يُعد الملف النووي الإيراني من أبرز الملفات المطروحة تلك التي تتصدر المشهد السياسي والإعلامي باستمرار على نحو يبدو الأمر معه وكأنه إعادة ترتيب للتهديدات الأمنية على المستوى الدولي بحيث يصبح الخطر الإيراني هو المُسيطر على المشهد الأمني في الشرق الأوسط بصفة مستمرة.
تسعى هذه المقالة إلى عرض موقف إسرائيل من تطورات الملف النووي الإيراني في ضوء مفاوضات فيينا والجدل حول احتمالات المواجهة بين إسرائيل وبين إيران في ضوء تشدد الأولى ورغبتها في حسم الموقف لصالح رؤيتها الخاصة إزاء توازنات القوى في المنطقة.
الموقف الإسرائيلي من مفاوضات فيينا
ينطلق الموقف الإسرائيلي حيال مفاوضات فيينا المتعلقة بمحاولة إعادة إحياء الاتفاق النووي من أن السلاح النووي ــ في حال امتلاك إيران له ــ سيكون بمثابة خطر استراتيجي على إسرائيل، الأمر الذي ينسحب بالضرورة على عدة محاور منها التمركز العسكري الإيراني وتصاعد نفوذ طهران في عدد من ملفات الشرق الأوسط الأكثر سيولة، وتطور القدرات القتالية والتكافؤ النسبي بين الدول بالمنطقة.
فمن المُتعارف عليه أن إسرائيل تُعلق دوماً أهمية رئيسة على وقف طهران تخصيب اليورانيوم كشرط لا يمكن التنازل عنه لاستمرار المحادثات.
وقد أشار المفاوضون إلى حدوث تقدم طفيف في المباحثات الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي مع طهران، مُشددين على ضرورة استئناف التفاوض في أسرع وقت تجنباً للفشل وعرقلة الجهود المبذولة وذلك في خلال المفاوضات التي جرت في ديسمبر الماضي ضمن إطار الجولة السابعة من تلك الآلية.
ومن المنظور الإسرائيلي، سبق وأن طلب رئيس الوزراء نفتالي بينيت، من الولايات المتحدة الأمريكية وقفاً فورياً للمحادثات، وأشار إلى أن إيران تُقدم على “ابتزاز نووي” كنوع من المناورات الخاصة بالتفاوض.
من ثم فإن الرد المناسب ــ وفقا لمنظور تل أبيب ــ يكون بوقف التفاوض واتخاذ خطوات صارمة من قبل الدول الكبرى المُشاركة في المباحثات.
وارتبط موقف إسرائيل المشار إليه بالشواهد التي تؤكد استمرار إيران في مواصلة تطوير برنامجها النووي بصورة مُغايرة لأسس الاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
التصعيد الإسرائيلي ــ الإيراني
يري بعض المحللين أن إسرائيل تتفهم أن الولايات المتحدة ستتخذ قرارها بشأن كيفية التعامل مع الملف الإيراني استناداً إلى تقييم الحكومة الأمريكية لمصالح واشنطن، حتى لو كان ذلك يعني اتخاذها موقفاً يتعارض مع الرؤية الإسرائيلية لأسلوب التعامل المطلوب.
في ضوء ما سبق، تصاعدت التصريحات والتهديدات بين إسرائيل وبين إيران، إذ سبق وأشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى “انتهاء زمن الجلوس بكل راحة في طهران وإشعال الشرق الأوسط بأسره”، وقوله “إن إيران تعلم ما هو الثمن عندما يُهدد أحد أمن إسرائيل، ويستحيل التعامل مع إيران نووية”.
وعلى الجانب الإيراني ــ على سبيل المثال ــ صرح محمود واعظي مدير مكتب الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني (في العام الماضي) أن إسرائيل تسعي لحرب نفسية ضد إيران مع افتقارها لخطة واضحة.
تتضارب التكهنات والتصريحات التي تُعطي مؤشرا عن احتمالية المواجهة العسكرية بين الطرفين، ومن ذلك أن بعض المواقع الاخبارية نقلت عن صحيفة يسرائيل هايوم العبرية في شهر ديسمبر الماضي “أن الكنيست وافق على إضافة مالية لدعم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بأكثر من ملياري دولار استعداداً للمواجهة المُحتملة مع إيران”.
من جهة إيران انطلقت بعض التصريحات التي لا تنفي المواجهة، ولكنها تستند للقوة من خلال القول إن “إسرائيل يمكن أن تبدأ حرباً ضدها، لكن هي (إيران) التي ستقوم بإنهائها”.
تتمثل المصلحة الرئيسة لطهران وهدفها الأول في رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، وقد سبق وأشار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى “أن طهران جادة في مباحثاتها مع القوى الكبرى، وأنه إذا اتسم أطراف المفاوضات بالجدية بشأن رفع العقوبات، فسوف يتم التوصل إلى اتفاق جيد “خاصة أن إيران تعلن دوماً عن التزامها ودورها الإيجابي في الاتجاه نحو التفاوض”.
وذلك على الرغم من تصاعد الانتقادات للخطوات المتسارعة للبرنامج النووي الإيراني وأنها وصلت لنقطة تُفرغ الاتفاق الموقع عام 2015 من مضمونه.
الجدل الداخلي في إسرائيل
تتبع السياسة دوماً أسلوب مراجعة المواقف بصفة مستمرة في إطار مقتضيات المصلحة، كما تتعدد المواقف داخل النظام الواحد بطبيعة الحال، فقد تداولت الأنباء عن رأي رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية الذي قام بإعلانه للمجلس الوزاري الأمني المُصغر، ويتمثل في “أنه من الأفضل لإسرائيل التوصل إلى صفقة بين القوى الكبرى وإيران بشأن الاتفاق النووي، وذلك أفضل من انهيار المحادثات وعدم التوصل لنتائج توافقية”.
واعتبر بعض المحللين أن ذلك الموقف بمثابة تحول في إطار المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على الرغم من الحملات التي تشنها إسرائيل ضد اتفاق ايران النووي لعام 2015، لكن من جانب آخر توجد توجهات داخل النظام أكثر تشدداً وتأكيداً على أهمية استثمار الوقت في الحوار مع الولايات المتحدة حول محتويات الاتفاق مع إيران.
بالتالي يُمكن القول إن الملف النووي الإيراني يُعد عالقاً بين التصريحات والتوقعات والتوجهات المتضاربة بين المُعلن والمسكوت عنه أو ما يدور بين الأطراف المعنية بعيداً عن دائرة الضوء.
فكثيراً ما تثور شكوك في أذهان من يربطون بين أحداث الماضي والحاضر في السياسة الدولية عن حقيقة موقف الولايات المتحدة الفعلى من طهران وبرنامجها النووي، وهل كان سيعوقها شيء إذا ما أرادت منذ زمن قمع الخطوات التي اتخذها النظام الإيراني في هذا الصدد.
خاتمة
بالرغم من المهنية التي اتسم بها عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية منذ إنشائها عام 1957، فإن المصالح السياسية لعدد من الدول الكبرى وإسهاماتها في ميزانية الوكالة، تؤثر ولا شك في التقارير الفنية الأخيرة الصادرة عن السكرتارية التنفيذية للوكالة.
ولعل هذا هو الوضع المتعارف عليه في كل المؤسسات والهيئات الدولية الكبرى المتعلقة أو المتداخلة مع مصالح وارتباطات الدول الكبرى؛ ما يُفاقم بالضرورة من عدد علامات الاستفهام المطروحة عن تفاصيل القضية برمتها.
ومما لا شك فيه أن تداعيات الملف النووي الإيراني مهما تفاقمت فلن تؤثر على نحو جذري على أسس التفاهم الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وبين إسرائيل، كما أن المخاوف الإسرائيلية من الملف النووي تتصل بتداعيات أكبر خاصة بنمو النفوذ الإيراني في عدة دول رئيسة بالشرق الأوسط، وما تُساهم به “القوة النووية” في حالة الحصول عليها في تدعيم للموقف الإيراني من ما يعرف بـ”حركات المقاومة” في المنطقة العربية، وهو ما لا تريده إسرائيل من حيث نتائجه المتوقعة التي قد تُغير من معادلات المشهد السياسي الإقليمي والدولي وتوازنات القوى على نحو مغاير لمصالحها.