انتهت الاحتفالات العسكرية بمناسبة الذكرى الثامنة والثلاثين لبداية الحرب الإيرانية ـ العراقية (1980- 1988) بهجوم مسلح قاده مجموعة من المهاجمين الذين فتحوا النار على المشاركين في العرض العسكري الذي أقليم في مدينة الأحواز في جنوب غربي إيران. من بين الضحايا ليس فقط ممثلين عن الجيش والخدمات الخاصة من إيران، بل قدامى المحاربين في هذه الحرب حيث أطلق أربعة ملثمين يرتدون الزي الرسمي لأعضاء الحرس الثوري الإيراني النار على المشاركين في العرض، قبل أن تتمكن الأجهزة الإيرانية الخاصة من تصفية اثنين منهم واحتجاز اثنين آخرين.
في إيران تسمى الحرب مع العراق بـ”الدفاع المقدس”، فهذه الحرب أصبحت واحدة من أكبر الحروب في النصف الثاني من القرن العشرين، وأطول الحروب زمنا في القرن بالكامل، بدأت هذه الحرب في 22 سبتمبر 1980 عندما استولى جيش العراق على محافظة الأحواز الإيرانية الغنية بالنفط. على المستوى العسكري، انتهت الحرب دون نصر واضح لأي من الطرفين. ووفقاً لتقديرات مختلفة، بلغت خسائر إيران، بما في ذلك السكان والمدنيين نحو 188 ألف شخص.
بالنسبة للنظام السياسي في إيران الحديثة، والذي نشأ بعد الثورة الإسلامية عام 1979 فإن ذكرى هذه الحرب لها أهمية إيديولوجية كبيرة. فتستخدمها سلطات إيران لتوطيد أواصر المجتمع وإظهار قوة الروح الثورية. فالحرب مع نظام صدام حسين كانت اختبارًا جديًا للجمهورية الإسلامية الشابة في وقتها. ومن خلال هذا الصراع المسلح تشكلت النخبة الحاكمة في إيران، التي يشغل ممثلوها الآن مناصب رئيسة في الجيش والحرس الثوري الإيراني.
بشكل تقليدي، ألقت القيادة الإيرانية باللوم على إسرائيل والولايات المتحدة وما وصفتهم بـ”أنظمة الدمى” في الشرق الأوسط بالتسبب في وقوع هذا الهجوم. على الرغم من أن تنظيم داعش الإرهابي قد أعلن مسؤوليته عن الحادث، حتى إن أفراد من التنظيم الإرهابي قاموا بنشر شريط فيديو على شبكة الإنترنت وبه إرهابيين متنكرين في هيئة الحرس الثوري الإسلامي.
أهداف هجوم الأحواز
أولا: التأثير النفسي فصورة تلفزيونية تظهر الجنود الإيرانيين يسيرون مع وجوه تظهر الشجاعة ورباطة الجأش، ثم فجأة تتغير الصورة، لنرى هؤلاء الجنود وجوهم مذعورة ويفرون من المشهد خوفا. يؤثر سلبا على حالة النفسية العامة لدى القوات فضلا عن المجتمع ككل، بعد أن اختفت كل القوة العسكرية في ثوان، تاركة وراءها مشاهد الخوف. فهذا هو إشارة مباشرة إلى القيادة والمخابرات الإيرانية: “أنت تتقدم للحصول على دور قيادي في المنطقة، لكنك لا تستطيع حتى توفير أمن جنودك داخل حدودك”.
ثانيا: إظهار عجز الخدمات الاستخباراتية الإيرانية، فعملية الأحواز، على ما يبدو ناتجة عن تقصير أمني واضح داخل المخابرات الإيرانية. فطبقا للرواية الرسمية، فإن المهاجمين استعدوا مسبقا في مكان ما داخل الحديقة بالقرب من مكان العرض العسكري، قبل أن يفتحوا النار على العرض العسكري.
على هذا النحو تقود الأحداث إلى التفكير فيما حدث في شهر مايو الماضي، عندما عرض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نسخ طبق الأصل من وثائق تخص الملف النووي الإيراني. ووفقا لرئيس الدولة اليهودية فإن صفحات هذه الوثائق تصل إلى 55 ألف صفحة من داخل أرشيف برنامج تطوير الأسلحة النووية يسمى “مشروع العمد”.
وقد حصلت أجهزة الأمن الإسرائيلية على هذه الملفات في يناير عام 2018، عندما كانت تجتاح الاحتجاجات جميع أنحاء إيران. إذا كانت المواد التى قدمها نتنياهو، ليست مزيفة، هنا يظهر السؤال الذي يطرح نفسه: كيف استطاع الموساد نقل هذه الملفات من الأراضي الإيرانية؟! وهنا تكون الإجابة واحدة، أطراف من داخل المخابرات الإيرانية نفسها ساعدت الموساد في ذلك، مثل هذا العمل المتعمد بلا شك يجلب نهاية لنظام آيات الله.
ثالثا: توجيه ضربة لـ”طريق الحرير” الصيني، فلماذا اختار المهاجمون الأحواز للهجوم؟ بالإضافة إلى الفرضية التي تقول إن الهجوم كان محاولة لشحذ الخلافات على أساس عرقي بين العرب (الأغلبية في المنطقة) وطهران، يجب هنا أن ننتبه إلى نقطتين. أولا، الاحتجاجات التي نشبت على مدار عام 2018 في الأحواز على فترات متفاوتة. تلك التي كانت بسبب سوء نوعية مياه الشرب. فطالب المتظاهرون بتغيير النظام في البلاد. دعا المتظاهرون في خطبهم لـ”ثورة العطش”. فنظام تحلية المياه لا يسمح بإمدادات المياه بشكل مستقر للسكان في المنطقة. ثانيا، من الضروري الإشارة إلى الأحداث التي وقعت في بداية سبتمبر في الجانب الآخر من الحدود العراقية ـ الإيرانية. وذلك من خلال احتجاجات “البصرة” التي بدأت 3 سبتمبر، وفيها أحرق المتظاهرون مبنى القنصلية الإيرانية.
فهجوم الأحواز، بالإضافة لحرق القنصلية الإيرانية في البصرة يستهدف بأي حال مشروع لبناء خط سكة حديد من إيران عبر العراق وسوريا ثم البحر الأبيض المتوسط. إن معركة السيطرة على خطوط المواصلات هي السبب الأساسي للأحداث في هذه المنطقة.
ففي 18 أغسطس الماضي حضر نائب وزير الطرق والتنمية الحضرية أمير أميني، اجتماعا اقتصاديا في دمشق. وكانت نتائج هذا الاجتماع تتمثل في قرار بشأن إبرام اتفاقية استراتيجية بين دمشق وطهران على التعاون الاقتصادي. يتمثل في ربط السكك الحديدية الإيرانية بالشبكة العراقية، ومن ثم إلى الموانئ السورية على البحر المتوسط الذي من شأنه أن يقلل الاعتماد وتقييد التجارة وتسهيل السياحة الدينية بين الدول الثلاث. وإنشاء حركة السكك الحديدية بين الخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط عن طريق البصرة إلى البو كمال، ومنها إلى محافظة دير الزور.
ووفقا له لأميني فإنه إذا تم إنشاء شبكة السكك الحديدية هذه بين الدول الثلاث، فإن الخطوة المهمة التالية ستكون ربط السكك الحديدية الصينية عبر إيران والعراق وسوريا ثم البحر الأبيض المتوسط. بالنسبة للصين، سيكون المسار السوري بديلاً عن تركيا. ومن المخطط أن يبدأ مشروع السكك الحديدية بين إيران والعراق وسوريا من مدينة خُرّمشهر الإيرانية في إقليم الأحواز عبر الميناء الرئيس في البصرة إلى سوريا والبو كمال.
يمكن أن يتناسب هذا المشروع مع شبكة “طريق الحرير الجديد”. لذلك فإن التفكير في دمج النظام الإسلامي الإيراني في مشروع النقل العالمي، الذي يعد بإيرادات مستقرة، أمر غير مقبول لدى إسرائيل والولايات المتحدة (على وجه التحديد وكالة المخابرات المركزية)، وتركيا.
ومن الجدير بالذكر، أنه عشية الهجوم في 21 سبتمبر قامت القوات المسلحة الإيرانية بمناورات بالقرب من مضيق هرمز. هذه المناورات السنوية وتوقيتها يتوافق مع ذكرى “الدفاع المقدس”. مع الأخذ في الاعتبار تصريحات القيادة الإيرانية بشأن إغلاق المضيق في حال فرض حظر كامل على تجارة النفط، في هذه الحالة من الممكن أن تكون تلك المناورات لأعداء إيران هى القشة الأخيرة في قرار “معاقبة” الجمهورية إسلامية.
ما هي النتائج التي يمكن أن تستقيها النخبة الإيرانية من الأحداث المأساوية في الأحواز؟ هناك حاجة لتنظيف كبير…
ـــــــــــ
كتب كيريل دجافلاخ التقدير حصرا لصالح “المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية ـ أفايب”.
نقله من الروسية إلى العربية: د. عمرو الديب.