامة الصلاة في الشوارع، والميادين العامة، والشرطة النسائية المسلحة التابعة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي تعنف نساء العامة؛ بسبب سوء التحجب، والإكراه على اعتناق الإسلام، وإباحة ضرب المرأة وإهانتها من دون رادع أو مانع… وتعد تلك المشاهد من الأخطاء التي تؤخذ على المخرج، فهو عمد إلى إظهار صورة ناقصة غير مكتملة فكانت على النحو التالي:
ــ مشهد (الدبابات والجنود الذين يملؤن الشوارع) حيث كانت زيارة “بيتي” لإيران عام 1984. تلك الزيارة كانت في أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية التي بدأت في سبتمبر 1980، واستمرت الحرب بين إيران والعراق حتى توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار عام 1988. فلا عجب أن تعاني شوارع دولة تخوض حربا حالة من التوتر والخوف المرتقب لأي هجوم متوقع.
ــ مشهد (الذبح والخطو على الذبيحة لدفع العين وجلب الفأل الحسن) فإن حكم الذبح للوقاية من العين بدعة ولا يجوز وليس من الإسلام في شيء، وهو من الطيرة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال: لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر. أخرجه الشيخان عن ابن عمر وأبي هريرة.
ــ مشهد (إقامة الصلاة في الشوارع والميادين العامة) فالمجتمع الإيراني مجتمع مسلم يؤدي صلاته في المساجد، لأنه دعوة الإسلام تقوم على إقامة الصلاة في المساجد يقول الله تعالى في محكم تنزيله “في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ” أما الصلاة في الشوارع فلها أحكام وضوابط.
ــ مشهد (الشرطة النسائية المسلحة التابعة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) يشار فيه إلى أن القوانين التي تم إقرارها في إيران منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، فرضت على النساء ارتداء حجاب يغطي الشعر والرقبة، وتضطلع إحدى وحدات الشرطة النسائية بتطبيق ارتداء هذا الزي، فالقانون يفرض غرامات على المخالفات، أي لا حاجة لحمل السلاح كما أظهر الفيلم، وقد يصل الأمر إلى الاعتقال.
ــ مشاهد (الإكراه على اعتناق الإسلام، وإباحة ضرب المرأة وإهانتها من دون رادع أو مانع). كلها مشاهد غير منصفة كما أنها مهاجمة صريحة، فلم يعمد فيها المخرج على إظهار الحقيقة الكاملة بشأن تعاليم الإسلام بل جسد تعاليمه في سلوك أشخاص يمثلون أنفسهم. هذا الحكم لا يتسم بالمنهجية؛ لأن الحكم على دين أو عقيدة ما نتيجة سلوك سيء أو مرفوض صدر من مسلم أو يهودي أو مسيحي أو هندوسي أوبوذي، لا يعد حكما مطلقا وقطعيا.
والحقيقة أن هذا التعميم في إصدار الأحكام يعتمد على وجهات نظر فردية لأن الإكراه على اعتناق الإسلام، من الأمور المنهي عنها في الشريعة الإسلامية لقوله تعالى: “وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ “، كما أن إباحة ضرب المرأة وإهانتها أمر لا يجيزه الإسلام، لقول الله تعالى “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا”.
وفي الواقع لا تبدو تلك الرؤي الآنفة للمشاهد المدقق مجرد انتقاد لسلوك، بل في الحقيقة ترويج لعدوانية المجتمع المعلن عنه حيث اتسمت بالتعميم. فجاءت لقطات Shots المشاهد لتعبر عن تلك الحقيقة.
رؤية المخرج في الشكل الفني لإيران بتجسيد مجتمعها بالتشدد الديني والفكري صورة مبالغ فيها خاصة أن التصوير لم يتم داخل إيران ولم يكن هناك اختلاط بالوجدان الجمعي للمجتمع الإيراني بل اعتمدت رؤيته على وجهات النظر الخاصة، وأيضا الأقوال المتداولة في الأوساط الإعلامية والفكرية. أما النقطة الآخرى وهي تأجيج عواطف المشاهد وإقناعه بالفارق الرهيب بين أمريكا وإيران، والتعاطف مع الأم الأجنية التي تعرضت للتعنيف من مجتمع متنمر فكريا وعقائديا.
أيضا من سياق المشاهد التي زادت من حدة الأزمة والصراع هو إعلان “بيتي” رفضها للتقاليد النسائية من لبس الحجاب (التشادر الإيراني)، والمضايقات التي تتعرض لها بسبب ديانتها المسيحية، في محاولة من زوجها لضرورة تقبل اختلاف الثقافات والفكر المخالف، لكن سرعان ما يضيق ذرعها وتطالبه بالعودة والرجوع لأمريكا، هنا تشتد حدة الأزمة في رفض محمود العودة، وكذبه على زوجته بادعاء طرده من عمله في أمريكا، لكن لا تلبث الحقيقة أن تظل طي الكتمان، ويعلن محمود عن نيته في الاستقرار في إيران، والتراجع عن العودة لأمريكا. اللافت للمشاهد هو التغيرات التي بدت على “محمود” من إهانته لزوجته وضربها وكأنه يمارس سلطته كرجل من أجل الإقناع الجبري على البقاء والرضوخ لرغبته.
نتيجة الصدمة التي تعرضت لها “بيتي” من زوجها وتغيره الغريب جعلتها تلجأ إلى استمالة قلوب أهله خاصة أبيه رجل الدين فأفصحت لهم عن كذب زوجها وقسمه بالقرآن بأنه سيعود بهم إلى أمريكا مرة أخرى غير أن رد الفعل كان صادما لها؛ لأنهم برروا فعله ولم يجرموه، بل وقفوا إلى جانبه؛ تدعيما له، وترتب عن هذا الرفض العلني من الجميع بداية معاناة “بيتي” ومحاولاته الهروب من أذى زوجها.
التخبط في القبول والرفض
عانت “بيتي” خلال الفيلم حالة تخبط بين الاستسلام والرضوخ لرغبة زوجها، وبين الرفض الأمر الذي كان سبب ازدياد معانتها في ظل مجتمع متشدد يظلم المرأة، لكنها حاولت في البداية الفرار باللجوء إلى مكتب رعاية المصالح الأمريكية في السفارة السويسرية لكن “نيكول” –الموظفة في المكتب – كشفت له حقيقة أن الزواج من رجل إيراني يفرض عليها تلقائيا المواطنة الإيرانية، فتدرك أنه لم يعد لها مهرب للفرار من قبضة زوجها المستبد في حين أن عنف زوجها وسلطته عليها لم يقتصر عند هذا الحد فحسب، بل طال الطفلة مهتاب بإجبارها على الدراسة. وكانت شعارات مثل: (مرگ مرگ بر امريكا( ومعناها: (الموت الموت لأمريكا)، شائعة ومرددة في تلك المدارس آنذاك؛ الأمر الذي عزز من رفض الطفلة مهتاب لمجتمع أبيها، حيث وجدته مجتمعا يعاملها بقسوه، بل الأسوء أنه كان سببا في تغير أبيها عما عهدته.
اللقطة Shot في هذا المشهد Scene كانت مميزة وحملت دلالات عدة وهى عنف محمود إعلانا منه عن خوفه من هروب زوجته بابنته، فيضطر للضرب كوسيلة دفاعية ضد الخوف الذي يعتريه، والخطر الذي يهدده.
يدرك “محمود” حقيقة ما يفعل لكن خوفه من فقد ابنته كان يطارده. أيضا وجهة نظر المخرج Point of view في حصر المعلمات بجانب من اللقطة كإغلاق عليهن فهن يعجزن عن تقديم المساعدة، كما أنهن لن يقدرن على الاعتراض ما يدل على التضييق المجتمعي وتحديد قدرة المرأة فيه، أما المساحة التي شملت “محمود وبيتي ومهتاب” فكانت ضيقة أيضا كدلالة على محاولات محمود في تضييق الخناق عليهما وإحكامهما في دائرته بدليل أن المخرج ترك مساحة كبيرة فارغة بين “محمود” الذي يضرب بيتي والمعلمات والحائط.
من مشاهد اليأس إجبار “بيتي” على التردد إلى حصص تحفيظ القرآن الكريم ـ تصريح علني على رفض دينها أي المسيحية – وكأن الإسلام المتمثل في أصحابه تتم الدعوة إليه بالإكراه، ولعل هذه الصورة المبالغ فيها والظالمة حينما تنسب لدين ما ليس فيه وحينما تتجاهل تعاليمه وآدابه علانية ولا تنسبها لمطبقيها.
قمة الصراع وزمام الدراما
تتعرف “بيتي” هناك على مواطنة أمريكية تدعى “إيلين” تعاني معاناتها نفسها؛ فتجد في معرفتها متنفسا جديدا، ووسيلة تقريب بين أسرتيهما، فتستعين “بيتي” “بإيلين” من أجل توصيل رسالتها إلى مكتب المصالح الأمريكية لطلب اللجوء والعودة إلى أمريكا خاصة أن زوجها قد منعها من الخروج بمفردها. لكن لسوء الحظ تجبر إيلين على إخبار زوجها بعد تعرضها للضرب الشديد.
الاستسلام الأخير بدا في حدثين وهما إعلان المعلمات استعدادهن لمساعدة “بيتي” وإعطائها مساحة للخروج مع ابنتها في أثناء الدوام لكن الأمر ينتهي باكتشاف “محمود” وضربه “بيتي” الأمر الذي أجبرها على الهرب غير أنها تعود للمطالبة بأخذ ابنتها لكن دون أمل، أما الحدث الثاني فهو احتجاز “محمود” “بيتي” في البيت بمفردها ومنعها من الخروج، ومن رؤية ابنتها أيضا كأسلوب تأديب لها، لكن الواقع أن الطفلة لم تسلم كذلك من تعنيف أبيها وأسلوبه القاسي لإجبارها على الاعتراف بتحركات أمها، وفي نهاية الأمر يتراجع بعد تعرض المنزل لهجوم في أثناء مرحلة حرب المدن.
المراهنة على الأمل
رغم المشاكل التي تعرضت لها “بيتي” لكنها لم تفقد الأمل في الهروب، أما ما ساعدها على تقوية إيمانها وتمسكها بهدفها، فهو تعرفها على تاجر إيراني يدعى “حيمد” عاش في أمريكا بضع سنوات ووعدها بالمساعدة حينما أخبرته بسعيها لمغادرة إيران عرفها على الآنسة “باسيمي” التي ستكون وسيط بينها وبين أخيها لمساعدتها على الهروب، وتجبر “بيتي” نفسها على مساومة زوجها وإقناعه باستسلامها مدة 6 شهور، هذه المدة التي استغرقتها ترتيبات هروبها.
خاتمة أبد ليس دون ابنتي
كانت الخاتمة Resolution حاسمة ومغلقة كذلك مرضية للمشاهد، فها هى ظلمة العنف والمعاناة التي تعرضت لها “بيتي” تنجلي، وتتمكن من الوصول إلى السفارة الأمريكية بتركيا. متحدية المخاطر والمصاعب التي واجهتها في رحلة النجاة، كماتعرضت للاعتداء من قبل أحد الرجال الذين ساعدوها على الهرب، ونتيجة دفاعها عن نفسها وتوبيخه من زميله؛ قام بالإبلاغ عنها لكن محاولاته كانت بلا جدوى وتمكنت “بيتي” أخيرًا بمساعدة ذلك الرجال الشريف من الوصول آمنة مع ابنتها في مشهد يعبر عن الفرج بعد الشدة.
النتيجة
في النتيجة النهاية للفيلم conclusion يتضح أن المخرج عمل بكل مهاراته على تحريك عواطف الممثلين أولا ليظهروا بتلك البراعة في التمثيل، والمشاهدين ثانيا؛ فبراعة الممثلة سالي فيلد (دور بيتي) أكسبها تعاطفا طوال أحداث الفيلم، على النقيض من النفور والغضب من الممثل ألفريد مولينا (دور محمود) الذي عكس قدرة وبراعة لهذا الممثل أيضا.
وبالرغم من نجاح الفيلم، لكن يؤخذ على مخرجه من الناحية الفنية اختياره نوعية الموسيقى، فكانت موسيقى غربية أوروبية في حين أن الفيلم يصور البيئة الإيرانية، كذلك الاستعانة بالآذان المسجل لأحد القراء المصريين إعلانا عن موعد الصلاة، على عكس الحقيقة التي يؤذن فيها في مساجد إيران مؤذنون إيرانيون وهو ما عنى أن مخرج الفيلم لم يستطع التفرقة بين الآذان المصري السني والآذان الإيراني الشيعي من ناحية ومن ناحية أخرى لم يستطع تمييز صوت الأذان المصري من الأساس.
فيما يتعلق بالمضمون لم يكن الفيلم موضوعيا إذ عمد على تصدير سلوك سلبي صادر عن شخص ينازع نفسه وحقيقة رفض ابنته وزوجته له، كل هذه الأحداث المهاجمة محفز للمشاهد الواعي تدفعه بشكل غير مباشر لمعرفة الحقيقة سواء بقراءة كتب التاريخ لمعرفة تلك المجتماعات بحق، أو القراءة عن الدين المُهَاجَم؛ لمعرفة حقيقة هذا الهجوم، وفي المحصلة النهائية أظهر هذا العمل الفني جوهر الصراع بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية فيما مضى ويكشف كثيرا من حقائق الصراع الحالية.