تُعد العلاقات الإيرانية العراقية من أبرز العلاقات الثنائية الإستراتيجية على مستوى الشرق الأوسط، لاسيما منذ تصاعد وتيرة النفوذ الإيرانى في العراق، منذ واقعة الاحتلال الأمريكى لبغداد عام 2003، حيث كشفت زيارة الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان عن طبيعة العلاقة المهمة بين طهران وبغداد، والتي تكشف طبيعة وأهمية الملفات الشائكة بين الجانبين.
لكن يتعين فى البداية الإشارة إلى أبرز محددات السياسة الإيرانية تجاه دولة العراق، إذ يمكن القول إن للسياسة الإيرانية ثوابت ترتكز عليها تجاه العراق أبرزها:
- ضرورة قيام حكومة عراقية صديقة أو غير معادية .
- التعامل فى ضوء أن ما يحدث فى العراق يمس بشكل مباشر ومؤثر الأمن القومى الإيرانى نتيجة الحدود الجغرافية المشتركة، ومن ثم يتعين امتلاك النفوذ والأوراق السياسية التي يمكن من خلالها التأثير على النظام السياسى العراقى بما يحقق جزء لا يستهان به من المصلحة العليا لإيران ويفيدها فى مواجهة الطوق الأمريكى المحيط بها.
- تسعى إيران لتقوية دور القوى الشيعية فى العراق لاحتواء أية تهديدات مستقبلية لإيران من جانب العراق، كما سعت لتكريس مبدأ الفيدرالية فى العراق ارتباطاً بمصالحها التى تعتمد على وجود دولة (غير موحدة بالكامل فى العراق).
- تدعم إيران أصحاب المشروع السياسى العراقى المناهض للدور الأمريكى في بغداد، وبصفة عامة ترى إيران العراق بمثابة العمق الاستراتيجى للمقاومة بمفهومها الشامل، وذلك على الرغم من وجود أطراف عراقية تتوافق مع استمرارية الدور العسكرى السياسي الأمريكي داخل العراق، وهو ما يتتناقض مع رغبة إيران فى خروج القوات الأمريكية من المنطقة بأكملها.
وفيما يخص الدلالات السياسية لزيارة بزشكيان إلى بغداد وارتباطها بالظروف الإقليمية والدولية، يمكن القول إن إيران ترى ضرورة توطيد العلاقات مع العراق في صورة “رسالة من إيران للولايات المتحدة الأمريكية والغرب”، بالإضافة إلى كون العراق يندرج ضمن اهتمام إيران بالدائرة الإقليمية المحيطة بها بالتوافق مع سياسة المرشد الأعلى على خامنئي، حيث تهتم السياسة الإيرانية الحالية بالموائمة بين السير على خطى الرئيس الراحل إبراهيم رئيسى من حيث الاهتمام بتحسين العلاقات مع دول الجوار، والاتجاه البرجماتى تجاه الدائرة الدولية بالسير على خطى رؤساء إيران السابقين روحاني وخاتمي، واتصالاً بالملف الفلسطينى نجد أن الزيارة الإيرانية تمت فى ظل ما تردد عن دعم بعض الفصائل العراقية المسلحة القريبة من إيران للفصائل الفلسطينية.
شيعة العراق
وفى سياق الاهتمام بملف الشيعة في العراق وعلاقتها مع إيران، أشارت بعض التحليلات إلى التناقض فى حديث الرئيس الإيرانى عن “عراق قوي مستقل” من جهة، ومن جهة أخرى الإشارة إلى “فكرة الشعب الشيعى الواحد”، وهو تعبير مجازى كما هو واضح عن التداخل فى العلاقات والترابط فى المصالح بين الدولتين استنادًا إلى المكون الطائفي”.
وعلى المستوى الأمنى، تناولت الزيارة الملف الكردى واللقاء مع المسئولين في إقليم كردستان، اتصالاً بالدور الكردى فى تهديد الأمن الإيراني، ووجود مشكلات تتعلق باتهام إيران لمجموعات كردية بتهريب أسلحة إلى أراضيها انطلاقًا من العراق.
واتصالًا بهذا الملف بالتحديد طمأن المسئولين بالعراق الجانب الإيرانى بشأن عدم استخدام أراضى إقليم كردستان العراق ضد إيران، فى ضوء سابقة الاتهامات الموجهة للإقليم بإيواء جماعات كردية إيرانية معارضة.
وبالتالى يبرز دور العنصر الأمنى فى العلاقات الثنائية وتفعيل الاتفاق الأمنى المشترك لعام 2023 بخصوص ضبط الحدود ونزع سلاح الجماعات المعارضة الكردية، وإبعادها عن الحدود المشتركة بين إيران وإقليم كردستان العراق خاصة فى ظل ما تردد عن علاقة الموساد بتلك الجماعات.
العلاقات الاقتصادية بين طهران وبغداد
ولم يغب الجانب الاقتصادي عن محددات الزيارة، إذ تم توقيع مذكرات تفاهم فى مختلف مجالات التعاون والتى تشمل التعاون الضريبي، الزراعة، الموارد الطبيعية، الاتصالات، السياحة، التبادل الثقافي، تدريب القوات المتخصصة، التعاون بين الغرف التجارية، خاصة وأن العراق يعد أكبر وجهة للصادرات الإيرانية على الإطلاق، وبوجه عام تنظر إيران إلى الأهمية الاقتصادية والسياحية للعراق رغم التحديات الاقتصادية التي تعانى طهران منها بسبب العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، والقيود على التحويلات المصرفية بين طهران وبغداد.
وأشارت إحدى الصحف الإيرانية إلى أهمية الجانب الاقتصادى فى الزيارة، والذي يساعد على توفير السيولة النقدية لإيران، وإبرام العقود التى تساهم في الحل النسبى للأزمات الاقتصادية والمالية التي يعانى منها الاقتصاد الإيراني.
ويلعب الموقع الجغرافي للعراق الجغرافى دورًا مهمًا فى تعزيز أهمية العلاقات الثنائية في مجال النقل وخطوط الربط اللوجستي، وكذلك أهمية خط سكة حديد (البصرة – الشلامجة) لنقل المسافرين، والذى ترغب إيران فى ربطه بالموانئ السورية.
بالتالى يمكن القول أن زيارة الرئيس الإيرانى للعراق تؤكد على مجموعة من الركائز والمبادئ في مسار العلاقات الثنائية فيما بينهما، وهي:
- استمرارية الدور الإيرانى داخل العراق كمكون رئيسى فى السياسة الخارجية الإيرانية، فالعراق وهو الجار الغربى لإيران لدية أطول حدود مائية وبرية معها بالقياس للدول الأخرى.
- صعوبة إغفال دور المكون الخارجى الحاكم لمسار العلاقات الثنائية والمتمثل فى الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة المصالح الاستراتيجية لدى الطرفين، وبالتالى فهي عنصر ثابت حاكم للسياسة وصنع القرار لدى الدولتين، وبالتالى فالبعد الدولي يتشابك لدى إيران مع البعد الأمني المتصل بتوطيد الصلة بدول الجوار وعلى رأسها العراق.
- سبق أن أشار عضو مجلس النواب العراقى السابق مثال الآلوسي إلى أن زيارة الرئيس الإيرانى الأولى للعراق تتضمن إرسال رسائل من النظام الجديد للولايات المتحدة ودول الخليج، مفادها أن العراق تابع لطهران ويعد بمثابة الحديقة الخلفية والأمامية لها، وعلى الجميع أن يقبل هذا الوضع.
- اهتمام إيران بالإمكانيات المستقبلية التي يمكن تفعيلها في التعاون مع العراق في ضمان الأمن الإقليمى ودعم فرص التنمية السياسية والاقتصادية، علاوة على الشق السياسى المتعلق بالموقف المشترك من الملفات السياسية وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
خاتمة
يمكن القول إن زيارة زيارة الرئيس الإيرانى بزشكيان للعراق تمثل خطوة ترسخ ثوابت قديمة في السياسة الخارجية الإيرانية، وتمهد لخطوات مستقبلية قادمة تدعم من آفاق التعاون بين البلدين، علاوة على كون العراق يعد ورقة محورية فى ملف العلاقات الإيرانية الأمريكية.
وبالتالى فالتطورات التي تشهدها العلاقات الثنائية بين إيران والعراق لا تنعكس فقط على الصعيد الإقليمي، ولكن لها آثارها الدولية وردود أفعال يتداخل فيها ما هو إقليمى مع ما هو دولي.