مرة أخرى عاد الاهتمام بالجدار الحدودي العازل الذي تبنيه تركيا على حدودها مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بالرغم من أن تركيا بدأت بتنفيذ بناء الجدار العازل بينها وبين إيران في 2017، إلا أنه مع سيطرة جماعة طالبان على العاصمة الأفغانية كابول في الأيام الأخيرة، زاد عدد الأفغان الفارين من بلادهم، محاولين العبور إلى الأراضي الإيرانية ثم التركية للوصول إلى الاتحاد الأوروبي واللجوء إلى إحدى دوله.
طبيعة الجدار الحدودي العازل
مع زيادة أعداد المهاجرين غير الشرعيين داخل الأراضي التركية عن طريق إيران وسوريا خاصة بعد الحرب الأهلية في سوريا 2015، وزيادة الاضطرابات على الحدود من قبل الأكراد، الذين يشنون هجمات داخل الأراضي التركية والإيرانية، قامت تركيا ببناء جدار حدودي عازل بينها وبين إيران؛ لتقليل أعداد هؤلاء المهاجرين غير الشرعيين.
يعتبر الجدار العازل الذي تبنيه تركيا على حدودها مع إيران وسوريا هو ثالث أطول جدار عازل بين الدول في العالم، إذ يبلغ طوله نحو 911 كيلومترا ويعتبر الهدف الأساسي له عزل الجماعات الانفصالية عن تركيا، وعلى رأسهم الجماعات الكردية، ثم الأفغان الفارين من سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية داخل أفغانستان.
تبلغ الحدود التركية ــ الإيرانية حوالي 500 كيلومتر، وقد قامت تركيا ببناء 243 كيلومترا فقط حتى الآن من تلك الحدود، وزودت الجدار بأجهزة استشعار وكاميرات حديثة لمتابعة الحدود، برغم أن تركيا كانت تسهل للمهاجرين الأفغان دخول أراضيها مقابل حصولها على مساعدات مالية من أوروبا والمجتمع الدولي قديما، إلى أن زاد عدد المهاجرين الأفغان الشرعيين في تركيا وقد تخطوا 120 ألفا، بالإضافة إلى 300 ألف مهاجر أفغاني غير شرعي، فضلا عن المهاجرين السوريين الذين تخطوا 3.5 مليون مهاجر؛ لذلك لم تعد أنقرة تحتمل المزيد من المهاجرين، خاصة الأفغان بعد سيطرة طالبان على عاصمة بلادهم.
صعود طالبان وزيادة اهتمام تركيا بالجدار العازل
بعد خروج قوات الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان إثر حرب طويلة مع جماعة طالبان استمرت 20 عاما، استطاعت طالبان بسهولة لافتة السيطرة على معظم أراضي أفغانستان، بسبب ضعف الجيش الأفغاني، برغم تلقيه نحو 83 مليار دولار من المساعدات الأمريكية، وبرغم كثرة عدد الجنود في الجيش الأفغاني الذي يضم نحو 300 ألف جندي مقابل 70 ألف مقاتل داخل طالبان، إلا أن سقوط كابل في يد طالبان بهذه السرعة يعتبر لغزا عسكريا سيظل يلاحق سمعة الولايات المتحدة الأمريكية لسنوات طويلة.
وقد زاد عدد الأفغان الفارين من حكم طالبان لسببين رئيسين:
أولا: سوء الأحوال الاقتصادية داخل أفغانستان، وتدهور دخل الفرد الأفغاني الذي لا يزيد عن 2200 دولار في العام، كما أن أفغانستان دولة قائمة على المساعدات الخارجية، وبالتالي أراد الأفغان الفرار من بلادهم والبحث عن مكان عمل لهم في الدول المجاورة وأوروبا.
ثانيا: أن كثيرا من الأفغان الفارين ــ أو الذين يودون الفرار ــ كانوا يعملون مع القوات الأمريكية، في مجالات الترجمة والتسهيلات اللوجيستية وبالتالي فهم يرون أن بقاءهم داخل البلاد لم يعد آمنا على حياتهم خاصة أن طالبان لديها قوائم بأسمائهم ومن المحتمل أن تلقي القبض عليهم وتحاكمهم بتهمة معاونة الاحتلال الأمريكي بعد استتباب السلطة لهم على الرغم من أنها (أي طالبان) أعلنت عفوا عاما في البلاد.
التطور الملحوظ أن الأفغان الفارين إلى إيران ومنها إلى تركيا فوجئوا بالجدار العازل بين تركيا وبين إيران؛ لذلك رصدت التقارير الإخبارية تكدسهم على طول الحدود بين البلدين.
ويقدر عدد الأفغان الراغبين في الدخول للأراضي التركية حوالي 1000 شخص يوميا، ولذلك زادت تركيا من اهتمامها بالجدار العازل، وزادت من عدد الجنود على الحدود مع إيران، لعدم السماح للأفغان بدخول أراضيها، متذرعة بعدم قدرتها على احتواء المزيد من المهاجرين.
الموقف الإيراني من الجدار العازل
تشير الوقائع إلى أن إيران لا يمكنها احتمال الأفغان الراغبين في اللجوء إليها في الظرف الراهن نظرا لعاملين رئيسين:
أولا: أن إيران بها ثاني أكبر الجاليات الأفغانية بعد باكستان، وبقدر متوسط عدد أبناء تلك الجالية بنحو 3 ملايين شخص.
ثانيا: أن العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني جعلته في منأى عن تحمل المزيد من الضغوط الداخلية المتمثلة في سوء الأوضاع الاقتصادية المترتبة على المزيد من اللاجئين.
لذلك أعلنت السلطات الإيرانية عن ترحيبها ببناء تركيا الجدار على حدودها؛ متكئة على سببين أساسيين:
الأول: وجود مسلحين من المعارضين الأكراد الإيرانيين، خاصة أعضاء حزب الحياة الحرة الكردستاني “بيجاك”، وهم يقيمون على الحدود التركية ــ الإيرانية، ويستخدمون الحدود للعبور من حين لآخر للقيام بعمليات عسكرية نوعية داخل إيران، لاعتراضهم على سياسة التهميش التي تستخدمها إيران ضدهم، وتتوقع إيران أن يحميها هذا الجدار من تلك الهجمات، ويقلل من الدعم الذي يتلقاه “البيجاك” من الخارج.
الثاني: بوجود هذا الجدار الحدودي، ستقل عمليات تهريب البضائع من تركيا إلى إيران، مثل: السجائر والمنسوجات التي تزيد قيمتها عن ملياري دولار في العام الواحد، علما بأن عمليات التهريب تؤثر بشكل أساسي على الاقتصاد الإيراني، ومن المتوقع أن تنتعش مجددا الصناعات المحلية الإيرانية، بعد أن عانت جراء عمليات التهريب.
خاتمة
في ضوء ما سبق، يمكن القول إن تركيا لن تقبل المزيد من المهاجرين حتى وإن تلقت مساعدات مالية من المجتمع الدولي للقيام بهذا الغرض؛ نظرا لأعداد المهاجرين الكبيرة داخل تركيا، ولذلك من المتوقع أن يزداد عدد الأفغان في إيران على المدى القريب، خاصة مع استمرار سوء الوضع الاقتصادي في أفغانستان، ومع ذلك فمن المتوقع أن يؤدي تدهور الأوضاع الاقتصادية داخل إيران إلى أن يبحث الأفغان عن ملاذ أقل شظفا خارج إيران على المديين القريب والمتوسط.