لقد بدأ العد التنازلي لانهيار النظام الإيراني منذ سنة إلا أن الجناحين الرئيسين داخل السلطة قد اتفقا على نبذ خلافاتهما تخوفا من سقوط نظام قد مكنهم من السيطرة على مفاصل الحياة السياسية وثروات هذا البلد.
ذلك وأن التنبؤ أو التوقع للسقوط الحتمي لهذا النظام المتردي اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا أدى إلى إنهاكه وانشقاقات داخل صفوف أنصار النظام وتهريب رؤوس أموال ضخمة إلى الخارج من قبل المنتفعين بحيث أنه لا يمر شهر إلا ونسمع أخبار فضيحة مالية أو اختلاس أموال خيالية، وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على هشاشة الأوضاع السياسية وعدم الاطمئنان إلى مستقبل النظام.
لكن لماذا لا يسقط هذا النظام؟
هناك عدة عوامل في هذا الموضوع منها العوامل الداخلية المتمثلة بغياب رؤية واضحة حول البديل وتشتت المعارضات الإيرانية التي لا تختلف عن النظام جذريا في إقصاء الآخر وما شابه من العراقيل التي حالت من دون نجاح المعارضة السورية أو اليمنية مثلا في مرحلة ما بعد انطلاق ثورات العالم العربي التي خلفت الدمار والخراب وعدم الاستقرار عوضا عن ترسيخ مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وتحقيق السلم الأهلي والرفاهية والتقدم الاقتصادي.
من جهة أخرى هذا مؤشر مهم على تشابه العقلية والتحديات التي يواجهها سكان الشرق الأوسط وبالأحرى تثبت لنا ضرورة التضامن والتعاون لإيجاد حلول تضمن مصالحنا المشتركة بناء على قواسمنا المشتركة وهمومنا المماثلة.
من هذا المنطلق نحن في “التيار الثالث” نعتقد في أهمية تشكيل جبهة معارضة ديمقراطية تمثل تطلعات الجيل الجديد من الشباب الذي ولد معظمهم بعد تولي النظام الحالي السلطة في إيران عام ١٩٧٩ بعيدا عن المعارضة التقليدية التي تنتمي إلى الجيل الثوري الذي تم إقصاؤه إثر انتصار الثورة فأجبر على الهروب من البلد.
كما أن العقلية المسيطرة على السواد الأعظم من قوى المعارضة الإيرانية لا تتوافق مع الواقع الاجتماعي والسياسي الإيراني المتغير ومن ثم لا تعترف بقبول المعطيات المتجددة على الخارطة السياسية للبلد.
فإيران بلد متعدد القوميات والمذاهب والأديان حيث إن أكثر من نصف سكان البلد يتشكل من القوميات غير الفارسية التي ذاقت الويلات جراء السياسات التعسفية التي ترجع أصولها إلى صياغة مفهوم القومية الإيرانية على أساسين رئيسين هما مذهب التشيع واللغة الفارسية منذ تأسيس الدولة الإيرانية الحديثة.
أي من هذين الأساسين تخرج شريحة كبيرة من المواطنين الإيرانيين فيحرموا من حقوقهم الثقافية والمذهبية والسياسية الأمر الذي يحتم ضرورة إعادة صياغة مفهوم المواطنة بحيث يستوعب هوية القوميات هذه وخصوصياتها وبالتالي تمثيلها في إطار برامج قوى المعارضة الفعالة للنظام الإيراني وهذا غير موجود حاليا لدى معظم هذه الأطراف.
من ناحية أخرى يشكل الشبان تحت سن ٣٠ عاما أكثر من ستين بالمئة من إجمالي سكان البلد وعدد كبير منهم من ذوي الشهادات الجامعية بيد أنهم يعانون من البطالة بسبب السياسات الفاشلة لحكام طهران الفاسد الذين هدروا ثروات البلد في شراء الذمم والولاءات وفي مغامراتهم الإقليمية الخطيرة التي تعبث بأمن المنطقة والعالم.
كما أن الفساد وسوء الإدارة في مصادر المياه والزراعة قد تعرض المناطق المركزية بالبلد للتصحر والإبادة واستحالة العيش فيها وتفريغها من السكان ومن ثم التهجير الجماعي مما سيؤدي إلى مشاكل عديدة وصراعات اجتماعية ناهيك عن الكارثة البيئية.
يكفي في هذا المضمار الإشارة إلى تقييم أخصائيي البيئة في إيران على أن قرابة أربعين مليون مواطن في هذه المناطق سيضطرون إلى إخلاء بيوتهم بحثا عن موارد المياه.
وعندما يأتي الأمر إلى سياسات إيران الخارجية لا يخفى على أحد مدى خطورتها وما خلفتها من فوضى ودمار و زعزعة لاستقرار الشرق الأوسط في كل من اليمن والعراق ولبنان وسوريا.
إن هذا المشروع التدميري لا ينبغي أن يكون مثيرا للدهشة إطلاقا إذ إنه عبارة عن استنساخ للنسخة الأصلية التي طبقتها إيران ولا تزال على أراضيها من خلق المؤسسات الموازية لمؤسسات الدولة وتشكيل الميليشيات (الحرس الثوري والباسيج) وخلق الفتن بين أبناء المذاهب والقوميات بغية السيطرة عليهم والفساد والقمع وهدر الأموال.
في إيران الفاقدة للشيء لا تستطيع أن تعطيه وهذا الإناء المشروخ الفارغ بما فيه ينضح! أضف إلى ذلك اللعب على وتر الطائفية وركب مطية التشيع لبسط النفوذ في المنطقة وتشكيل إمبراطورية شيعية على حساب أمن الشرق الأوسط وخاصة دول الجوار وعرقلة التنمية والسلم الأهلي بالعالمين الإسلامي والعربي.
بناء على الإشكاليات المطروحة آنفا، نحن بالتيار الثالث نعتقد بأن الحل الأمثل لمستقبل إيران هو تغيير النظام الحالي إلى جمهورية فيدرالية – أو صيغة لا مركزية مماثلة تتفق عليها مكونات الشعب الإيراني ـ تعطي الأولوية للبناء والتنمية واحترام حقوق الجميع ومعالجة المشاكل العويصة التي يعانيها البلد جراء سوء الإدارة وغياب الرؤية العلمية للقضايا وليست أيديولوجية.
مثل هذا الكيان السياسي سيضمن أمن المنطقة وخاصة لدى الدول العربية كما سيضمن التعايش السلمي وحسن الجيرة والتكامل الاقتصادي والتنمية الإقليمية التي نحن بأمس حاجة إليها من دون غيرنا.
ففدرلة الدولة وتوزيع الثروة والسلطة بين العرب والكرد والترك والبلوش والفرس في إيران سوف تمنع فكرة إحياء الإمبراطوريات البالية ونشوب حروب دامية تارة باسم مجد ضائع على أساس تفضيل عرق خاص على آخر أو باسم الأحلام الطائفية المقيتة تارة أخرى.
تحقيق ذلك كله يتطلب تعاونا وثيقا مع أصحاب المشاريع المضادة في المنطقة والجهات التي تضررت من المشروع الإيراني الحالي في منطقتنا الغنية بالثروات والثقافات والتاريخ والإمكانات وفي رأس هذه القوى المملكة العربية السعودية وحلفائها الذين لديهم رؤية مستقبلية للإصلاح والبناء وتنمية القدرات البشرية والاقتصادية المتبلورة في “رؤية ٢٠٣٠” وهو المشروع الذي – في حال نجاحه – سيقدم للمنطقة نموذجا مهما للحداثة والتحديث والصناعة معتمدا على مخزون الثروة الشبابية الهائلة للمملكة، كما أنه يأخذ الظروف الواقعية والخصوصية الثقافية والاجتماعية للمنطقة بعين الاعتبار ويثبت للعالم أن أبناء الشرق الأوسط بمقدورهم أن يسلكوا مسلكهم الخاص نحو التقدم والنمو والازدهار كما فعل اليابانيون والصينيون والكوريون.
فنحن بالتيار الثالث نتبنى نفس الرؤية التي ترى أن مصير مستقبل الشرق الأوسط يجب أن يقرر على أيدي جيل شاب من القادة يسعى جاهدا لتحقيق التنمية والرفاهية والحياة الكريمة بالتعاون والتضامن مع كل سكان المنطقة وخاصة بين الإيرانيين العرب.
هذا الجيل قد برز بالمملكة ويشكل حافزا كبيرا لشباب مثله يعتقدون جزما بالتعاون الاستراتيجي مع العرب في منطقة تجمعهم فيها المعطيات التاريخية والحقائق الجغرافية ووحدة المصير المشترك.
الجار ثم الدار.
_________
سعيد ريزوندي