لم يكن الرئيس الإيراني حسن روحاني يعرف أن حصيلة مطالبته بتوسيع صلاحياته الدستورية لمواجهة الحرب الاقتصادية الأمريكية والتصدي للعقوبات، على غرار فترة الحرب العراقية ـ الإيرانية (1980-1988)، كل هذا القدر من الانتقاد لحكمه في مانشيتات الصحف الإيرانية وعناوينها الكبرى وافتتاحياتها.
الفساد وصلاحيات الرئيس
فقبل أيام ذكّر حسن روحاني الرأي العام بأن المرشد الأول للجمهورية الإسلامية آية الله الموسوي الخميني منح الحكومة صلاحيات خاصة في ظل الحرب مع العراق حتى إن البرلمان لم يكن يستطيع التدخل في قرارات الحكومة لأنها تدير دولة حرب.
ونهضت وجهة نظر روحاني على أن إيران اليوم في حالة حرب اقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية لذا فإن على المرشد الحالي للجمهورية، آية الله علي خامنئي، التأسي بأستاذه الخميني والتنازل عن بعض صلاحياته الهائلة المخولة إليه بموجب المادة 110 من الدستور، تلك التي تجعله الصانع الأوحد للسياستين الداخلية والخارجية على حد سواء.
بطبيعة الحال فتح روحاني على نفسه جبهة من نار؛ لأن كلامه معناه رغبته في تقليص صلاحيات المرشد، لأن أي إضافة إلى صلاحيات الرئيس (يجمع روحاني وفقا للدستور بين منصبي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة معا) تعني في المقام الأول خصما فوريا من رصيد المرشد دستوريا.
هذا الأمر جعل الصحف الإيرانية تتحدث عن فساد أقارب حسن روحاني، وتحمله مسؤولية الفشل في إدارة البلاد؛ لأنه يختار المسؤولين غير الأكفاء. على سبيل المثال عنونت صحيفة “شرق” صدر مطبوعتها بـ”نفوذ خوايشاوندان در اقتصاد ايران” وتحت هذا العنوان كتبت “إن نفوذ الأقارب أثر تأثيرا كبيرا على اقتصاد البلاد” ووضعت بجوار العنوان صورة الرئيس في إشارة واضحة الدلالة إلى أن هؤلاء الأقارب هم أقارب روحاني.
جلسة لمناقشة الفساد في إيران
على غرار هذا نقلًا عن موقع “عصر إيران” عقد المجمع العلمي للسياسات الاجتماعية في جامعة العلامة طباطبائي جلسة حول وضع الفساد وطرق محاربته بالإضافة إلى وضع حاكم البلاد، في إشارة إلى الرئيس.
من جانبه أشار أحد المحاضرين بتلك الجلسة إلى الفساد الاقتصادي وظهور موجة جديدة من الفساد متمثلة في مشاركة أقرباء المسؤولين في اقتصاد الدولة. وهو ما يعيد إلى الأذهان أحداث العام الفائت وكيف كان قرار تعيين، كامبيز مهدي زاده، زوج ابنة حسن روحاني سببًا لإثارة الرأي العام.
ولم يكن مهدي زاده، موظفا حكوميا، لكن بعد زواجه من ابنة حسن روحاني؛ عُين نائبٌ لوزير الصناعة ورئيس هيئة المسح البيولوجي، على إثر هذا القرار قدم جعفر سرقيني، نائب وزير الصناعة، استقالته احتجاجًا على تعيين مهدي في هذين المنصبين بالغي الأهمية.
وقتها قال رضا رحماني، وزير الصناعة والتعدين، إن اختيار مهدي زاده كان لكفاءته وجدارته لهذا المنصب، وأن قرار التعيين ليس له علاقة بصلة النسب التى تربطه برئيس الجمهورية، وقد فتح قرار التعيين بطبيعة الحال على مهدي زاده جبهة من نار أيضا؛ الأمر الذى دفعه لتقديم استقالته لوزير الصناعة.
تعيين صهر خطيب جمعة طهران
الحالة الأخرى المشابهة لتلك الحالة هي تعيين، حسين ميرخليلي، زوج ابنة آية الله أحمد خاتمي، إمام جمعة طهران، رئيسا لمنظمة التخطيط والميزانية. وقد لقي خبر تعيينه أيضًا معارضة شديدة، وقتها صرح خاتمي بأنه لم يكن له دخل في قرار تعيينه، وذكّر الرأي العام بالانتقاد الذى طال زواج ابنته من حسين ميرخليلي وأن الغرض منه سياسي.
وواصل أحد المحاضرين حديثه قائلًا: “إن هذه الموجة ضمت أيضا أبناء المسؤولين ومشاركتهم في مختلف القطاعات الاقتصادية لهذا لا داعي للاستغراب من كم الفساد المتفشي، أقرب مثال قضية الاختلاس من بنك سرمايه، إذ اتُهِمَ المدير التنفيذي لبنك سرمايه باختلاس مليار تومان كما اتهمت المحكمة ثلاثة أعضاء سابقين فى مجلس إدارة بنك سرمايه بجرائم اقتصادية. فقد تم الاشتباه أن ٩٤ بالمئة من التسهيلات المصرفية المدفوعة لم يتم إرجاعها وهي ما تمثل ٩٤ بالمئة من صافى رأس مال بنك سرمايه MPL وهذا فى حد ذاته كارثة تهدر الاستثمارات وتدمر الأموال العامة.
وذكر موقع عصر إيران أن أحد المحاضرين فى تلك الجلسة وهو الدكتور ميكائيل عظيمي، الخبير في اقتصاديات التنمية بمؤسسة صبا لاستراتيجيات التقاعد، أشار إلى وجود نقاط مهمة من الممكن أن تساهم في فهم وتحسين الوضع الحالي، موضحا أن أحد تلك النقاط: هي السلطة القضائية، فبدون تطوير السلطة القضائية محال أن ترى الدولة أي لون من ألوان التنمية والرقي وتحسين الكفاءة.
نقطة أخرى مهمة وهى صناديق التقاعد ونظام الرفاهية بالدولة، فوفقا لقول عظيمي فإنه لو ادعينا أن تحقيق التنمية يتأتى من الرؤية طويلة المدى وتقديم مصالح الجماعة على مصالح الأفراد؛ إذن لابد من أن نعير صناديق التقاعد ونظام الضمان الاجتماعي الشامل تلك الأهمية.
على سبيل المثال ـ بحسب ميكائيل عظيمي ـ فإن وزارة العمل نشرت كتابا تحت عنوان (مبادئ الحكم الرشيد) ضمت فى هذا الكتاب ٨٨ قاعدة حول أصول الحكم فى صناديق التقاعد، و”قد قمت بدراسة تلك القواعد البالغ عددها ٨٨ قاعدة لكن للأسف لم يتم مراعاة سوي ٣٣ بالمئة فقد منها فى هذا الصندوق”.
تقيم إيران فى مؤشرات إدراك الفساد
في غضون ذلك أشار رضا تويسركان منشن، الطبيب والخبير في مجال الصحة وكان أحد الحاضرين فى تلك الجلسة، إلى فساد قطاع الصحة قائلًا: “إن قطاع الصحة ينظر له على أنه شكل من أشكال الفساد، فأكثر مظاهر الفساد شيوعًا فيه هو الدفع غير الرسمي أو بالمعنى العامي الدفع من تحت الطاولة، فمن أجل أن تحصل على خدمة طبية وصحية أفضل لابد أن تدفع أكثر، كذلك دفع الرشى للحصول على وظيفة أو الحفاظ عليها بقطاع الصحة أضف إلى هذا السرقة والاحتيال فى إعداد الفواتير وسوء استخدام كتيبات التأمين هذا غير الرشوة والاختلاس”.
علاوة على هذا هناك أخطاء في عمليات التجميل في إيران والارقام المهولة لتلك العمليات دالة على تضاعف نسبة الأخطاء، إذ يبلغ عدد عمليات تجميل الأنف التي تجرى سنويا في إيران 25 ألف عملية وفق إحصاء نقابة أطباء التجميل الإيرانية.
ويكشف الفارق الكبير بين عدد العمليات وعدد المتخصصين المسجلين في النقابة عن إجراء أطباء غير متخصصين عمليات التجميل تلك وهو ما يؤكده أحد أعضاء نقابة أطباء التجميل الذي أكد أن آلاف الأطباء من غير المتخصصين يجرون عمليات التجميل رغم أنهم غير مؤهلين طبيا لذلك، محملا مؤسسة النظام الطبي المعنية بالتفتيش والمحاسبة، المسؤولية كاملة.
الفساد الاقتصادي حصيلة نظيره السياسي
من جانبه أشار مجتبى أحمدي الناشط بالمجتمع المدني وعضو الحركة الطلابية “عدالتخواه”، وقد كان أحد الحاضرين في تلك الجلسة أن الظروف الخاصة لحرب السيتنيات ومتطلباتها قد دفع إلى نوع جديد من الحكم أدى إلى تغيير نظام الحكم بعد نهاية الحرب، واستطرد قائلًا: “إنه للأسف عملية صنع القرار كانت بسبب ظروف الحرب، فبعد ثلاث سنوات من نهاية الحرب كان أول فساد كبير يتم الكشف عنه هو ما يعرف بواقعة “٣-٢-١” أو اختلاس ١٢٣ مليار تومان من بنك صادرات إيران، وقد ارتكب هذه الجريمة فاضل خداداد وحكم عليه بالإعدام بتهمة الفساد والجرائم الاقتصادية.
بعد تلك الحادثة تم تشجيع المقربين وأصحاب النفوذ من قبل مسؤولي الحكومة على أنشطة اقتصادية لكسب المال وقد تم إيقاف مثل تلك الأنشطة من قبل المرشد العام، لكن بعضها استمر.
كما أظهرت ملفات كشف الفساد في عهد روحاني أن كل التيارات السياسية والمؤسسات الحكومية وشبه الحكومية والعسكرية متورطة في قضايا فساد ضخمة فاقت مئات المليارات من الدولارات، أضف إلى هذا منح الهدايا والأموال وتقديم المناصب والصلاحيات لعدد من المقربين لضمان وجود حلقة تدعم الحكم وتقضي على المعارضة، وهو ما يعني أن تفشي الفساد في إيران أدى إلى عدم ثقة أطياف المجتمع الإيراني بالنظام الحاكم، وفقا لأحمدي.
خاتمة
نتيجة ما أعلاه أن الاقتصاد الإيراني اليوم يعاني من حالة ركود شديدة نتيجة فرض العقوبات الأمريكية وفشل الحكومة فى تقديم حلول فعالة للخروج من الأزمة بل أصبح الحفاظ على المناصب هو الهاجس الوحيد الذي يشغل أغلب المسؤولين في الدولة.
ويعزي عدد من الخبراء الإيرانيين سبب الفشل في علاج الفساد إلى تسليط الضوء على القشور الظاهرة للعيان مثل العقوبات الدولية وغيرها، بالرغم من أن حقيقة الأمر تقتضي قول إن الفساد متأصل فى بنية النظام الإيراني؛ لهذا لابد من تقديم حلول لمعالجة الفساد من جذوره، لكن هذا الأمر صعب، خاصة أن النظام الإيراني يعمل على التعتيم على قضايا الفساد بعد أن أصابت رموزه.