أدى صعود حركة طالبان للحكم في أفغانستان إلى تغيير مسار كثير من دول المنطقة وبخاصة باكستان والصين وروسيا التي لعبت دورًا رائد في هذا البلد. في المقابل يبدو أن الهند هى الخاسر الرئيس في معادلات كابول، وذلك بفقدانها نفوذها ومصالحها. وفي هذه المقالة محاولة لدراسة أسباب فشل الهند استراتيجيا في أفغانستان عبر ثلاثة أبعاد رئيسة وهى: الأمن والاقتصاد، والجيوبوليتيكس.
أولا: تبعات التهديد الأمني للهند
التهديد الأول، دون شك فإن عودة حكومة طالبان في أفغانستان، يُزيد من مخاوف الهند حول الإرهاب العابر للحدود. ففي الاجتماع الذي عقد حول التعاون بين الهند وبين أمريكا مؤخرًا، صرح بيبين راوات رئيس أركان الجيش الهندي بقوله “إن طالبان من وجهة نظر الهند، هى نفسها طالبان قبل 20 عامًا”.
عليه تؤمن نيوديلهي أن انتصار طالبان سيُحرض إيديولوجيات وجماعات متطرفة ذات توجهات متماثلة في المنطقة. كما يمكن لحكومة طالبان الجديدة أن تكون ملاذًا آمنًا للمنظمات الإرهابية المعادية للهند والجماعات الأخرى، التي من شأنها خلق فوضى في كشمير، كالجماعة الجهادية الباكستانية “عكسكر طيبة”[1]، وجماعة “جيش محمد”[2] اللتين حافظتا على قواعديهما ومواقع تدريباتهما في المحافظات الجنوبية والحدودية مع باكستان. وكانتا قبل هذا قد نفذتا هجمات ضد الهند.
في عام 2001، اتهمت الهند “عسكر طيبة” و”جيش محمد” بمهاجمة البرلمان الهندي، أما هجمات مومباي عام 2008، وهجوم بولواما على القوات المسلحة الهندية عام 2019م تنسب إلى عسكر طيبة”.
هذا وقد صرح دبيندرا سينغ هودا القائد السابق لقيادة الشمال في الجيش الهندي: “أن القلق الأكبر للهند في أفغانستان، هو انتصار حركة طالبان الذي من شأنه تشجيع جماعات مثل جيش محمد وعسكر طيبة؛ لانتهاز فرصة جذب الشباب لصفوفهم. وبرغم أن اتفاقية الولايات المتحدة وطالبان تنص على أن طالبان ستمنع أنشطة الجماعات الإرهابية على أرض أفغانستان، إلا أن انعدام الشفافية في كيفية التصديق وتنفيذ هذه الاتفاقية، يثير شكوك الهند حول تواطئو طالبان مع تلك الجماعات للصعود على حساب الهند”.
التهديد الثاني، يتعلق بزيادة نفوذ جهاز المخابرات العسكرية الباكستانية في أفغانستان، “المتواطئ مع طالبان بشكل لايمكن إنكاره”؛ فسيطرة طالبان تعني منح يد عليا للجيش وجهاز الاستخبارات الباكستاني للتأثير على مجريات الأمور في هذا البلد.
وبالنسبة لنيودلهي، كان الوجود الأخير للجنرال فايض حميد رئيس جهاز المخابرات الباكستاني في أفغانستان مؤكدًا على هذا. إضافة إلى قلق الهند من توطيد التعاون بين طالبان وباكستان، الذي من شأنه شحذ حركات التمرد المنظمة والمسلحة في منطقة كشمير الإسلامية والخاضعة لسيطرة الهند.
فمؤخرًا أعلنت حركة طالبان عن أحقيتها في المناداة بحقوق المسلمين في كشمير والهند، وكل البلدان الأخرى، لهذا السبب ازدادت توجسات الهند حول تطور الوضع في كشمير عن ذي قبل. فقبل صعود طالبان للحكم، أنفقت الهند مبالغ ضخمة في أفغانستان لتأمين نفسها من التهديدات الأمنية المحتملة في مقابل حماية الحكومة المركزية في كابل. أما الآن مع دعم باكستان لطالبان، من المتوقع أن تشرع طالبان بجولة جديدة من القضايا والمخاطر الأمنية للهند في المنطقة.
ثانيا: طعن الاستراتيجية الاقتصادية الهندية في أفغانستان
منذ عام 2002م، كانت الهند أحد المستفديين الرئيسين من مشروع إعادة إعمار أفغانستان، علاوة على كونها أكبر المساهمين الاقتصاديين للبلاد. ولتقصي أكثر حول هذا الموضوع، نحتاج إلى تقسيم المساهمات الاقتصادية للهند إلى فئتين:
الفئة الأولى، تمثلت في المشاريع العمرانية التي شيدتها الهند في أفغانستان، حيث استثمرت نيودلهي أكثر من 3 مليار دولار في المشاريع العمرانية بأفغانستان، وهو ما يشمل تطوير وترميم وتجديد المباني، والبنى التحتية، وإنشاء المدارس والعيادات الصحية.
كذلك أنفقت 90 مليون دولار من أجل إنشاء مبنى البرلمان فقط. ليس هذا في حسب بل قامت بتطوير البنية التحتية خاصة في سد سلمى “سد الصداقة الأفغاني – الهندي” في مقاطعة هرات، وطريق زرنج دلارام على الحدود مع إيران، وشيدت أكثر من 200 مدرسة حكومية وخاصة كجزء من المساهمات الإنمائية للهند في أفغانستان. إلا أن معظم ما تم تشييده في أفغانستان بمساعدة الهند، يخضع لسيطرة طالبان في الوقت الحاضر.
الفئة الثانية، من المساهمات الهندية تتعلق بالمبادلات التجارية الإنسانية: وتشمل إرسال المستشارين الفنيين الهنود للمؤسسات الأفغانية، وتقديم المنح الدراسية لأكثر من 16000 طالب أفغاني، وتنظيم تدريبات الجنود الأفغان.
لهذا في حالة لم تعترف نيودلهي بحكومة طالبان في كابل رسميًا، ستختفي هذه المبادلات وفق برامج العلاقات الرسمية. ومن المؤكد أن الفضاء السياسي البارد بين البلدين يحد من إمكانية استمرار مثل هذه العلاقات.
بصرف النظر عن المساهمات الهندية لأفغانستان، فإن التجارة بين البلدين تواجه تحديات خطيرة. فقد نمت التجارة الثنائية بين البلدين على مدار السنوات الماضية لتصل إلى أكثر من 1.5 مليار دولار في عامي 2019م – 2020م.
كما تعتبر الهند أكبر سوق للمنتجات الأفغانية في جنوبي أسيا. ففي عام 2019، بلغت القيمة الإجمالية لصادرات أفغانستان إلى الهند 410 ملايين دولار، وازدادت في عامي 2020 و2021 لتصل إلى 500 ميليون دولار. لكن طالبان اليوم أغلقت العديد من الحدود الأفغانية ــ الباكستانية، وهى الطرق البرية الوحيدة المستخدمة للأنشطة التجارية من الهند إلى أفغانستان.
على صعيد آخر، وفي ظل الظروف الراهنة يتوقع أن تتم التجارة عبر أفغانستان في ظل حكم طالبان عبر طريق كراتشي وجوادر. أيضا قد يكون استثمار الهند في ميناء تشابهار الواقع في محافظة سيستان وبلوشستان الإيرانية، والذي كان من أجل إقصاء باكستان، غير ممكن.
هنالك أيضا نقطة مهمة في هذا الجانب تتعلق بالمنافسين الاقتصاديين للهند في أفغانستان، كالصين مثلًا، والتي استثمرت حتى الآن 4.4 مليار دولار في أفغانستان. وهذا الأمر يمثل تحديًا كبيرًا للاستثمارات الهندية في المنطقة.
ففي عامي 2011 و2012م تبرعت الصين بمساعدات قدرت بـ150 مليون دولار لأفغانستان، وهذا على خلاف الهند. لذا يبدو أن الاسهامات الاقتصادية للصين في أفغانستان تشكل مرتكزا أساسيا لاستمرار الاستثمارات فيها.
ثالثا: البعد الجيوسياسي
عُدّ صعود طالبان إلى الحكم، بمثابة تحول للعلاقات في شبه القارة الهندية ومنطقة أسيا الوسطى لصالح الصين وباكستان. ففي السنوات الأخيرة، شهدت نيودلهي، توسيع بكين ــ أحد منافسيها الرئيسين في المنطقة ــ لقدراتها الاقتصادية والعسكرية في شبه القارة الهندية، فهى الآن تعد المساهم الرئيس لنيبال وبنجلاديش، وسريلانكا، بالإضافة إلى إعرابها عن اهتمامها بالشراكة في بوتان والمالديف.
في الواقع ستكون شراكة الصين وباكستان في أفغانستان بمثابة هزيمة كبيرة للهند وبخاصة لجانبها الشمالي الغربي الحساس؛ إذ يمكن للصين توسيع وجودها في المنطقة بمساعدة طالبان. فالآن أفغانستان لديها حكومة موالية لباكستان. وهذا سيمنح الصين الصديق المقرب لباكستان، فرصة للعب دور أكبر في أفغانستان، واستمرار وجودها في المنطقة.
إضافة لهذا يمكن لبكين أن تحول معادلات الوجود في أسيا الوسطى لصالحها من خلال تضمين أفغانستان كجزء من مشروع الحزام والطريق[3] الحزام الاقتصادي لطريق الحرير.
ففي 28 يوليو الفائت، أثار اجتماع وفد حركة طالبان بوزير خارجية الصيني في بكين، الكثير من القلق لدى الهند، حيث وصف الملا عبد الغني برادر والذي ترأس وفد طالبان، بكين بـ”الصديق الموثوق به”، مضيفًا أن الحركة لن تسمح لأحد بالانتفاع من أرض أفغانستان.
رابعا: انتكاس الموقف الهندي في أفغانستان
يتمثل التدهور الأسوء لموقف الهند، في انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان، وظهور دور جديد لروسيا في المنطقة. كذلك التعاون الاستراتيجي المتنامي لموسكو مع بكين، والذي كان سببا لانزعاج نيودلهي.
علاوة على أنها اتخذت حاليًا بعدًا جديدًا مع توجه روسيا نحو باكستان وطالبان. فعلى مدى العامين الماضيين، أكدت موسكو مرارًا وتكرارًا على أهمية الشراكة مع طالبان. وهذا ما أكده وزير خارجية باكستان خواجة محمد آصف، حينما صرح في عام 2017م: “أن روسيا ذات تأثير على طالبان أكبر من باكستان. وأنها أظهرت هيمنتها وعلاقاتها الجيدة مع طالبان”.
ليس هذا فحسب، بل أن موسكو أبعدت الهند عن مجموعة الترويكا الموسعة الخاصة بأفغانستان. ودافعت عن قرارها بإخراج نيودلهي من المجموعة، معللة ذلك بأن نيودلهي لا قدرة لديها في التأثير على طالبان، وبالتالي لا يمكنها المساهمة في عملية السلام.
في خضم هذا شكلت روسيا علاقات حسنة مع طالبان، فضلًا عن مشاركتها الفعالة مع باكستان والصين لمواجهة تحديات المنطقة، الأمر الذي سيزيد الفجوة بين نيودلهي وموسكو في المستقبل.
الترويكا الموسعة، مجموعة ثلاثية للتفاوض من أجل السلام في أفغانستان، تأسست عام 2019م وضمت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، والصين. والتحقت باكستان بتلك المجموعة هذا العام.
بطبيعة الحال سيترتب على هذا الانفصال الجغرافي بين الهند وبين أفغانستان، تحجيم من الهند بشدة. فالهند لايمكنها تجاهل ميزة القرب الجغرافي للصين وباكستان مع أفغانستان، لأن أسرع وسيلة لوصول الهند إلى أفغانستان جوًا وعبر المناطق الخاضعة لسيطرة الصين وباكستان.
لهذا السبب أيضا لا يقبل خصوم نيودلهي بدعم أي نوع شراكة مع الهند من أجل الوصول إلى أفغانستان. ففي السابق كانت أفغانستان وسيلة سهلة للهند لكي توجد في أسيا الوسطى، لكنه الآن بات صعبًا.
خاتمة
نخلص من هذا وكما يقول مايكل كوجلمان نائب مدير برنامج أسيا في مركز ويلسون بواشنطن: “في ظل التطورات الأفغانية، تحولت الهند من أقرب المساهمين الإقليمين في كابل، إلى أكثر اللاعبين الإقليمين المحرومين” علاوة على تضرر مصالحها المحتمل في أفغانستان.
مع ذلك، فإن نيودلهي ليست في موقف يمكنها من التأثير على النتيجة لصالحها، ويرجع السبب إلى أنها لا تملك حدودا برية مع أفغانستان على عكس القوى المساهمة في هذا البلد.
إذا فالهند هى الخاسر الرئيس في سقوط حكومة أشرف غني، وتلاعب القوى في المعادلات الأفغانية أضعف من موقف الهند ومصالحها ولاسيما ضد منافسيها ــ باكستان والصين ــ في المنقطة.
ولعل الطريق الوحيد للخروج من هذا المأزق، هو إقامة علاقات غير رسمية مع حكومة طالبان على الأقل؛ لأن التكوين الظاهري للعلاقات، يحسن من موقف نيودلهي، بل ويضمن لها ألا تتعرض أصولها واستثماراتها في أفغانستان للخطر.
ومن المتعارف عليه أن عالم السياسة معقد ولا يستحيل فيه شيئا. ومن الممكن مستقبلًا أن تتحول القرعة أو لعبة السياسة لصالح الصين. لكن الأحداث الجارية في أفغانستان تشير إلى أن نيودلهي لن تحظى بفرصة ضد منافسيها هناك، حتى لو أقامت علاقات بينها وبين طالبان.
ــــــــــــــــــــــ
[1] جماعة متشددة سلفية ومقربة من تنظيم القاعدة، تهدف إلى تحرير كشمير من الهند، تأسست عام 1987، في إقليم كونار بأفغانستان.
[2] تنظيم يهدف إلى تحرير كشمير، وينتمي إلى التيار “الديوباندي – تيار فكري ظهر في نهاية القرن التاسع عشر الميلادي لمواجهة الاحتلال البريطاني، والحفاظ على هوية مسلمي شبه القارة الهندية، وهو نفس التيار الذي تنتمي إليه حركة طالبان- ويجمعه علاقات قوية مع حركة طالبان وقيادات القاعدة وعسكر طيبة.
[3] مبادرة صينية قامت على أنقاض طريق الحرير القديم لإعادة إحياء هذه الطريق لربط المدن الصينية بالوجهات التجارية في أسيا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
دراسة نشرتها “مؤسسه مطالعات و تحقیقات بین المللی ابرار معاصر تهران”، بعنوان: “شکست راهبردی هند در افغانستان با قدرت گرفتن طالبان”، للباحثة: مريم احمدپور، يوم السبت 10 مهر 1400 هـ. ش، الموافق 2 أكتوبر 2021م.