قررت السلطات الفرنسية تعليق إرسال سفيرها الجديد إلى إيران، بعد ساعات من اتهام المخابرات الفرنسية، وزارة المخابرات الإيرانية، بالوقوف وراء هجوم أحبطته السلطات كان يستهدف مسيرة لجماعة معارضة إيرانية في المنفى بالقرب من باريس في يونيو الماضي، كما جمدت أصول إدارة الأمن في الوزارة الإيرانية وإيرانيَّين أحدهما الدبلوماسي أسد الله الأسدي، الموقوف لاتهامه بأنه على صلة بمخطط الاعتداء في فيلبنت، في سلسلة من الخطوات التصعيدية الفرنسية ضد إيران، احتجاجا من جانبها على سلوك الأخيرة السياسي والأمني، فما الذي يمكن أن نفهمه ونستقرأه من هذا التطور؟ خبراء وباحثو “المنتدى العربي لتحليل السياسات ـ أفايب” يجيبون عن هذا السؤال.
د. محمد مجاهد الزيات | كبير المستشارين الأكاديميين بـ”المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب” ـ متخصص في الشؤون الاستراتيجية
من الطبيعى أن تقوم أجهزة المخابرات بعمل شركات ومؤسسات ومكاتب كغطاء تمارس تحته الأعمال الاستخبارية إلا إنها لا تكون من خلال استثمارات كبيرة فى معظم الأحيان لأنها تدرك أنها سوف تُكتَشف وتُصَادر.
وعندما يكون النظام الإيراني متابَعا بدقة من أجهزة المخابرات الأوروبية والأمريكية يصعب أن تتمكن مخابرات إيران من إنشاء مؤسسات بسهولة لكن يمكن أن تعمل من خلال مؤسسات لبنانية أو عراقية أو غيرها ولكن لتنفيذ مهام محدودة مثل غسيل الأموال أو شراء المعدات المحظورة.
فى تقديري أن الخطوة الفرنسية سياسية بالدرجة الأولى وتوجه رسالة هادئة لإيران أنه بالرغم من رفضها القرار الأمريكي من الاتفاق النووي إلا إنها تعارض البرنامج الصاروخى والممارسات الإيرانية في المنطقة وهي بذلك تقترب نسبيا من الموقف الأمريكي وتخاطب دول الخليج المعنية.
الخطوة الفرنسية على النحو السابق رغم محدودية عائدها الفعلي على المخابرات الإيرانية إلا إنها قد تتضمن رسالة غير مباشرة تنبه إيران إلى أن أنشطتها الاستخباراتية غير المباشرة والمستترة مرصودة ويمكن أن يتصاعد الموقف مستقبلا بشأنها.
من ناحية أخرى فرنسا تبدى اهتماما مكثفا مؤخرا بتطورات الأزمة السورية وتسعى إلى الاتفاق على تشكيل لجنة دستورية للإعداد للمرحلة الانتقالية ويوجد تباين بين الموقف الفرنسي والموقف الإيراني بهذا الخصوص وبالتالي يمكن أن تكون الخطوة الفرنسية فى مجال ممارسة الضغوط على إيران لتطويع موقفها بهذا الشأن.
محمد محسن أبو النور | مؤسس ورئيس “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب” ـ متخصص في الشؤون الإيرانية
لم يعد لفرنسا ما تخسره في الساحة الإيرانية بعد مواقف طهران المتحجرة تجاه الاتفاق النووي وخروج شركات باريس الكبرى من إيران، فبعد 3 أشهر من إحباط هجوم إرهابي ضد مؤتمر للمعارضة الإيرانية على الأراضي الفرنسية، في نهاية يونيو الماضي كشفته السلطات البلجيكية في مدينة أنتويرب المطلة على بحيرة تحمل الاسم نفسه إلى الشمال من العاصمة بروكسل، جمدت السلطات الفرنسية أصول الاستخبارات الإيرانية في باريس بعد عدم تلقيها جواباً مقنعاً من الرئيس الإيراني حسن روحاني حول التحقيق، وهو ما يعني خروج التوتر الدبلوماسي والسياسي الإيراني ـ الفرنسي من حيز التصريحات الدعائية إلى حيز القرارات الفعلية، خاصة أن إيران أقدمت على خرقين بائنين للخطوط الحمر الفرنسية في ملفين جوهريين بالنسبة لدوائر صنع السياسات العليا بالإليزيه.
الخرق الأول يتمثل في مواصلة إيران تطوير برنامجها الصاروخي الباليسيتي، وهو من الأمور التي تتفق فيها الإدارتين في باريس وواشنطن وكل الإدارات الأوروبية الأخرى، كونه مزعزع للاستقرار في الإقليم، ولم تكتف إيران بذلك بل أطلقت عدة قذائف صاروخية من محافظة كرمنشاه بداخل إيران إلى مواقع في مدينة البوكمال بدير الزور في سوريا، وهو ما عنى لدى فرنسا أنها رسالة موجهة إليها كون الساحة السورية إحدى نقاط التمركز الاستراتيجي والنفوذ التاريخي لها.
الخرق الثاني هو الدعايا السياسية التي تروجها المراكز الشيعية الإيرانية في باريس لحزب الله، الذراع السياسية والعسكرية لإيراني لبنان، وأبرزها مركز الزهراء وهو أحد المراكز الشيعية الرئيسية في أوروبا، ويضم عدة جمعيات، من بينها “حزب مناهضة الصهيونية” و”الاتحاد الشيعي الفرنسي” و”تلفزيون فرنسا ماريان تيلي”. وعليه أرادت فرنسا التعبير بشكل صارخ عن امتعاضها من السياسات الإيرانية في هذا الصدد، خاصة أن حزب الله يصنف إرهابيا في باريس فضلا عن أنه يشكل خطرا كبيرا على المصالح الفرنسية في لبنان، على اعتبار أن لبنان من مناطق النفوذ التاريخية لدى فرنسا.
على هذا النحو أرادت فرنسا توجيه رسالة واضحة إلى النظام الإيراني، وهي أنه بالرغم من التعارض الفرنسي ـ الأمريكي حول مسألة العقوبات والخروج من خطة العمل الشاملة المشتركة “الاتفاق النووي” إلا أن هذا الموقف لا يناقض الموقف الفرنسي الثابت تجاه رفض السلوك الإيراني في الإقليم ومواصلة تطوير قوات الجو ـ فضاء التابعة للحرس الثوري، برنامج الصواريخ الباليستية.
د. نسرين مصطفى | عضو مجلس الخبراء بـ”المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب” ـ متخصصة في تحليل السياسات
كما هو متوقع فإن حادث منصة الأحواز سيكون له صدى قويا على المعارضة الإيرانية خارج إيران خاصة في أوروبا وفي فرنسا على وجه التحديد فربما يعيد التاريخ نفسه فالنظام الإيراني يخشي المعارضة في فرنسا تلك التي كانت نقطة انطلاق الثورة الإسلامية الإيرانية، وكانت مأوى آية الله الخميني ذاته في صراعه المحتدم مع الشاه قبيل نجاح الثورة.
فحادث الأحواز سيكون نقطة لانطلاق النظام الإيراني لمحاولة القضاء علي المعارضة في الخارج كما أنه أظهر قدرات إيران الاستخباراتية الضعيفة ولذلك تعمل إيران على العمل بالطاقة المخابراتية القصوى مستخدمة أذرعها الأمنية والسياسية في أوروبا لمحاولة تعويض الخسائر الفادحة التي تكبدتها في عملية الأحواز.
غير أن هذا لا يمكن أن يتم من دون رغبة الدولة الفرنسية التي ترفض القيام بعمليات نوعية على هذا النحو في أراضيها، وعلى ما يبدو فقد كانت إيران ترمي من وراء تنشيط خلايها الاستخبارية إلى لي ذراع أوروبا كإجراء ضغطي مضاعف للحصول على مواقف أكثر عملية قبل أسابيع قليلة من دخول الحزمة الثانية والأكثر قسوة من العقوبات الأمريكية عليها.
محمد خيري | باحث مقيم بـ”المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب” ـ متخصص في الشؤون الإقليمية
لجوء اللاعب الفرنسي في هذا الظرف تحديدا إلى التصعيد مع إيران يؤكد أن دول الاتحاد الأوروبي لن تستمر في دعمها للنظام الإيراني لفترة طويلة، وأن استمرارها في الدعم وإعلان ذلك ربما يكون له علاقة بالمصالح المباشرة لدول معينة مع طهران في تلك الفترة الحرجة من عمر نظام ولاية الفقيه.
خاصة أن شركات فرنسية بالتحديد أعلنت عن انسحابها باستثماراتها من إيران فور إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، وكانت أبرز الشركات المنسحبة شركتي إيرباص العاملة في مجال الطيران، وشركة توتال العاملة في مجال النفط، فضلا عن الشركات الأخرى العاملة في مجال صناعة السيارات والشحن والفندقة.
وفي شرح أبعاد ذلك، فإن دول الاتحاد الأوروبي مستمرة ـ لفترة وجيزة ـ في التعامل مع طهران لعدة أسباب أبرزها أن طهران تصدر لـ10 دول أوروبية وأسيوية نحو 2 مليون برميل من النفط الخام يوميًا، وحاليًا أعلن عدد من الدول الأوروبية عن تقليص حجم وارداتها من النفط الإيراني وكان من ضمنها شركات نفطية فرنسية، بعد أن كانت تستورد فرنسا 110 ألف برميل نفط من إيران يوميًا.
ولذلك فإنه بإعلان فرنسا تجميد أصول الاستخبارات الإيرانية لديها سواء كانت لشركات مدنية أو غير ذلك فإن هذا يمثل نوعًا من أنواع التخلي المقصود عن دعم النظام الإيراني، وخشية سطوة العقوبات الأمريكية السابقة واللاحقة لذلك القرار.