أدلى رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية “أفايب”، محمد محسن أبو النور، بحوار صحفي مقتضب لصحيفة “الخبر” الجزائرية ـ واسعة الانتشار ـ تعليقا على نتائج الانتخابات البرلمانية الإيرانية تلك التي جرت يوم الجمعة 21 فبراير الراهن. ونشرت الجريدة الحوار الذي أجرته مراسلتها من القاهرة سهام بورسوتي، في عددها الصادر صباح أمس الإثنين.
وإلى نص الحوار…
كيف تقرأ نتيجة الانتخابات الايرانية؟
يمكن قراءة فوز المحافظين في الانتخابات البرلمانية في إطار أساسي وهو رغبة مجلس صيانة الدستور الذي يتحكم فيه علي خامنئي تقريبا بعدم وكود أي صوت معارض غير محافظ في البرلمان المقبل، نظرا لأن إيران في حالة عداء وصراع حاد مع الولايات المتحدة الأمريكية، وخامنئي يقدر الموقف بأن أمريكا تستفيد من أي صوت معارض أو إصلاحي في الداخل وتبني عليه المزيد من العقوبات وما إلى ذلك، بحكم أن النظام به معارضة داخلية.
إذن علي خامنئي أراد أن يكون البرلمان بالكامل من المحافظين، وهو ما يعني أننا أمام ما بين ٨٠% إلى ٩٠% من المحافظين والباقي أصوات في الظل يمكن أن تستقطب إلى فئة المحافظين باستثناء الكوتات المفروضة للمسيحيين واليهود والزراديشت في هذا البرلمان وفقا لحصص دستورية يحصل عليها نواب عن هذه الطوائف الدينية.
لماذا فاز المحافظون برأيك؟
فاز المحافظون لأن مجلس صياغة الدستور تقريبا لم يعط الأهلية لتسعين بالمئة من الإصلاحيين كما أن قوائم الإصلاحيين والقوميين والتكنوقراط المستقلين الذين كانوا ينزلون الانتخابات لم تنل أيضا الأهلية الدستورية الضرورية لخوض الانتخابات؛ لدرجة أنه في بعض الدوائر كانت القوائم المحافظة تنجح بالتزكية لعدم وجود أي قائمة منافسة من الإصلاحيين أو أي طرف آخر.
هذا فيما يتعلق بالفوز، أما الأمر الثاني فهو ضعف الإقبال الشديد من قبل الناخبين الإيرانيين تقريبا نسبة الحضور الرسمية ٤٢ بالمئة، وهذا الرقم صغير جدا بحكم أنه من المفترض أن الذي يحق له الانتخاب نحو ٥٨ مليون نسمة، لكن الذين ذهبوا هم تقريبا بين ٢٣ و٢٤ مليون وهذا أقل من نصف الأعداد المسجلة في قوائم الناخبين، وهذه كارثة بحكم أن المواطنين الإيرانيين لا يَرَوْن أية فائدة وأية جدوى من هذه الانتخابات.
الأمر الثالث والذي أثر تأثيرا بالغا على حضور الناخبين هو الرهاب والهيستريا من تفشي فيروس كورونا، لا سيما وأن هناك أكثر من ١٣ حالة وفاة حتى الآن في عدد من المدن المركزية في إيران، وبالتالي خشي المواطنون من أنهم إذا تزاحموا أمام صناديق الاقتراع فقد تنتقل العدوى من أو إلى أحدهم؛ لذلك أحجموا عن الذهاب إلى هذه الانتخابات.
ماهي التحديات التي سيواجهها البرلمان داخليا وخارجيا؟
هذا سؤال مهم وجوهري لأن التحديات التي ستواجه البرلمان المقبل سوف تكون تحديات جسام بحكم أن القائمة الأكبر في طهران هي قائمة الرجل المحافظ جدا محمد باقر قاليباف رئيس البلدية الأسبق والجنرال السابق في الحرس الثوري، وهو في تلك الحالة قد يكون مؤهلا لتولي منصب رئيس البرلمان حتى يفسح المجال لعلي لاريجاني أن يصبح رئيسا للجمهورية، وهو ما سينعكس على القرار بالغة التشدد التي سيتخذها المجلس حال أصبح قاليباف رئيسا له.
داخليا سوف يواجه هذا البرلمان صعوبة كبيرة جدا في تعامله مع الحكومة الإيرانية، صحيح أن حسن روحاني أمامه تقريبا أكثر من عام حتى يغادر الرئاسة، لكن خلال هذه الفترة سوف يواجه تحديات، لأن حسن روحاني لديه تناقض كبير جدا مع بعض التوجهات مع كثير من قيادات قادة القوائم المحافظة المفترضة في هذه الانتخابات وعلى رأسها محمد باقر قاليباف ومصطفى مير سليم.
أما التحدي الآخر فهو أن يقنع هذا البرلمان المجتمع الداخلي والأصوات الداخلية والأحزاب والصحافة والإعلام ومراكز الدراسات بأنه برلمان حقيقي منتخب من الشعب مع العلم مثلا بأن رجلا إصلاحيا شهيرا جدا مثل علي مطهري المقرب من روحاني ونجل آية الله مطهري، أحد منظري الثورة الإيرانية، لم يحظ بأهلية مجلس صيانة الدستور وهو أمر مخل جدا أن يكون رجلا مؤمنا بمبادئ الثورة الإيرانية وبخامنئي وبولاية الفقيه ورغم كل هذا التاريخ الطويل في العمل السياسي لا يجاز دخوله إلى الانتخابات، وهذا طبعا فاجعة بالنسبة للداخل الإيراني.
كما أن التحدي الكبير هو الثقة المفقودة الآن من جانب الشعب الإيراني وبعض وسائل الإعلام ومراكز الدراسات لهذا البرلمان كونه برلمانا تم تفصيله تماما حتى يخدم الأهداف الاستراتيجية للمرشد والنظام فيما بعد خامنئي، وهذا طبعا في حالة وفاة علي خامنئي وبالتالي يكون هذا البرلمان قادرا بشكل أو باخر على دعم إبراهيم رئيسي لمنصب ولاية الفقيه، أو الولي الفقيه في النظام الإيراني.
خارجيا سوف يواجه البرلمان تحديات كبيرة لأنه سوف يكون برلمانا سيّء الصيت فيما يتعلق بالعلاقات مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا مع الأطراف والشركاء الإقليميين.
بكل الأحوال أرى أن النظام الإيراني خسر جدا من أنه أخرج هذه العملية الانتخابية بهذه الصورة، من حيث أنه برلمان يشبه كثيرا ـ وأنا أحب أن أقارن دائما بين مصر وإيران ـ برلمان أحمد عز في خريف ٢٠١٠ بالقاهرة، هذا البرلمان الذي كان سببا في نشوب ثورة ٢٥ يناير 2011، والمجتمع المصري ثار على برلمان أحمد عز لأنه كان برلمانا من صوت واحد أقصى كل الأصوات المعارضة ولم ينتخب إلا رجال الحزب الوطني، وهذا تماما ما يفعله خامنئي بطهران؛ ما ينذر بكارثة قد تكون أقرب من أي وقت مضى على حياة هذا النظام السياسية بالكلية.
حوار محمد محسن أبو النور لصحيفة الخبر الجزائرية حول الانتخابات البرلمانية