تكتسب العلاقات الإيرانية – التركية أهمية خاصة في إطاريها السياسي والاستراتيجي لدى دوائر المختصين والباحثين وصنّاع القرار في المنطقة العربية، بسبب أن كلاً من إيران وتركيا يكوّنان بالاشتراك مع مجموعة الدول العربية ما يسمى بمنطقة (الشرق الأوسط)، والأكثر من ذلك أنّ البلدين يشكلان حزاماً لمنطقة الشرق الأوسط، حيث تحتل إيران جغرافيا مساحة شاسعة من الجوار العربي، كما أن لتركيا الواقع الجغرافي نفسه، فضلا عن أن البلدين يتداخلان بوشائج تاريخية وإثنية ودينية كثيرة مع دول الجوار العربي. وقد ارتكزت العلاقات التركية -الإيرانية إلى أساس براجماتي صلب تجلّى في حسن الجوار القائم على تحييد الخلافات المذهبية واحتواء التوترات المتجددة فضلاً عن توازن المصالح المستند إلى توازن القوى بين الطرفين، اللذين تجمعهما علاقات تجارية واقتصادية متنامية، علاوة على التنسيق في المسائل الأمنية، ومواجهة حركات التمرد المسلّح في كل من البلدين.
وثمة محورين أساسين يستحقان الدراسة للوقوف على الفهم الحقيقي لطبيعة العلاقات الإيرانية التركية:
المحور الأول:
المبادئ والأسس الحاكمة للعلاقات بين البلدين
اتّسمت العلاقات الإيرانية التركية تاريخياً بالصراع والتنافس على منطقة المشرق العربي والخليج وآسيا الوسطى، وفي الوقت الحالي فإن هذا الإرث من الصراع بدأ ينبعث من جديد بينهما في ساحات سوريا والعراق واليمن ولبنان على أسس يتداخل فيها الطائفي الديني بالمصالح الاقتصادية والنفوذ الإقليمي بالدور السياسي، مما يعزّز من استحضار الرموز التاريخية على الجغرافية السياسية.
وعلى الرغم من المصالح الكبيرة بين البلدين وحرصهما على الحفاظ عليها لأسباب اقتصادية وأمنية بالدرجة الأولى فإن الصراع بينهما سرعان ما يطفو إلى السطح في الأحداث الإقليمية العاصفة، فمنذ بدء الثورات العربية في تونس ومصر وانتقالها إلى اليمن وسوريا تعمّقت الانقسامات التركية الإيرانية أكثر فأكثر، ولا سيما في ساحات سوريا والعراق حيث الصدام العميق بين البنى الاجتماعية التي تتداخل مع بعضها وتتصادم في حروب متداخلة محليا وإقليميا.
فالمواقف الايرانية والتركية إزاء ما يجري في سوريا والعراق واليمن مختلفة إختلافاً بيناً، فلكل طرف أسبابه ودوافعه واستراتيجيته المختلفة، فطهران أعلنت دعمها الكامل للنظام السوري، وهذا طبيعي ومفهوم في ظل التحالف القائم بينهما منذ نحو أكثر من ثلاثة عقود، وانطلاقا من هذه الرؤية تحركت إيران على كل المستويات لدعم النظام السوري في حربه ضد معارضيه في الداخل والخارج.
أما أنقرة فقد تحرّكت على العكس تماما في كل الاتجاهات لإسقاط النظام السوري، والخلفيات نفسها تنطبق على ما جرى ويجري في العراق، واليوم في اليمن وإن اختلفت الظروف في كل ساحة.
المصالح الاقتصادية المشتركة وأمن الطاقة
نجحت كل من إيران وتركيا في تأسيس شراكة قوية استطاعا من خلالها رفع حجم التبادل التجاري بينهما إلى أكثر من 10 مليار دولار مع طموح بزيادتها إلى 30 مليار. وفي الواقع، فإن هذه الشراكة تكتسب أهمية خاصة لدى الطرفين، فإيران بالنسبة لتركيا “خصم لا يمكن معاداته”، لأن ذلك فيه تهديد لمصالح تركيا الساعية إلى لعب دور محوري في معظم الملفات المحورية في منطقة الشرق الأوسط، من خلال انتهاج سياسة “تصفير الأزمات”، و”التحالفات المفتوحة” القائمة على بناء قنوات تواصل مع كل القوى الموجودة في المنطقة بدءاً من إسرائيل مروراً بسورية ومصر والسعودية وانتهاءً بإيران وكل من “حزب الله” اللبناني وحركة “حماس” الفلسطينية.
تُدرك أنقرة أنها في حال قطع روابطها مع طهران يعني ذلك توقف شريان الطاقة عنها وتعطل الميزان التجاري بين البلدين الذي يصل إلى مليارات الدولارات، ووفقاً للمعهد الإحصائي التركي، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 9.7 مليارات دولار خلال عام 2015.
في الوقت الذي زاد فيه ميزان التبادل التجاري بين البلدين في شهر أكتوبر من عام 2016، فإن الميزان التجاري كان لصالح تركيا أيضاً، إذ ارتفعت قيمة الصادرات التركية إلى إيران خلال شهر كانون الأول لعام 2016 (57،2%) مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي وبلغت 500 مليون و830 ألف دولار، بينما بلغت في ذات الشهر من العام الماضي 318 مليوناً و511 ألف دولار. وفي المقابل، فإن استيرادات تركيا من ايران انخفضت ذات الشهر (14،3%)، وفي الوقت الذي كانت فيه 428 مليوناً و122 ألف دولار في عام 2015، فإنها وصلت في الشهر نفسه من عام 2016 إلى 366 مليوناً و810 آلاف دولار[1].
كذلك تبدو تركيا بالنسبة لإيران “خصماً لا يمكن معاداته” لأنها أولاً عضو في حلف الناتو وحليف مهم لإسرائيل والغرب، بما يعني أنّ “احتواءها” هو أفضل وسيلة للتفاعل معها، لأنّ غير ذلك يعني الدخول في صراعات غير متوازنة معها، ولأنها ثانياً تعتبر ظهيراً إقليمياً مهماً استطاعت إيران من خلاله، في بعض الفترات، تقليص حدة الضغوط الدولية والإقليمية المفروضة عليها بسبب طموحاتها النووية والإقليمية.
تبدأ تركيا وإيران خلال أيام استخدام العملات المحلية في المعاملات التجارية فيما بينهما. وقال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم في مؤتمر صحافي مع النائب الأول للرئيس الإيراني إسحاق جيهانغيري، عقب مباحثاتهما في أنقرة أكتوبر الماضي، إن تركيا وإيران متوافقتان بشكل نهائي على استخدام الليرة التركية والريال الإيراني في التبادل التجاري بين البلدين.
وقد أكد يلدريم أن هذه الخطوة سوف تعطي دفعة قوية للتبادل التجاري بين البلدين وتسهل التجارة وعمليات النقل التجاري، بالإضافة إلى السياحة والكثير من المجالات الاقتصادية الأخرى. فيما قال جيهانغيري إن المباحثات التي جرت بين الجانبين كانت بناءة وسوف تساهم في تعزيز العلاقات بين البلدين.
بدوره، تعهد وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي بدعم المشاريع التي يتعاون على تنفيذها، رجال الأعمال الأتراك والإيرانيين. وقال في كلمة خلال لقاء مع رجال أعمال أتراك وإيرانيين، بحضور وزير الصناعة والمعادن والتجارة الإيراني محمد شريعات مداري، إن الاجتماع انعقد من أجل تقييم فرص العمل المتاحة في كلا البلدين.
وطلب زيبكجي من رجال الأعمال تقييم الفرص المتاحة لدى الجانبين وابتكار مشاريع جديدة، متعهداً باسم الحكومة التركية في هذا الصدد، بدعم تلك المشاريع. بينما أعرب الوزير الإيراني، عن امتنانه من ازدياد حجم التبادل التجاري بين أنقرة وطهران خلال الفترة الأخيرة[2].
وقد بدأت إيران وتركيا إجراءات التبادل المصرفي بالعملتين المحليتين، حسب ما أكده محمد ابراهيم طاهريان فرد، سفير إيران في تركيا، فقد أكد السفير في لقاء جمعه بطاقم بنك “ملت” الإيراني في اسطنبول، حسب ما نقلته عنه وكالة فارس، إن الاتفاق سيشمل كذلك التبادل بالعملات الأخرى، وإن التعاون المصرفي يعدّ “محرك الأنشطة التجارية والاقتصادية، لتحقيق رؤية حجم التبادل بـ 30 مليار دولار المُستهدف من قبل رئيسي البلدين”.
وتابع السفير أن إيران قرّرت بعد إلغاء الحظر عليها “اتخاذ خطوات مؤثرة وجيدة باتجاه التبادل المصرفي ومعالجة القضايا الفنية بين البنوك الإيرانية وسائر البنوك الأجنبي”، مؤكدا على “أهمية ترقية العلاقات وتسهيل التعاون المصرفي مع البنوك التركية ونظيرتها التركية”.
مما سبق يتضح أن إيران وتركيا قد حافظتا على علاقات اقتصادية قوية، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين 14 مليار دولار عام 2014، وقد زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طهران عام 2015 وتعهد برفع التبادل التجاري إلى 30 مليار في ظرف سنتين، كما تعدّ تركيا أحد أهم عملاء إيران فيما يتعلّق بالغاز الطبيعي والنفط الخام[3].
الوجود السياسي في المنطقة
الدور الايراني:
استطاعت إيران خلال السنوات الماضية أن تكون لاعباً استراتيجياً في المنطقة، بشأن كل من العراق وسوريا، إذ حظيت إيران بشراكة مع روسيا في حربها في سوريا، وبعلاقة جيدة نسبياً مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما، حيث حصلت بعد ذلك محاولة لإعادة التوازن في علاقات البلدين الخارجية بعد التفاهم الروسي التركي، وتغيُّر الموقف الأمريكي من إيران وتركيا لحساب الأخيرة. وترى إيران أن أي مرونة تجاه الدولة الجارة تركيا ستقلل من إنجازاتها التي حققتها خلال الفترة الماضية في العراق وسوريا، وينعكس سلباً تجاه حلفائها في هذه المناطق.
تعتبر إيران مصدر تهديد وعدوان على منطقة الخليج العربي ومازالت، فجميع الأنظمة السياسية التي تعاقبت على إيران كان يراودها حلم السيطرة على منطقة ودول الخليج العربي، وتتسم السياسة الخارجية الإيرانية بطبيعة معقدة ومتشابكة حيث يظهر الغموض والابهام في جوانب كثيرة منها، حيث يتداخل فيها الديني بالقومي والثورية بالبرجماتية. كما أنها تتميز عن غيرها باختلاف المحددات والأبعاد والأهداف والتطورات وتوزيع الأدوار والمراوغة وقد انعكست هذه الصفات على طبيعة السياسة الإيرانية تجاه المنطقة العربية.
تقوم السياسة الخارجية الإيرانية على عدد من الأسس التي تتحرك خلالها تلك السياسة حيث يمثل مبدأ المصلحة القومية الإيرانية أهم محرك لسياستها الخارجية حيث تستمر إيران الموقع الاستراتيجي والاقتصادي كأدوات في الحفاظ على مصالحها، ثم يليه مبدأ تعزيز قوة إيران وتأثيرها الإقليمي وذلك من خلال سعيها على الهيمنة والسيطرة على الشرق الأوسط وفرض زعامتها على المنطقة العربية وكذلك أيضا السيطرة والتأثير في المعابر المائية فضلا عن قيادة الشيعة في العالم. وامتدادً لهذه السياسة التوسعية، واستمرارًا للنهج التدخلي والتوسعي الإيراني، من خلال وسيلتين أساسيتين لتحقيق أهدافه في دول الخليج العربية، وهي:
أولاً: تأسيس المليشيات العقائدية المسلحة المرتبطة بإيران. وهذه المليشيات تتمتع بالدعم الرسمي الإيراني الكامل عبر رعاية الحرس الثوري الإيراني، وبالتحديد عبر الخدمات والتسهيلات التي يقدمها “فيلق القدس” للجهاد الخارجي، وهو ذراع الحرس الثوري الإيراني في العمل خارج الحدود الجغرافية للدولة، وهذا الجهاز يقدم الدعم المالي، واللوجستي، والإعلامي، وتوفير السلاح والتدريب والإسناد الميداني، للميليشيات المسلحة التابعة لإيران، والتي تم إنشاؤها بقرار إيراني على أعلى مستويات القيادة السياسية. ومهمة هذه المليشيات العمل على تحقيق الهدف النهائي وهو فرض السيطرة الإيرانية “غير المباشرة” على هذه الدول المستهدفة . وتأسيس حكومات في ظاهرها “مستقلة” وفي حقيقتها تابعة للقرار الإيراني وتعمل بحماية هذه الميليشيات المحلية المدعومة من الحرس الثوري. وهذا ما حدث في لبنان، والعراق، واليمن، وإلى حد ما في سوريا.
ثانيًا: هو أسلوب استخدام ورقة الولاء الطائفي، لتجنيد عناصر من الأقليات الشيعية من أجل العمل كمجموعات إرهابية تستهدف أمن واستقرار الدولة، وهنا يبرز أسلوب العمل الإيراني في المملكة العربية السعودية، مملكة البحرين، ودولة الكويت[4].
الدور التركي
إن الدور التركى بأبعاده المتعددة أثار الجدل حول طبيعة وحقيقة الدوافع المحركة له بين اتجاهات تبرز الطابع البراجماتى للسياسة التركية وتركيزها على تحقيق المصالح الوطنية وفقا لحسابات قصيرة الأمد وأخرى ترى تحول السياسة الخارجية التركية نحو الشرق الأوسط فى إطار استعادة تركيا ذاتها الحضارية الإسلامية تحت قيادة حزب ذى مرجعية إسلامية ورؤية أخرى ترى استمرارية التوجه الغربى فى السياسة التركية والتوافق بين سياستها فى المنطقة مع ارتباط نشاطها بمساعيها لزيادة أهميتها الإستراتيجية لتعزيز فرص انضمامها للاتحاد الأوربى.
وقد استثمرت السياسة الخارجية التركية حالة الفراغ العربي التي تجلت بالاحتلال الأمريكي للعراق في عام 2003، وتراجع لدور مصر في المنطقة وعدم توحيد الدول العربية مع بعضها وتقديمها لمشروع جديد يُضاهي المشروع التركي في المنطقة بعد أن أعادته إلى الواجهة توجهات حزب العدالة والتنمية من خلال إعادة اكتشاف المنطقة من جديد ومحاولة انتهاج سياسة خارجية فعالة تتجه شرقاً مع عدم الابتعاد عن الطموح الأوروبي، وتوازي التحركات الإيرانية التي استفادت من الأحداث التي حصلت في المنطقة وما نجم عنها بإعادة تشكيل جديد لها مما يعزز من النفوذ الإيراني في دول العراق وسوريا واليمن وغيرها من الدول.
وتسعى تركيا لتطوير علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، وقد برز ذلك في الاجتماع الوزاري المشترك للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي والجمهورية التركية بعد انقطاع دام أربع سنوات، حيث عاد في دورته الخامسة للانعقاد في مقر الأمانة العامة بالرياض، وبحث خلاله وزراء الخارجية (وبمشاركة وزير الاقتصاد التركي) مستجدات الأحداث في المنطقة ذات الطبيعة المتأزمة، وأهم القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك وخاصة الوضع في سوريا والعراق، حيث أعرب الوزراء عن ارتياحهم للجولة الخامسة من الحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون وتركيا. وبهذه المناسبة قاموا بإجراء حوار هادف ومستمر حول مختلف القضايا، سعيا لإحراز تقدم في الأولويات المشتركة.
شهدت العلاقات الخليجية ـ التركية نقلة نوعية بين الجانبين، خلال عام 2016، تمثلت في عقد 12 قمة تركية خليجية جمعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بقادة دول الخليج، تضمنت 6 قمم مع قادة السعودية، و4 مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وقمة مع ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، ولقاء مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر[5].
وشهد مقر الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي في الرياض، في 13 أكتوبر 2016، انعقاد الاجتماع الوزاري الخليجي – التركي المشترك الخامس بمشاركة وزراء خارجية دول مجلس التعاون ووزير الخارجية التركي جاويش أوغلو وبرئاسة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، حيث تم خلاله بحث سُبل تعزيز التعاون المشترك في المجالات المختلفة بين دول مجلس التعاون الخليجي وتركيا وتطورات الأوضاع الأمنية والسياسية بمنطقة الشرق الأوسط وجهود مكافحة الإرهاب. وقد عُقد هذا الاجتماع بعد توقف دام أربع سنوات، حيث كان آخر هذه الاجتماعات في يناير 2012.
الرؤية التركية للاتفاق النووي
جاءت تصريحات الرئيس التركي أردوغان برفض السلوك الإيراني تعبر عن مرارة أليمة من طريقة التفكير الطائفي الذي تحاول إيران من خلاله الهيمنة على المنطقة، مما رفع وتيرة العلاقات بين تركيا وإيران، ولولا وجود الزيارة المقررة سابقاً للرئيس التركي إلى طهران في 7/4/2015 وما تم فيها من تهدئة الانتقادات المتبادلة لكان حال التوتر الآن أكبر وأشد، ومع ذلك فإن الحكومة التركية وفي خضم هذه النزاعات المؤلمة نظرت إلى الاتفاق الإيراني مع الدول خمسة زائد واحد الذي وقع في لوزان بتاريخ 2/4/2015 أنه لا يتعارض والسياسة التركية التي تدعو إلى أخذ إيران وكافة الدول في المنطقة بما فيها تركيا حقوقها في التخصيب النووي للأغراض المدنية والسلمية، فقد أصدرت وزارة الخارجية التركية بيـــاناً بتاريخ 3/4/2015 قالت فيه: «نحن سعداء أن نرى توافقاً على إطار عام لاتفاق نهائي» وأمل وزير الخارجية التركي: «أن تتوصل الأطراف إلى الاتفاق النهائي».
هذا الموقف التركي المرحب بالاتفاق هو موقف ينسجم مع العلاقات التركية والإيرانية وبالأخص ان تركيا كانت قد قامت بدور وسيط في الملف النووي الإيراني عام 2010، إضافة إلى ان تركيا ترى ان الاتفاق النووي الإيراني السلمي سينهي مرحلة الحصار والعقوبات على إيران، مما سوف يفتح مرحلة جديدة وواسعة من التعاون الاقتصادي بين البلدين، فتركيا كانت من أكثر الدول التي تساعد إيران في مرحلة الحصار والعقوبات الاقتصادية الدولية لتجاوز مشاكلها الداخلية، وتأمين لوازمها الاقتصادية الضرورية، وهذا وفر تبادلا تجاريا بين البلدين يقدر بنحو أربعة عشر (14) ملياراً، وفي حالة رفع العقوبات عن إيران يمكن أن تصل إلى ما يزيد عن ثلاثين (30) مليار دولار أمريكي، ولذلك أخذت الأبعاد الاقتصادية مكانة كبيرة في الزيارة الأخيرة للرئيس التركي أردوغان إلى طهران قبل أيام، فالتطلعات الاقتصادية التركية بعد توقيع الاتفاق النووي كبيرة جداً، وبالأخص أن التوجهات بين البلدين تذهب إلى استخدام عملاتهما المحلية، وهذا يرفع من قيمة الليرة التركية في التعامل الاقتصادي الدولي.
هكذا فإن كل التوترات في العلاقات الإيرانية التركية وتزامنها مع توقيع إيران للإطار المبدئي للاتفاق النووي مع الغرب، فإن الموقف التركي لم يضعها في إطار العداء، ولا في إطار المخاوف التركية من توقيع الاتفاق حتى لو تم توقيعه في نهاية حزيران/يونيو المقبل بنصه المبدئي المعلن، لأن توقيع الاتفاق في صورته النهائية المتوقعة في نهاية شهر حزيران/يونيو أمر غير موثوق أولاً، لأن نقاط الاختلاف الأساسية متضمنة في بنود الاتفاق نفسه، فضلاً عن أن السياسة الأمريكية تلاعب إيران على طريقة القط والفأر، فطالما علق بين يديها، فإنها تفضل ملاعبته كثيراً حتى الإرهاق والاستسلام، ثم تلتهم منه لحمه وتلقي بجلده على قارعة الطريق.
هذا الرأي عبر عنه وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو بعد ترحيبه بتوقيع الاتفاق في إطاره الأولي، وبعد أمله أن يتم توقيعه النهائي، إلا انه قال بعد ذلك:» عندما ننظر إلى المواقف الحالية لإيران ومجموعة 5+1، نرى أن طهران ليست بعد على المسار الذي اقترحناه في عام 2010 (بتخصيب اليورانيوم خارج إيران)؛ لكن نأمل مع الوقت أن تتبعه إيران مع نهاية حزيران/يونيو المقبل».
يفسر هذا الموقف بأن هناك معارضة تركية على تخصيب اليورانيوم داخل إيران، وقد يفسر على انه استفسار إن كان ذلك من الاتفاق النهائي أم في إطاره فقط، ولكن لا يعبر عن مخاوف تركية من إيران النووية، لأن اطار الاتفاق قد وضع المشروع النووي الإيراني تحت المراقبة الدولية الدقيقة، وفي الوقت نفسه لو تم السماح لإيران بالتخصيب داخل حدودها لأغراض مدنية وسلمية، فإن ذلك سوف ينسحب على كافة دول المنطقة، وهو ما تقوم به تركيا الآن ومنذ سنوات، فحكومة العدالة والتنمية تسعى إلى زيادة قوتها الصناعية النووية لتوليد الكهرباء والطاقة، وتقوم الآن ببناء مفاعل نووي سلمي في جنوب تركيا (آكوي) واتفقت مع روسيا على بناء مفاعلين نوويين في الأعوام المقبلة في جنوب شرق تركيا.
المحور الثاني:
تأثير الأزمة السورية في العلاقات الثنائية
تلتقي المصالح الإيرانية والتركية في العديد من الأمور كجغرافية الحدود المشتركة، والاقتصاد والطاقة، وملف الأكراد، وتطلعات البلدين الخارجية في المنطقة.
فقد شهدت السياسة التركية فى منطقة الشرق الأوسط لحظات تردد وارتباك شديدة حيال المنطقة, ولا شك أن موجة التغيرات والتحولات العربية المتسارعة فأجئت القادة الأتراك الذين كانوا يفضلون انتقالاً هادئاً فى البلدان العربية وبشكل لا يؤثر فى الدور الإقليمى التركى الذى عرف تنامياً متواتراً فى السنوات القليلة الماضية فى المنطقة العربية[6].
وتستند الإستراتيجية التركية لدورها الإقليمى إلى نظرية ” العمق الإستراتيجى” التى تعتبر أن موقع تركيا وتاريخها يجعلانها مستعدة إلى التحرك الإيجابى فى كافة الاتجاهات وخصوصاً جوارها الجغرافى للحفاظ على أمنها وتحقيق مصالحها، لذلك توجب عليهم إنهاء القطيعة التركية لمنطقة الشرق الأوسط وقضاياها التى استمرت عقوداً طويلة؛ وكانت تعيش تركيا خلالها حالة من الانطواء والعزلة داخل “هضبة الأناضول” وتتصرف كدولة هامشية أو طرفية فى منظومة المعسكر الغربى وحلف شمال الأطلسى (الناتو)[7].
وفيما يخص الملف السوري، فتركيا وعلى الرغم من المصالح المباشرة مع نظام بشار الأسد وتطابق الرؤى والأهداف بينهما، إلا أن تركيا اتجهت نحو الدول الخليجية ولا سيما مع قطر والسعودية لإسقاط النظام السوري وتمكين الإخوان المسلمين من الحكم والمدعومة من قبلهم[8] ، فكان سبباً مباشراً في تعميق الخلاف التركي الإيراني حول سوريا، وهذا ما حصل بينهما في سبيل تعزيز المكانة الإقليمية لكل منهما في المنطقة، إذ تريد إيران إبقاء نظام بشار الأسد في الحكم، وأعلنت الدعم الكامل للنظام السوري وخاصة أنهم على علاقات متميزة منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن، فالتحالف بين إيران وعائلة الأسد الذي أسسه الأسد الأب في ثمانينيات القرن الماضي. ومنذ ذلك الحين، أصبح الأسد الابن أكثر اعتماداً من أي وقت مضى على طهران من أجل بقائه. وبالتالي، فإن الأسد لن يتجرأ أن يطلب من إيران أن ترحل. فمصلحة إيران “الأساسية” هي الحفاظ على موطئ قدم لها في سوريا لأنها المحور الرئيسي لاستراتيجية هيمنتها واسعة النطاق. فلو خسرت هذا الوجود، فسيهدد ذلك سيطرة حزب الله على لبنان التي تمثّل النقطة الأساسية في استراتيجية إيران الإقليمية. ويعني ذلك أن إيران ستقاوم أية جهود ترمي إلى إخراجها من سوريا، مع الإشارة إلى قدرتها الكبيرة على القيام بذلك.
بينما تصر تركيا على رحيل الأسد عن حكم سوريا، ولهذا قامت بدعم المجاميع المسلحة في سعيها لتغيير نظام الحكم في سوريا وما تنظيمها مؤتمر “المعارضة السورية من أجل إسقاط النظام السوري إلا دليلاً على ذلك. فعليه انتقل الصراع الإقليمي بين إيران وتركيا على سوريا إلى حرب وكالة بين الأطراف الداعمة والمؤيدة لبقاء الأسد وآخرين ساعين للإطاحة به[9]، فلهذا توسعت معطيات الحرب في سوريا لتدخل في إطار صراع دولي بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين روسيا التي تعتبر من الحلفاء التقليديين لسوريا وصراع إقليمي بين إيران وحلفاءها وتركيا ومؤيديها من الدول الخليجية، لتدخل الأزمة السورية في متاهات الصراع وعدم وضوح الرؤية للأطراف كلها في المنطقة ، فلكل طرف من الأطراف هدفاً يسعى لتحقيقه وإن استمر النزاع وطال أمده. لقد راهنت الأطراف الخليجية وتركيا على إسقاط نظام بشار الأسد ولهذا فقد دعموا الإخوان المسلمين ورجحوا نجاحه في سوريا في إشارة إلى نجاح الحركة في مصر، ولكن لم تستطيع توجهات تركيا والأطراف الخليجية وخصوصاً قطر من تغيير النظام وهذا عائد إلى تماسكه وثباته[10]. إن الأزمة السورية تكشف عمق الأهداف التي أرادت تركيا تحقيقها بمساعدة خليجية، إذ كانت تركيا تهدف إلى إسقاط بشار الأسد لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية وتأكيداً لدورها الإقليمي الكبير بعد سنوات الابتعاد عن المنطقة والعمق الاستراتيجي لها[11].
تقييم الأزمة السورية من الناحية الأمنية الاستراتيجية
على الرغم من وجود بعض التباينات بين المصالح الإيرانية – التركية وسياساتهما في سوريا، إلا أن توجه إدارة الرئيس ترامب تجاه العلاقة مع إيران يشكل عاملاً مهما في شكل السياسات والتحالفات في المنطقة، ولاسيما في سوريا والعراق، ولا بدَّ من الإشارة إلى أنه في ظل حالة الغموض القائمة في عموم المنطقة، وعدم معرفة توجهات الإدارة الأمريكية القادمة في التعامل مع القضايا الإقليمية فإن المؤشرات الدلالية التي تظهر في هذه الأجواء المضطربة تتغير بين ليلة وضحاها؛ وبالتالي فالتحليلات الاستشرافية المبنية على تلك المؤشرات قد لا تكون دقيقة في كثير من الأحيان.
كانت العلاقات التركية – السورية متدهورة بسبب الصراع حول إقليم إسكندرون، وتوفير سورية ملاذاً آمناً لحزب العمال الكردستاني على أراضيها، وكانا على وشك الصدام العسكري، إلا أن توقيع اتفاق أضنة في أكتوبر 1998، ساهم في تهدئة التوتر، خاصة بعد التزام سورية بها، وطردها لقيادات حزب العمال الكردستاني من سورية، وتعمقت العلاقة بين البلدين فيما بعد، وأقاما منطقة تجارة حرة، كما أنشئا مجلساً أعلى للتعاون الاستراتيجي وقد دعمت إيران هذا التقارب بين البلدين. لكن تباين موقف كل من إيران وتركيا حيال سورية في أزمتها عام 2011، فكان الأول داعماً للنظام والثاني مدافعاً عن الحراك الشعبي السوري ومحتضناً للمعارضة السورية، وقد تضررت العلاقات الإيرانية- التركية بسبب هذا التطور[12]، ففي بداية الأزمة أيدت تركيا النظام السوري، ورهنت هذا الدعم بالإصلاح، في حين قدمت إيران دعماً غير مشروطاً للنظام السوري، ووصفت المعارضة ضده على أنها جزء من “مخطط صهيوني” يهدف لتدمير “جبهة المقاومة”، واتهمت إيران تركيا بأنها تتدخل في الشؤون الداخلية السورية وتسعى لخدمة المصالح “الإمبريالية الغربية” هناك[13] أكدت تركيا فيما بعد أن الإصلاحات ليست ذات جدوى الآن وأن نظام الأسد قد فقد شرعيته، كنتيجة للجوء النظام إلى الإفراط في استخدام القوة والحل الأمني، وقامت إيران بتوجيه رسائل وتحذيرات لتركيا تطالبها بعدم الاقتراب من سورية التي تعتبر خطاً أحمراً عند إيران، وأنّ الرضوخ للضغوط الأمريكية فيما يخص استخدام الولايات المتحدة الأمريكية للقواعد العسكرية المتواجدة بتركيا لشن هجوم على سورية، سيؤدي لأن تصبح تلك القواعد هدفاً للصواريخ الإيرانية[14].
المسألة الكردية
تعتبر المسألة الكردية هي المحرك الرئيسي للسياسة الخارجية والقضايا الأمنية في تركيا وإيران والعراق وسوريا خلال العقود القليلة الماضية – إنما تعيد مرة أخرى تشكيل العلاقات بين تلك الدول الأربع. فهذه القضية تخلق أجواء عدائية بين تركيا وإيران وهما القوتان اللتان تسعيان إلى الهيمنة على الشرق الأوسط مما يُقرّب أنقرة بصورة أكثر من واشنطن. على أن هذا الحراك الجديد يساعد -على الأقل جزئياً – في تفسير قرار أنقرة مؤخراً بالانضمام إلى مشروع الدفاع الصاروخي لمنظمة حلف شمال الأطلسي[15]
ولطالما كانت القضية الكردية من القضايا الساخنة في منطقة الشرق الأوسط، ولعل بروز الحديث لهذه القضية يمكن إرجاعه إلى أوائل القرن المنصرم، فقد نال الكرد في الشرق حقوقهم في معاهدة سيفر 1920، إلا أن النزاع الداخلي فيما بين الكرد و بروز الجمهورية التركية الكمالية، كانت الأسباب في اسقاط هذه المعاهدة وإبرام معاهدة مضادة في لوزان بسويسرا 1923 تم إقصاء الأكراد فيها وتوزيعهم على أربعة دول إقليمية هي العراق وإيران وتركيا وسوريا، الأمر الذي فاقم من تأزم الوضع الكردي وبروز القضية الكردية كإحدى أهم القضايا الخلافية الدولية[16].
وترجع أهمية القضية الكردية وصعوبة حلها تعود إلى الموقع الجيوبوليتيكي للمناطق التي قطنها الكورد تاريخيا، هذا الموقع الذي يتقاطع مع أربعة دول تتميز بمزيح إثني وديني وعرقي قابل للانفجار في أي لحظة، بالتالي وللمصالح الإقليمية والدولية تم الحفاظ على القضية الكردية في حالة سبات لعدم اشعال باقي النزعات القومية في المنطقة.
وقد اعتمد الأكراد في العصر الحديث طريقتين لحل قضيتهم ونيل حقوقهم، الأولى كانت بالكفاح المسلح الذي أثبت نجاعته في الحالة العراقية بعد حالة من الاقتتال الداخلي ضمن إطار قومي ضيق، ولكن هذا الانتصار لم يكن ليأخد مكانه لولا الدعم الأمريكي، بينما أثبت هذا الحل الفشل الذريع في تركيا، حيث سقط عشرات الآلاف من القتلى وفي آخر المطاف تم التحول إلى الحل الثاني وهو الحل السلمي.
الحل السلمي كان على الدوام المطلب الجماهيري الأساس حيث يتركز هذا الحل على الاعتراف بالوجود القومي والحقوق القومية المشروعة ضمن حدود الوطن، واعتماد أي شكل من أشكال نظام الحكم التي تعطي للكرد خصوصية في إدارة مناطقهم كالحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية أو الفدرالية، دون وجود أي نية انفصالية لمعرفة الشعب الكردي المسبقة بالتبعات الكارثية لهكذا مطلب.
بسبب كون القضية الكردية قضية دولية تتوزع إلى أربعة دول بالتالي لطالما كانت هذه الورقة جاهزة للعب والاستثمار السياسي لها من قبل الدول ذات المصالح في المنطقة، فقد تم استعمالها كمصدر للخلاف والصراع بين دول المنطقة، وبالمقابل تم استعمالها كمصدر للاتفاق والمساومة على حساب الحقوق القومية الكردية، الأمر الذي جعل من القضية الكوردية قضية ساخنة على الدوام ومشكلة إضافية تضاف إلى مشاكل الشرق الأوسط.
ولا تشك أنقرة في أن هناك تنسيقًا بين الأكراد على طرفي الحدود التركية – السورية، أي بين منظمة حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا. ويرى خبراء، أن المشكلة الكردية بأبعادها الحالية تحمل بذور تدويل المشكلة، وأن ذلك لو حدث سيشكل خطرا على تركيا في ظل حالة الجفاء بينها ومعظم حلفائها التقليديين، الذين يقدّمون الدعم السياسي والعسكري للفصائل الكردية المسلحة في سوريا المصنفة على قوائم الإرهاب في تركيا.
وفوق ذلك، تبدو الحكومة التركية تميل في تعاملها مع الأزمة من رؤية المؤسسة العسكرية بعدما جربت رؤيتها الخاصة في الحل لسنوات عن طريق المفاوضات التي انتهت إلى إعلان الساسة الأتراك، وفي مقدمتهم إردوغان، أنه «لا توجد مشكلة كردية في تركيا» رغم اعترافهم بوجود مشاكل كثيرة للأكراد[17] .
وفيما يتعلق بالموقف الايراني تتوارى القضية الكردية ضمن منظومة أوسع من القمع الذي يطاول المختلفين إثنياً أو مذهبياً أو سياسياً، فتكاد الأخبار التي تقتصر على إعدام ناشطين أكراد أن تكون هي الوحيدة. وكما فعلت سلطة الأسد طوال عقود في سوريا، لا يجد حكم الملالي في ايران تناقضاً بين قمع الأكراد في الداخل ودعم تنظيم حزب العمال الناشط في تركيا، كلما تأججت الخلافات مع الأخيرة، مع التذكير بأدبيات الحزب المذكور التي نصّت مبكراً على تحالف موضوعي بينه وبين سلطتي طهران ودمشق دعماً لمعركته الأساسية في تركيا. التلويح بحرب أهلية، إذا أقرّ الاستفتاء استقلال الإقليم، ربما يلحظ وجود حزب العمال في جبال قنديل والعلاقة المتوترة بين «البرزانية» و «الأوجلانية»، وإمكانية تفجر الصراع بينهما.
وبالعودة إلى اجتماع رئيسي الأركان التركي والإيراني، يستقوي الطرفان بموقف أميركي معارض لاستقلال الإقليم، وبمباركة روسية للتنسيق بينهما هي امتداد للتنسيق الذي بدأ في الملف السوري ضمن مسار آستانة. وكما هو معلوم شهد الموقف التركي من الملف السوري انعطافة قوية على خلفية التخوف من تمدد سيطرة الفرع السوري لحزب العمال على مساحات واسعة، بخاصة على خلفية اعتماده من قبل الإدارة الأميركية في حربها على داعش. يمكن الجزم بوجود مقايضة تخفف بموجبها الحكومة التركية من عدائها سلطة بشار، مقابل الاتفاق على تحجيم قوة وطموحات الفرع السوري لحزب العمال الذي تنسق قياداته مع طهران ووكيلها في دمشق[18].
فمن المعلوم أن السياسة الإيرانية من الممكن أن تدعم إقامة كيان كردي صديق لها في حال سارت سوريا إلى التقسيم، سواء جاء التقسيم بمشروع دولي تتبناه أمريكا والتحالف الدولي، أو بفعل الانهيار الفعلي لنظام الأسد عسكرياً أمام جيوش الثورة السورية، وهذا المشروع التقسيمي لسوريا سوف يخدم الخطة الإيرانية الأخيرة في سوريا في حال عدم قدرتها على الإبقاء على بشار الأسد رئيساً للنظام السوري من الناحية الدولية، فإذا كانت مساعي أمريكا من خلال دعمها لكيان كردي في سوريا سيؤدي إلى تقسيم سوريا فإن الموقف الإيراني سوف يبحث عن مصالح له في هذا التقسيم، ومنها أن يكون هذا الكيان الكردي صديقاً لها ومتحالفاً مع الكيان العلوي الطائفي على الساحل الغربي لسوريا المحاذي للحدود اللبنانية، وأن يكون هذا الكيان الكردي صديقاً للدولة العراقية وصديقاً لمحور إيران في لبنان والمنطقة، للحفاظ على الهلال الشيعي متواصلاً جغرافياً وسياسياً، بالرغم مما يحمله هذا الكيان من تحديات للأطماع الكردية في إيران نفسها.
خاتمة
من الواضح أنّ العلاقات التركية-الإيرانية تتميز بالتنافس والتعاون في نفس الوقت، فتارة يكون التعاون ظاهراً والتنافس ضمنياً، وأخرى يكون التنافس هو الظاهر والتعاون ضمني، ومن الواضح أنّ قاعدة المصالح المشتركة التي تحكم العلاقات التركية-الإيرانية بدأت تتقدم مجدداً بعدما تراجعت على وقع الأزمة السورية، حيث يحرص كل طرف على نوع من الموازنة في سياساته الإقليمية والدولية لاستثمارها بأفضل شكل، كما إن العلاقات التركية-الإيرانية لن تتأثر كثيراً بالأزمة السورية، نظراً لحجم المصالح والقضايا الحيوية التي تربط بين البلدين،ويبقى لغيابالعرب والقوى العربية عن الساحة الإقليمية وحتى الدولية هو من سمح بظهور قوى أخرى فاعلة في المنطقة وعلى حساب مصالحها.
فالبلدان محكومان بالتعاون، وأنهما سيتعاملان مع علاقتهما من خلال نقاط الاتفاق وليس نقاط الخلاف، وبعيداً عن الأزمة السورية ودورها في توتر العلاقات التركية-الإيرانية في لحظات كثيرة، فإنّ هذه العلاقات تبدو كأنها أمام مرحلة جديدة مفعمة بالمصالح، ومن المرجح أن يزداد التعاون والتقارب أكثر بين البلدين في الفترة المقبلة.
وفي مقابل مجموعة القواسم المشتركة فهناك أيضاً معوقات تُلقي بظلالها على هذه العلاقات، إذ يخوض البلدان منافسة تاريخية على الزعامة الإقليمية منذ خمسة قرون، وتتصادم المنظومة القيمية لكلا النظامين، وتتعارض التحالفات الدولية لكل منهما، وتختلف الأدوات التي يستخدمها الطرفان في الهيمنة على المنطقة، سواء عسكرية كما في الحالة الإيرانية، أو سياسية واقتصادية كما هو الحال في الحالة التركية، ويبدو الصراع على النفوذ بالشرق الأوسط والرغبة في التمدد الإقليمي قدراً مستمراً للعلاقات الإيرانية – التركية، على الرغم من بعض الفترات التاريخية التي شهدت العلاقات فيها تقارباً مهماً بين البلدين، ويأتي ذلك كله في ظل اضطراب في موازين القوى عربية الفاعلة المنافسة أو المواجهة لهذا التقارب، مما يعني أنه سيكون على حساب المنطقة العربية بشكل عام والدول الخليجية بشكل أخص.
ـــــــــــــ
1 الوفاق أون لاين، قيمة التبادل التجاري بين إيران وتركيا، 14/07/ 2018، متاح على الرابط:
http://www.al-vefagh.com/News/181525.html?catid=8&title=181525
2 تركيا وإيران تفعلان التبادل التجاري بالعملات المحلية خلال أيام، 15/07/ 2018، متاح على الرابط:
https://aawsat.com/home/article/1058066/
3 إيران وتركيا تشرعان في التبادل المصرفي بالعملتين المحليتين، 19/ 07/ 2018، متاح على الرابط:
https://arabic.cnn.com/business/2017/06/16/iran-turkey-exchange-banks
4 مصطفى العاني، معضلة الفراغ الاستراتيجي في منطقة الخليج: الدور الإيراني، 19/07/ 2018، متاح على الرابط:
http://araa.sa/index.php?view=article&id=4350:2018-01-09-09-37-05&Itemid=101&option=com_content
5 محمود العابد, العلاقات تركيا الخليجية, بين أرجوحة البراجماتية وخلق الأوراق, تركيا بوست, 20/07/2018, على الرابط: http://www.turkey-post.net/p-174227/
6 مصطفى محمد صلاح، الدور التركى الجديد فى الشرق الأوسط ” فى ظل مفهوم العثمانية الجديدة”، 22/07/ 2018، متاح على: https://democraticac.de/?p=46797
7 نظير محمود أمين, “موقف تركيا من أحداث التغير فى المنطقة العربية”, مجلة العلوم القانونية والسياسية, ( كلية القانون والعلوم السياسية, جامعة ديالى, العدد الثانى, 2013), ص 2.
8 جواد الهنداوي، “سوريا والمنطقة والاتحاد الاوربي بعد اسقاط الطائرة الروسية “، مجلة ابحاث استراتيجية، مركز بلادي للدراسات والابحاث الاستراتيجية، العدد11، 2016، ص282.
9 قاسم حسين الربيعي، “العلاقات التركية الايرانية بعد عام 2003 بين التعاون والاختلاف”، مجلة ابحاث استراتيجية، مركز بلادي للدراسات والبحوث الاستراتيجية، العدد 9، 2015، ص268.
10خالد اسماعيل سرحان، “السياسة الخارجية السعودية تجاه سوريا”، مجلة ابحاث استراتيجية، مركز بلادي للدراسات والابحاث الاستراتيجية، العدد 12، 2016، ص141
11 محمد الخاقاني، السياسة الخارجية التركية والبحث عن دور اقليمي جديد، المركز العربي للبحوث والدراسات، 22/07/ 2018، متاح على: http://www.acrseg.org/40475
12 العلاقات الإيرانية-التركية : نقاط الاتفاق والاختلاف (الحالة السورية) نموذجاً، 20 / 07/ 2018، متاح على:
http://almezmaah.com/2014/09/08
13 “العلاقات الإيرانية التركية: الأفاق والقيود“، ترجمة: شادي عبد الوهاب:
http://www.baghdadcenter.net/details-107.htm
14 الحافظ النويني، “العلاقات التركية الإيرانية بين التنافس والتعاون”، الحوار المتمدن، العدد 4018، 1/3/2013: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=347764.
15 “الربيع العربي” يُشعل القضية الكردية، 25 /07/ 2018، متاح على: https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/arab-spring-heats-up-kurdish-issue
16 القضية الكردية في سوريا والاستحقاقات المصيرية، 22 / 07/ 2018، متاح على:
https://www.orient-news.net/ar/news_show/4998
17 سعيد عبد الرازق، الأكراد.. مشكلة تركيا المستعصية، 25/07/ 2018، متاح على:
https://aawsat.com/home/article/729506
18 ” ضحايا المسألة الكردية العالقة”، جريدة الحياة، 25 /07/ 2018، متاح على: http://www.alhayat.com/article/846370/.