في الرابع من شهر يوليو حصلت إيران على عضوية كاملة في منظمة شنجهاي للتعاون، وهو حدث سياسي خارجي يكتسب أهميته من اتفاق التعاون الاستراتيجي بين طهران وبكين والذي قدرت مدته بـ25 عامًا، وهو إجراء اعتبرته إيران فرصة ومكسبًا استراتيجيًا يمكنها من تحسين أوضاعها الاقتصادية التي أثقلتها العقوبات الأمريكية والأوروبية، وما صاحب ذلك من تقلباتٍ خانقة ومقلقة على إيران من الداخل في الوقت الراهن، كما اعتبرت إيران عضويتها في المنظمة بداية جديدة لمسار العلاقات الإيرانية على الساحة الدولية.
تشير التقديرات إلى أنه من غير المرجح أن تُحدث عضوية إيران الكاملة في منظمة شنجهاي تغييرات ملحوظة على المنظمة بحد ذاتها، لكنها تعتبر أحد المحفزات المهمة للسياسة الخارجية لإيران، نظرًا لأن المنظمة عُرفت منذ نشأتها عام 2001م بعد سنوات قليلة من انهيار الاتحاد السوفيتي السابق عام 1991م كمبادرة صينية لمكافحة الإرهاب والتطرف ومشاريع الانفصال، لتتحول بعد ذلك إلى مواجهة غير معلنة مع الأُحادية الأمريكية في مختلف النواحي الاقتصادية والاجتماعية والثقافية؛ وذلك بهدف التخلص من نظام الأحادية القطبية، والتمهيد لعالم متعدد الأقطاب بمشاركة الأعضاء الأصليين وهم: “الصين وروسيا وكازاخستان وأوزباكستان”.
تتمثل أهمية المنظمة بالنسبة لإيران في أنها تمكن طهران من الانخراط في أسواق جديدة، واستقرار ممرات العبور الإيرانية في أسيا الوسطى برغم العقوبات المفروضة
العضوية الكاملة: لماذا الآن؟
خلال السنوات الماضية، عارضت الصين المواجهة المباشرة مع حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ولهذا السبب لم تُرحب بعضوية إيران، لكن مع ازدياد خطورة الخلافات الأمنية الأمريكية مع الصين وبخاصة فيما يتعلق بمسألة السيادة الصينية على جزر تايوان، أصبحت الصين وروسيا الداعم الرئيس للوجود الإيراني في المنظمة، لاسيما بعد تحول منظمة شنجهاي للتعاون إلى حائط صد لمواجهة النفوذ والتمدد الأمريكي في أسيا الوسطى.
من ناحية أخرى، ترى الصين في الحضور الإيراني مخرجًا يمكنها من إحياء الفرع الشمالي لمبادرة “طريق الحرير الصيني”، ووصوله إلى الأسواق الأوروبية وأسيا الغربية، خاصة وأن إيران ستكون حلقة وصل بين الشمال والجنوب عبر مشروع ترانزيت ميناء “تشابهار” المبرم 2016م، ليربط بين الهند وإيران وأفغانستان من ناحية، وبين الهند وروسيا كاقتصادين كبيرين في المنطقة من ناحية أخرى.
بالإضافة إلى ذلك تدعم الصين روسيا لإعادة تنفيذ مشروع “الجسر البري الأوراسي الجديد”، ليربطها بأوكرانيا وبيلاروسيا وبولندا؛ وذلك من أجل تسهيل التبادلات الاقتصادية والتجارية بين الدول الواقعة على طول “الحزام والطريق”، وبين قارتي أسيا وأوروبا. ولعل هذا أحد الأسباب التي أزعجت الولايات المتحدة الأمريكية ودفعتها إلى استفزاز روسيا وتوريطها في حرب بالإنابة مع أوكرانيا.
كما لا يخفى على متابع الدور الإيراني في الحفاظ على أمن غربي أسيا والذي تبنته إيران لمنع تهديد حدودها الشمالية الغربية مع أذربيجان أو تخريب إنشاء الممر الحدودي الشمالي وتغطيته، في ظل مساعي حلف الناتو وتركيا إلى الترويج للممر الطوراني والمعروف بـ”ممر زانجيزور” والذي سيلعب دورًا حيويًا لوقف مساعي الصين الاستراتيجية هناك؛ ولهذا السبب تماشت أهداف المنظمة مع الميول الإيرانية من الناحية الأمنية والعسكرية والاقتصادية.
الأهمية الاستراتيجية لمنظمة شنجهاي
تتأتى أهمية المنظمة من حجم تجارتها الخارجية، وامتلاك الدول المشاركة فيها أكثر من 35% من موارد الطاقة في العالم؛ لهذا سعت الولايات المتحدة الأمريكية عام 2005م إلى الحصول على عضوية المنظمة لمنع استمرار طبيعتها غير الغربية، ومع ذلك قوبل طلب واشنطن برفض واسع للدول الأعضاء في المنظمة.
ووفقًا لبيانات “تقرير تنمية التجارة لمنظمة شنجهاي للتعاون لـ20 عاماً”، زادت القيمة التجارية الإجمالية للدول الأعضاء في منظمة شنجهاي للتعاون من 667.09 مليار دولار أمريكي عام 2001م إلى 6.06 تريليون دولار أمريكي عام 2020م، وزادت حصتها من إجمالي التجارة العالمية من 5.4% عام 2020 إلى 17.5% عام 2021، كما بلغ الناتج المحلي الإجمالي للدول الأعضاء في منظمة شنجهاي للتعاون نحو 23.3 تريليون دولار أمريكي، وهو ما يمثل نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
تتوقع مراكز الأبحاث الدولية أنه خلال الـ5 سنوات المقبلة، سيتجاوز حجم التجارة العالمية لهذه المنظمة حجم تجارة مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى 7G.
لهذا وبعد يأس إيران من إحياء الاتفاق النووي وفشل خطط إنقاذه، توجهت السياسة الخارجية للحكومة المحافظة التي يرأسها إبراهيم رئيسي نحو “التطلع إلى الشرق”، وتوطيد العلاقات مع دول أسيا الوسطى وبالأخص الصين وروسيا، حيث ستضمن الشراكة الجديدة لإيران مسارًا جديدًا في مساعي تطوير أسلحتها العسكرية، وذلك بعدما ربُطت مصالح جميع هذه المنظمة الإقليمية بمصالح إيران.
ومن المؤكد أن هذا الوضع سيثير حفيظة الدول الغربية تجاه التعاون العسكري الروسي ــ الإيراني على وجه التحديد، ومساندة الأخيرة لروسيا بمسيرات من طراز “شاهد” خلال حربها مع أوكرانيا، كما سيمهد لمزيدٍ من العقوبات الغربية على إيران لمنع أي تحركات نحو حصول الجيش الروسي على صواريخ باليستية إيرانية أو شراء إيران معدات عسكرية ومقاتلات روسية.
الآمال الإيرانية من الشراكة
تعمل منظمة شنجهاي للتعاون في الوقت الحاضر على استبدال هيمنة الدولار الأمريكي على النظام المالي العالمي والتجارة الدولية بآلية تخفض من حدة تأثير الدولار، لتعتمد الدول الأعضاء بدورها على العملة الوطنية، وبذلك ستمنع التداول التجاري بالدولار واليورو، وهو ما سيضعف من دور تلك العملات في البورصات العالمية على المدى الطويل، ما يعني تفلتًا واضحًا من العقوبات الاقتصادية وتداعياتها على الاقتصاد الإيراني من خلال مشاركة طهران في عدة مؤسسات وهي:
1- المجلس البنكي المشترك
إحدى اتفاقيات منظمة شانجهاي للتعاون مع الدول، هي تشكيل المجلس البنكي المشترك بغرض تسهيل التمويل للمشاريع المشتركة بين الدول الأعضاء، والتي يتم تمويل بعضها في إطار مبادرة “حزام واحد – طريق واحد”، وبالتالي لن يتم استخدام نظام الاتصالات المالية العالمية بين البنوك “SWIFT” المحظور حاليا في إيران وروسيا جراء العقوبات الاقتصادية.
2- زيادة التبادلات التجارية
في عام 2003م اقترحت الصين وثيقة طويلة الأمد لإنشاء منطقة تجارة حرة في منظمة شنجهاي للتعاون، هذه الوثيقة تُسهل إجراءات التصدير والاستثمارات المشتركة، بين الدول الأعضاء، علاوة على توحيد الرسوم الجمركية، وهو ما يسهم في مزيد من الانفراجات للاقتصاد الإيراني المُتخم حاليًا بالتضخم وانهيار العملية المحلية.
3- إنشاء نادي مشترك لموارد الطاقة
بما أن الدول الأعضاء في المنظمة تعتبر من أكبر منتجي الطاقة في مجال النفط والغاز، وتُمثل إيران رابع دولة عالميًا من حيث احتياطي النفط، والثاني من حيث احتياطي الغاز؛ فإن انضمام إيران للمنظمة سيُسهل عليها تصدير مواردها دون التقيد بالعقوبات الأمريكية، علاوة على تنمية إمكاناتها للطاقة الجديدة والمتجددة.
4- تنشيط السياحة وتعزيز الهوية الثقافية
لدى أفغانستان وطاجيكستان وباكستان لغة فارسية مشتركة مع إيران، وكونهم أعضاء في منظمة شنجهاي للتعاون، سيعمل ذلك على تخلص إيران من القيود الدولية المفروضة على المجال الثقافي والسياحي لها، وبالتالي الترويج للهوية الثقافية الفارسية، وريادتها في صناعة الأفلام والموسيقى وغيرها من أدوات القوة الناعمة.
خاتمة
جملة القول إن المقومات الجيوسياسية والاستراتيجية لمنظمة شنجهاي للتعاون جعلتها مَغنمًا مهمًا لإيران، وذلك للخروج من العزلة الدولية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، والالتفاف المباشر على العقوبات الغربية من جهة أخرى.
من أجل هذا، استغلت إيران حاجة الصين كأكبر مستوردي النفط في العالم، وزودتها بمصادر الطاقة بأقل من السعر العالمي لتكسب ثقتها وتنجح في إبرام شراكة استراتيجية شاملة معها لمدة 25 عامًا، كما استغلت إيران الحرب الروسية ــ الأوكرانية، واستنزاف روسيا لأسلحتها ومورادها، لتوطدّ العلاقات مع الأخيرة، خصوصًا على الجانب العسكري، لتصبح صديقًا رافضًا للممارسات الأمريكية والأوروبية في حقها، وداعمًا لها بالمسيرات، وبالتالي تتماهى الرؤية الروسية مع نظيرتها الإيرانية في مواجهة السطوة الأمريكية.
جميع ما سبق كان ممهدًا لمنح إيران مصادقة صينية روسية لتربط مصالحها بمصالحهم، والذي تمثل في قبول عضويتها في منظمة شنجهاي للتعاون.