لطاما اعتبرت الأوساط السياسية الإيرانية الحديث عن تغيير الدستور أمرًا استثنائيا، كما أن الدعوة لتغييره؛ تعني إنكارًا علنيا لسياسات البلاد، وبالرغم من هذا تقدم الناشط الأصولي محمد رضا باهنر بطلب تغيير الدستور الإيراني عبر تغيير هيكلية النظام الحاكم للبلاد، أو تعديل إطارها العام.
تحاول السطور التالية إبراز تاريخ الدستور الإيراني لفهم موجز لأصول الأزمة ودعوات تعديله المثارة في الأوساط السياسة الإيرانية ومسوغاتها.
أولًا: تاريخ التعديل الدستوري
بعد انتصار الثورة الإيرانية، تمت صياغة الدستور على عجل، ولاشك أن التعجل في تدوينه أوجد قصورًا على المستوى القيادي والتنفيذي والقضائي والتشريعي، لدرجة عرقلت النظام السياسي وتسببت في توترات داخلية، وأصبح تعديله وإصلاحه ضرورة مُلحة.
كان آية الله هاشمي رفسنجاني أهم الشخصيات التي دعت لتعديل الدستور عام 1989 حين كان رئيسا لمجلس الشورى الإسلامي “البرلمان”، وطالب أيضا بتعديله بعد أن غادر منصب رئاسة الجمهورية (1989 ــ 1997)، بهدف الترشح لولاية ثالثة.
من جانب آخر وقبل تعديل 1989، رأت مجموعة تضم آية الله خامنئي وبهشتي وآخرين، أن مسودة الدستور التي شرعها المجلس الثوري والحكومة المؤقتة هى أفضل نموذج لطرحه للاستفتاء المباشر.
علاوة على ضرورة الإسراع إلى تنفيذه؛ حتى تعبر البلاد من الفترة الانتقالية إلى مرحلة الاستقرار، لكن ذاك الرأي لم يحظ برضى المجموعة التي ضمت آية الله طالقاني والمهندس مهدي بازرجان والدكتور كريم سحابي وغيرهم، وقد صرحوا: “كما وعدنا الشعب، من الأفضل تكوين لجنة تشريع نهائي للدستور”.
ثانيا: بعض التعديلات الدستورية لعام 1989م
ــ إضافة المادتين 176 و177.
ــ تغيير ولاية الأمر إلى ولاية الأمر المطلق.
ــ إلغاء مهمة رئيس الجهورية في إقرار الترابط بين السلطات الثلاث.
ــ انتخاب رئيس الجمهورية لفترة مدتها أربع سنوات، ولا يجوز مدها سوى لمرة واحدة، المادة 114.
ــ زيادة صلاحيات المرشد.
ــ إلغاء منصب رئيس الوزراء.
وعليه يتضح أن التعديلات الدستورية، كانت تستهدف تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وإعادة تعزيز صلاحيات المرشد الإيراني؛ حتى يتمكن من تعيين فقهاء مجلس صيانة الدستور، ورئيس السلطة القضائية، والقائد العام للقوات المسلحة، ورئيس الأركان، والقائد العام للحرس الثوري، وتشكيل المجلس الأعلى للدفاع الوطني وإعلان الحرب والسلام وتعبئة القوات، وكان ذلك سببًا كافيًا لموافقة الخميني على الدعوة لتلك التعديلات الدستورية.
ثالثا: تسابق التيارات السياسية على السلطة
في عام 2018م نشرت صحيفة جهان صنعت – المؤيدة لحسن روحاني ــ مانشيت تحت عنوان “ليت لرئيس الجمهورية روحاني ولاية ثالثة”، ومنه دعت الصحيفة إلى تعديل الدستور الإيراني ومد رئاسة حسن روحاني بعد انتهاء ولايته الثانية، في ظل حاجة الحكومة إلى حل مختلف المشاكل الاقتصادية.
وقد سوغت الصحيفة دعوتها بلا مبالاة أو تراخي حسن روحاني خلال ولايته الثانية، والحسم في إمكانية جعله رئيسًا لولاية ثالثة. في حين، قوبل الاقتراح بتكتم الإعلام الإصلاحي، ما أظهر إزدواجية المعايير لهذا الإعلام الداعم الرئيس لروحاني.
بمعنى أنه لو تقدم الأصوليون مثلًا بأدنى طلب لتمديد ولاية مسؤول ما، لأفردت وسائل الإعلام الإصلاحية عناوينها الرئيسة لانتقاد الطرف المقابل.
على الرغم من أن الإصلاحيين لديهم سابقة تاريخية في محاولة منع تداول السلطة، ففي السنوات الأخيرة لرئاسة هاشمي رفسنجاني، اقترح عطاء الله مهاجراني، الذي أصبح وزير الإرشاد في رئاسة خاتمي، بتغيير الدستور حتى يتمكن رفسنجاني من الترشح لولاية ثالثة.
رابعا: المنفعة الشخصية فوق المصلحة الوطنية
في الأيام الأخيرة، وفي خلال لقاء باهنر مع وكالة أنباء خبر أونلاين، اقترح تشكيل برلمان يراعي المصالح الوطنية؛ لأنه في ظل غياب الأحزاب القوية ينضم النواب للبرلمان وهم غير مستعدين؛ وبالتالي لا يتوقع منهم تحمل المسؤولية.
ودعا إلى ضرورة خلق مساحة؛ لتشكيل ما لا يقل عن أربعة أحزاب شاملة، كالأصوليين والإصلاحيين الراديكاليين والمعتدليين، بحيث يُعلن المرشح عن برنامجه الانتخابي، ويصوت له الناس بنعم أو لا، وفق مستوى إنجازاته في خلال الانتخابات المقبلة.
وقد أثار باهنر فكرة “الجمهورية الثانية”، مستشهدًا بفرنسا التي غيرت خمس جمهوريات منذ ثورتها الكبرى للآن، وحكومات الدول المتجذرة في الأحزاب. لكن في إيران ينضم الأفراد للحكومة دون دعم حزبي، ويفتخرون كونهم ليسوا حزبيين، حتى إن البعض يُرشح بدعم حزبي، ثم ينكر عضويته بقوله “إنه مستقل”.
في السلطة القضائية، يُختار رئيسها من قبل المرشد. وما إن يعتلي السلطة، حتى يبدأ في انتقاد أداء من سبقه. ومع ذلك، يأمل باهنر في أن تكون الفكرة بصدد المناقشة بين النشطاء السياسيين؛ لتتحول إلى مطلب نخبوي وجماهيري.
ومع ذلك يرى باهنر بضرورة إقناع المرشد؛ للتوجه نحو إجازة الاستفتاء على “التعديل الدستوري” بهدف إزالة العيوب الهيكلية للنظام، لكن يبدو أن التيار الإصلاحي متخوف من استمرار تربع المحافظين على السلطة، وتهميشه بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية الماضية، لا سيما مع دعم المرشد الإيراني المباشر لرئيسي.
خاتمة
جملة ما أعلاه، أن المطالب المتمثلة في تحسين هيكلية النظام، ليست سوى شعارات، حيث لا يوجد ما يسمى بالمصالح الوطنية في سياسات النظام. والسبب أن التعطش للسلطة هو المحرك الرئيس لكل من يطالب بالإصلاح من الداخل، أما الدستور الإيراني، فهو أداة في يد النظام تتغير بتغير سياساته، أي أن دعوات إصلاحه أو حتى تعديله لا تثار إلا في حالة تقويض سلطة تيار ما على حساب غيره، وفي النهاية تبقى الغلبة من نصيب أولئك الذين يحظون بتأييد المرشد ودعمه.