بقرار الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران يوم 8 مايو 2018، بدأت إيران مرحلة جديدة من العقوبات استهدفت الإدارة الأمريكية من وراء ذلك وضع حد لممارستها في المنطقة وبالتحديد في سوريا، وفي زيارة لرئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، دعا نتانياهو بوتين لإخراج إيران من سوريا، معتبرا أن “إسرائيل لا تهدد الأسد”، ويأتي ذلك في ظل وضع الملف الإيراني والوضع في سوريا على أجندة قمة هلسنكي التاريخية بين ترامب – بوتين، تلك التي جرت وقائعها في العاصمة الفنلندية نهار أمس الإثنين.
أطراف الصراع
تهدف لمنع إقامة وجود عسكري إيراني في سوريا وإدخال أسلحة متطورة، ومنع دخول الأسلحة الثقيلة، ومنع دخول اللاجئين إلى إسرائيل، وترى في وصول قوات النظام السوري إلى الجولان فرصة للتنظيم والاستقرار والحفاظ على اتفاقية فك الاشتباك الموقعة 1974، كما أن إسرائيل يهمها ألا يكون لإيران نفوذ قوي في سوريا تلك التي تعتبرها عدوها الأول، وتخشى إسرائيل أن يجيز الأسد لحلفائه من إيران وحزب الله التمركز قرب خطوط التماس مع القوات الإسرائيلية.
على الجانب الآخر تعد روسيا شريكا قويا للنظام السوري على مدى السنوات الماضية، والتزمت موسكو بالحفاظ على موقع الأسد كمسألة توافقية بين طهران وموسكو، تلك التي تبدو على غير استعداد للتغطية عن مناورة طهران لمواجهة إسرائيل في سوريا أو التضحية بعلاقتها مع إسرائيل، ولذلك تحرص روسيا على عدم زعزعة مكانتها في سوريا بعد الانخراط العسكري المباشر خريف العام 2015.
ويمكن قراءة ذلك في إطار ما ألمح إليه الرئيس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع وزير خارجيته سيرجي لافروف قبل أيام، إذ لفت إلى أن انسحاب القوات الأجنبية من سوريا أمر ضروري لأمن النظام، وقال بوتين إن اتفاقية أستانا تؤكد سحب القوات الأجنبية من مناطق خفض التوتر، مضيفا: “قوات الجمهورية العربية السورية هي الوحيدة التي يجب أن تكون على حدود سوريا مع إسرائيل”.
ردا على ذلك قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي: “لا أحد يستطيع إخراج إيران من سوريا”، وأضاف أن “الذين يجب أن يخرجوا من سوريا هم الذين دخلوها من دون إذن حكومتها”، ما عكس حالة من حالات التنافر بين الجانبين.
في 30 مايو نقلت وكالة تاس الروسية للأنباء عن وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن كل القوات غير السورية يجب عليها الإنسحاب من حدود سوريا الجنوبية مع إسرائيل في أسرع وقت ممكن.
سوريا يبدو وضع النظام السوري في مكانة لا تسمح له أن يملي ما يريد، بالرغم من انتصاراته الأخيرة التي جاءت على ظهر قوات حلفائه، ورفضه يعني دولياً عدم القبول به، الذي يعيده لمربع الخطر من جديد، والأمريكيون يريدون منحه فرصة البقاء لكن مقابل أن ينطق رسمياً بأنه يطلب من الإيرانيين الخروج، وأن على طهران أن تنسحب عسكرياً من سوريا كأحد المطالب الأمريكية الاثنى عشر، التي تضمنتها إستراتيجية وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.
خيارات الأسد
إذ يمكن القول إن نظام الأسد بين المطرقة والسندان، فمن ناحية سيضعف خروج الإيرانيين و”حزب الله اللبناني” قوته، ومن ناحية أخرى بقاؤهما يعني أنه يظل مهددا من المجتمع الدولي، وسيحول الإيرانيون سوريا إلى مسرح للصراع مع إسرائيل كما لبنان، ستتحول سوريا إلى بلد بلا سلطة إلا من خلال طهران التي ستستخدمه في معاركها غير المباشرة المقبلة ضد خصومها.
في ضوء تلك القراءة أوضح الأسد في مقابلة بتاريخ 31 مايو 2018 “أن الحضور الإيراني لا يتعدى وجود ضباط يساعدون الجيش السوري، وأن الحقيقة الأكثر وضوحا التي تثبت كذبهم (في إشارة إلى إسرائيل) في هذه القضية هي أن الهجمات الأخيرة قبل بضعة أسابيع، التي قالوا إنها استهدفت قواعد ومعسكرات إيرانية كما زعموا، أدت إلى استشهاد وجرح عشرات السوريين، ولم يكن هناك إيراني واحد إذن، كيف يستطيعون القول إن لدينا مثل تلك القوات؟ هذا كذب. نقول دائماً إن لدينا ضباطا إيرانيين، لكنهم يعملون مع جيشنا، وليست لدينا قوات إيرانية”.
أمريكيا تبدو الولايات المتحدة في حالة ارتياح لتنافر وجهات النظر الروسية ـ الإيرانية في هذا الظرف الراهن، ولذلك طالعنا وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو يقول إن “إبرام الولايات المتحدة اتفاقا نوويا جديدا مع إيران وتطبيع العلاقات معها يتوقف على تلبية السلطات الإيرانية للمطالب التي تضعها واشنطن، وسنفرض على إيران أقوى عقوبات شهدها التاريخ”.
بومبيو طرح خلال كلمة علنية أولى له بعد توليه منصب وزير الخارجية ألقاها يوم الإثنين 21 مايو 2018 في واشنطن وكرسها لقضية إيران، قائمة من 12 مطلبا وضعتها الولايات المتحدة أمام الحكومة الإيرانية كشرط لتطبيع العلاقات، وإحدى هذه البنود “سحب جميع القوات التي تخضع للقيادة الإيرانية من سوريا”، كما أن إسرائيل هي الحليف التقليدي للولايات المتحدة، ويهمها بالطبع الحفاظ على أمنها ومصالحها من عدوها الإقليمي إيران، فالإنسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي كان أحد أسبابه التوسع الإيراني إقليميا وبخاصة على الأراضي السورية.
وينضم إلى الولايات المتحدة حلفاء آخرون يعملون على الخروج الإيراني والحد من الدور الإقليمي لإيران، وهم دول الخليج وأوربا على رأس الحلفاء، وإن كان يختلف الهدف من طرف لآخر.
إيران مستعدة للانسحاب
التطور الكبير في هذا الجانب تمثل في قول علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي للعلاقات الدولية في كلمة له بـ”نادي فالداي” بالعاصمة الروسية موسكو يوم الجمعة 13 يوليو 2018 إذ شدد على أن “إيران مستعدة لسحب قواتها العسكرية من سوريا والعراق في حال طلبت إدارتا البلدين ذلك، وفي حال طلبت إدارتا البلدين بأنهما لا يحتاجان إلى المستشارين العسكريين فإن إيران لن تتردد في الإنسحاب من هناك”.
وأكد أن الوجود الإيراني في سوريا لا علاقة له بإسرائيل، قائلًا “هناك اتفاقيات مع روسيا وسوريا بهذا الخصوص، ولا ضرورة لأن تكون هذه الاتفاقات متوافقة مع شروط إسرائيل”.
في غضون ذلك ذكر المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي أن ولايتي سينقل إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رسالة من المرشد الأعلى علي خامنئي، ما يعني وجود رغبة إيرانية في تجسير هوة الاختلاف مع الإدارة الروسية قبل أن يتحول إلى خلاف.
خاتمة
بناء على ماطرح من أطراف الأزمة وتباين الآراء للأطراف فأمام إيران عدة سيناريوهات تتلخص فيما يلي:
1 ـ سيناريو البقاء في سوريا: ويفترض هذا السيناريو عدم تخلي روسيا عن حليفها الإيراني، والثشبث بقيام إيران بدورها المليشياوي الوظيفي كأداة يستخدمها الجيش النظامي الروسي لأهداف إستراتيجية.
2 ـ سيناريو الخروج من سوريا: يرجح هذا السيناريو الخروج الإيراني غير المشروط من سوريا توفيرا للنفقات بعد أن تضرر الاقتصاد الإيراني على وقع الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي وتطبيق العقوبات وتدهور سعر التومان.
3 ـ سيناريو الخروج بشروط: يقوم هذا السيناريو على خروج إيران من سوريا بعد الحصول على عدد من المكاسب أو المقايضات في ملفات أخرى؛ خشية من التصعيد مع إسرائيل وتجنب الانزلاق إلى حرب لا يريدها النظام في وضعه الراهن، مقابل دور يتم الاتفاق عليه لحزب الله أو بقاء خبراء من الحرس الثوري في دمشق.