في مساء الثلاثاء الثامن والعشرين من يناير الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تفاصيل ما وصفها بـ”خطته لإحلال السلام في الشرق الأوسط ورؤيته لحل القضية الفلسطينية”، تلك التي عرفت بـ”صفقة القرن” والتي تمثلت في تأكيده أن مدينة القدس الشريفة الموحدة هي عاصمة الكيان الإسرائيلي، فضلا عن إنشاء دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ومنزوعة السيادة وبلا أي صلاحية لعقد اتفاقيات مع دول أجنبية.
وفور إعلان تلك الخطة من جانب الرئيس الأمريكي توالت ردود الأفعال الرافضة لتلك الصفقة، فجاءت ردود الأفعال العربية والفلسطينية متسقة، فيما جاء الرد الإيراني حادا، نظراً لتجاهل الولايات المتحدة الأمريكية قرارات الأمم المتحدة رقم 242 و194 ذات الصلة، فضلاً عن أمور أخرى في ثنايا الصفقة تتعلق بتحجم الدور الإيراني في المنطقة.
تقارب الموقفين الفلسطيني والإيراني
لا شك أن الموقف الفلسطيني أن يأتي رافضًا لكل ما أثير حول صفقة القرن، لكن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن كان قد دعا كل الفصائل الفلسطينية ـ برغم الخلاف والاختلاف – لاجتماع في مقر رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله، بعد سويعات من اجتماع خاص جمعه مع قيادات حركة فتح من المقربين، وهو الاجتماع الذي تمخض عن معلومات – كشفت مصادر استخباراتية إسرائيلية جزءًا منها – أفادت بأن أبو مازن تحدث عن تصعيد من شأنه أن يتسبب في احتكاك بين المتظاهرين الفلسطينيين وجنود الاحتلال الإسرائيلي في نقاط التماس في الضفة الغربية.
في الجلسة المغلقة نفسها تذكر المعلومات أن الرئيس الفلسطيني هاجم «خطة ترامب» بنقد لاذع وكلمات قاسية، وذكرت على لسان أبو مازن قوله «الأيام القادمة هي حالة طوارئ، ويجب على حماس أن تقرر ماذا تريد، فلن أنزل إلى القبر بائعًا للوطن»، وهو النداء الذي من شأنه أن يحدث انسجامًا بين حركتي «فتح» و«حماس»، برغم الخلاف بين الطرفين.
في ضوء تلك التطورات من المتوقع أن تستثمر حركة حماس ذلك الحدث لإبراز قوة فصائلها المسلحة المدعومة من إيران، لفتح جبهة جديدة ضد الولايات المتحدة على الأراضي الفلسطينية، وهو الموقف الذي تنتظره إيران لتحقيق ضغط شعبي وعسكري على اليد الطولى للولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط وهي «إسرائيل».
الموقف الإيراني منفردًا
ولأن إيران ترى من الواجب وضع القضية الفلسطينية في أولوياتها، فقد أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف رفض بلاده لصفقة القرن، متمسكًا بما أعلن عنه المرشد الإيراني علي خامنئي في وقت سابق من خطة بديلة تضمن حقوق المسلمين والمسيحيين واليهود في فلسطين على حد سواء، حيث تضمنت تلك الخطة ما أعلن عنه خامنئي في خطبة عيد الفطر السابق من إجراء استفتاء شعبي على السكان المسلمين والمسيحيين واليهود الفلسطينيين، وكذلك اللاجئين الفلسطينيين حول نظام الحكم في أرض فلسطين، لكن ذلك المقترح بطبيعة الحال لم يحتل أي مكانة تذكر لدى الأوساط الأمريكية أو حتى الفلسطينية.
ومن أجل إثارة مشاعر الجميع ـ مؤيد ومعارض لسياسات إيران ـ أورد الإعلام الإيراني تصريحات لرئيس مجلس الشورى الإسلامي، على لاريجاني، قال فيها: «إذا نظرنا لتحركات الأمريكيين سنرى أنهم يرسمون مخططًا كبيرًا ضد المسلمين في إطار صفقة القرن ويهدفون لإذلالهم، وأن ذلك نتيجة التفرقة بين الدول الإسلامية التي أعطت الجرأة للكيان الصهيوني وأمريكا أن يقوما بهذا العمل المشؤوم».
وفتحت إيران منصاتها الإعلامية لإبراز تصريحات قادة حماس والجهاد الإسلامي ضد صفقة القرن، فأبرزت تصريحات القيادي في حركة حماس إسماعيل رضوان، عن خسارة قطاع غزة لقاسم سليماني في هذا الظرف، في الوقت الذي كان يقدم فيه دعما كبيرا لفلسطين والمقاومة، معتبرًا أن غزة والمقاومة ستبقى وفية لإيران على دعمها لفصائل غزة، كما عقد في طهران، ملتقى في «دار انديشه الثقافي» تحت عنوان «غزة.. كيان المقاومة»، في إشارة بالطبع إلى أن الدعم الإيراني لن يكون إلا لفصائل قطاع غزة فقط، والذي تحدث خلاله ناصر أبو شريف، ممثل حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في إيران، عن مخطط صفقة القرن الذي يرمي إلى القضاء على فلسطين.
ولم ينل السفير الفلسطيني في إيران صلاح الزواوي، مثل هذا القدر من الانفتاح على وسائل الإعلام الإيرانية، إذ اكتفت تلك الأوساط بإبراز لقاء الزواوي مع رئيس المنظمة الثقافية والفنية التابعة لبلدية طهران، حجة الإسلام ميثم أمرودي، الذي وصف الزواوي بـ«شيخ السفراء في إيران».
تعزيز التقارب مع إيران
ترى الفصائل الفلسطينية في صفقة القرن متنفسًا لتعزيز تقارب حركتي حماس والجهاد الإسلامي من حزب الله وإيران بشكل مباشر، للرد على تلك الصفقة، إلا أن إيران قد تعتبر ما يحدث فرصة لا تعوض لنقل ساحة المعركة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية إلى الأراضي الفلسطينية.
لكن الأزمة الأبرز لإيران في تمرير تلك الصفقة تتمثل في إمكانية نزع سلاح المقاومة للفصائل الفلسطينية، التي تدعمها إيران بالمال والسلاح، وأبرزها حركة المقاومة الإسلامية «حماس»، وحركة الجهاد الإسلامي، وحركة الصابرين «حصن»، إذ تعمل واشنطن على وقف التمدد الإيراني الذي يهدد إسرائيل، لكن على الأرجح سيتعاظم دور تلك الفصائل لتحريك المياه الراكدة أمام تمرير «صفقة القرن».
من جانب آخر قد تحاول إيران إقحام حلفائها في غزة في مواجهة عسكرية مع قوات الاحتلال، في إطار ردها على اغتيال أمريكا قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، على أن يكون الفصيل صاحب النصيب الأكبر للرد هو: حركة الجهاد الإسلامي، لعدة أسباب تتمثل أبرزها في ظهور خلافات طفيفة بين طهران و«حماس»، خاصة بعد أن هاجمت صحيفة «قانون» الإيرانية الحركة بسبب صورة لرئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، يظهر فيها رافعًا علم الثورة السورية، ما دعا بعض الأوساط الإيرانية إلى أن تصف الحركة الأبرز في غزة بأنها «منحنية الهامة وفارغة اليد»، لكن على أية حال فإن قدسية القضية من المفترض أن تجعل كل الفصائل في مواجهة واحدة خاصة أن الداعم واحد.
لكن على الأرجح قد يتأخر الرد قليلا حتى بداية التحركات الإسرائيلية لتنفيذ بنود صفقة القرن، وما أن تشرع السلطات الإسرائيلية في ضم المناطق التي نصت عليها صفقة القرن حتى تبدأ الفصائل الفلسطينية على اختلافها في التحرك الفوري لصد أي تحرك إسرائيلي.
بالإضافة إلى ذلك، وفي الوقت الذي لم تستثمر فيه إيران فصائلها في قطاع غزة للرد على مقتل رجلها الأبرز قاسم سليماني، قد تجد الأوساط المتشددة في إيران من إعلان صفقة القرن فرصة سانحة لأمرين مهمين أولهما: الرد غير المباشر على مقتل سليماني بمهاجمة إسرائيل حتى ولو كان متأخرًا، وثانيًا: من أجل إثبات موقف أمام المجتمع الدولي بمؤازرة القضية الأبرز في الشرق الأوسط، ولمناوئة القرار الأمريكي بشأن الصفقة.
خاتمة
تنظر إيران لصفقة القرن بعين الريبة، على أنها أحد عوامل تقويض نظامها السياسي والعسكري، من خلال البند الذي يشدد على نزع سلاح حركتي حماس والجهاد الإسلامي المدعومتين بشكل مباشر من طهران، إذ لن تسمح بخسائر جديدة بعد خسارة قائد فيلق القدس لديها، خاصة أن الولايات المتحدة الأمريكية تحركت بشكل مباشر في صفقة القرن بعد أيام قليلة من مقتل «سليماني» لضمان عدم وجود ردة فعل قوية على ذلك التحرك الأمريكي، وبعد أن أعلنت إيران أنها أخذت بالثأر بمجرد عدة صواريخ أطلقت على قواعد ضمت عسكريين أمريكيين في العراق ولم تسفر عن مقتل أحد.
لكن الأيام المقبلة قد تسفر عن تقارب كبير وضغط أكبر من إيران وفصائلها المسلحة في قطاع غزة على الجانب الإسرائيلي، بدعم غير معلن من السلطة الفلسطينية، التي سترى في أي تحرك عسكري ضد الاحتلال الإسرائيلي فرصة للضغط على واشنطن لتعود إدراجها عن تنفيذ بنود «صفقة القرن»، لكن إيران معركتها مختلفة في هذا السياق فمن جهة هي فرصة للرد على مقتل سليماني، وفرصة أخرى لرفض نزع سلاح المقاومة المدعوم منها بشكل رسمي، وفرصة ثالثة لإعادة تسويق موقفها الداعم للقضية الفلسطينية أمام العالمين العربي والإسلامي.