بعد اختياره ضمن تشكيلة الحكومة الجديدة، وفي أول مؤتمر صحفي له، وقف وزير الدفاع الماليزي، محمد سابو، الشهير بـ”ماتسابو”، ليعلن عن عزمه إلغاء مشروع مركز الملك سلمان للسلام الدولي، الذي يتلقى دعما من مركز الحرب الفكرية التابع لوزارة الدفاع السعودية، إيذانا ببداية مرحلة جديدة، تبدل فيها بلاده خريطة علاقاتها وتحالفاتها، وتسلك مسارا جديدا، يثير جدلًا يتردد صداه في أنحاء العالم الإسلامي.
توجهات مهاتير محمد
فقد استغل ماتسابو، التوجهات الاستقلالية لمهاتير محمد، رئيس الحكومة الجديد، في فك ارتباط بلاده بالمملكة العربية السعودية، ولقى دعما كبيرا في خطواته، التي تبدو كأنها نكاية في الحكومة السابقة التي كان يُطلق على رئيسها لقب “رجل السعودية والإمارات”، والذي انهارت شعبيته أساسا بسبب الشبهات التي طالت علاقاته بالدولتين، واتهامه بتلقي تمويل منهما، إذ لاحقه خصومه قضائيًا بتهمة الفساد، وضربوا على هذا الوتر بكل قوة حتى تمكنوا في النهاية من إزاحة الحزب الحاكم عن السلطة في سابقة لم تحدث منذ استقلال البلاد عام 1957.
كما تخلى الوزير الجديد عن عضوية بلاده في التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وفي 28 يونيو الماضي، أعلن قرار سحب قواته من الرياض، الموجودة هناك على خلفية النزاع الدائر في اليمن، قائلا “لا نريد أن نكون جزءا من النزاع بين السعودية والبلدان المجاورة لها”، رغم أن القوات الماليزية لم تشارك في العمليات القتالية بشكل مباشر، وتلقى على هذه الخطوة ثناءً كبيرا من زعيم “حزب الله” اللبناني، حسن نصر الله، المنصف في قوائم الجماعات الإرهابية، الذي دعا دول العالم الإسلامي لتحذو حذو الماليزيين.
وفي السابع من أغسطس الماضي تم بالفعل إغلاق مشروع مركز الملك سلمان للسلام الدولي (KSCIP)، من دون أي نقاش مع المملكة، بعد حوالي عام ونصف العام على افتتاح العاهل السعودي له خلال زيارته للبلاد، وتم إسناد مهامه لمعهد الدفاع والأمن التابع للجيش الماليزي.
وتوقفت أعمال الإنشاءات في المركز الذي خُصصت له مساحة 40 فدانا في العاصمة الإدارية “بوتراجايا”، وأنشئ بهدف تنسيق جهود أجهزة المخابرات للتصدي للتيارات الدينية المتشددة، وكان من المنتظر أن يكون مركزا إقليميا مهمًا يمتد تأثيره إلى دول جنوب شرق آسيا، ولا يقتصر تأثيره على ماليزيا فقط.
اتهامات بالتشيع
ويواجه ماتسابو اتهامات من قبل معارضيه، بأنه ينفذ أجندة إيرانية، وتنتقد المعارضة الماليزية زياراته المتكررة لطهران وبيروت، وعلاقاته بالرموز الشيعية، وبرغم نفيه اعتناق أي مذهب غير مذهب أهل السنة والجماعة، إلا أن معارضيه يتهمونه باستخدام الـ”تقية” لإخفاء معتقده الحقيقي، هربا من الملاحقة القانونية، نظرا لحظر التشيع الإثنى عشري داخل ماليزيا منذ عام 1996، بعد قرار المجلس الوطني للفتوى باعتبار الطائفة الشيعية جماعة محظورة مخالفة للإسلام.
وسبق أن وجه وزير الداخلية في ديسمبر 2013 اتهامات لماتسابو بالتشيع، مقدمًا قائمة بالأدلة والشهادات في بيان من خمس صفحات، تدل على اعتناقه المذهب الإثنى عشري، منها تأديته للطقوس الدينية الخاصة بالمذهب، كالسجود على الحجر وترديد التراتيل الشيعية، بالإضافة إلى الترويج لقائد الثورة الإيرانية روح الله الموسوي الخميني، عبر كتاباته في مجلة “الحركة” التابعة للحزب الإسلامي.
لكن تلك الاتهامات الرسمية فُسرت وقتها بأنها تأتي في إطار المكايدة السياسية، نظرًا لأن ماتسابو كان يعد الرجل الثاني في الحزب الإسلامي، المعارض للحكومة، والذي يتبنى فكر جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن ينشق في عام 2015، بعد خلاف مع الجناح المتشدد داخل الحزب، وينشئ حزبا جديدا باسم “الثقة”، وينضم لـ”تحالف الأمل” بقيادة مهاتير محمد، الذي فاز بالانتخابات البرلمانية في مايو الماضي.
مع ذلك تكشفت ميوله الشيعية بمرور الأيام بقصد منه شخصيا، ففي عيد الأضحى الماضي، اختار الرجل مركزا شيعيا اسمه “مسجد الزينبية” في جنوب تايلاند لقضاء عطلة العيد وذبح أضحيته، ونشر صورته وسط جموع الشيعة على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ما أثار عاصفة جديدة من الانتقادات والتحذيرات من خطورة ما يفعله على الاستقرار في بلد هو الذي يتولى فيه مسؤولية حفظ الأمن والاستقرار.
تحالف الأمل
ولا يغرد ماتسابو وحيدا في موقفه السلبي من الرياض والدول العربية، فشركاؤه الثلاثة في “تحالف الأمل” يتقاطعون معه في هذا التوجه بدرجة كبيرة، فمهاتير يريد الفكاك من الاستقطاب السني – الشيعي ويرفض تبعية بلاده للموقف السعودي، وحزب العمل الديمقراطي، الذي يمثل الأقلية الصينية، لا يدعم فكرة تعزيز الحضور العربي في ماليزيا بأي صورة كانت، كما أن حزب العدالة الشعبية، بزعامة أنور إبراهيم، يميل للتقارب مع طهران على حساب العلاقة مع الرياض وأبو ظبي.
وعليه يبدو أن أنور إبراهيم تربطه بالإيرانيين علاقات قديمة، فقد كان من أوائل الزعماء الإسلاميين الذين زاروا الخميني، بعد نجاح ثورته عام 1979، كما تربطه علاقات قوية بتيار الإخوان المسلمين، الذي يتبنى فكرة التقارب مع المحور الشيعي، ويتخذ موقفا سلبيا من الرياض والدول العربية.
وبحسب الاتفاق الذي تأسس عليه تحالف الأمل، فإن مهاتير محمد، سيظل في المنصب لعامين فقط، يتنازل بعدها لأنور إبراهيم، عن السلطة، وقد جدد الرجل تعهداته مطلع الشهر بالالتزام بالاتفاق المبرم، وجدد إبراهيم بعدها بأسبوعين التأكيد لوسائل الإعلام بأنه “رئيس وزراء ماليزيا المقبل”.
خاتمة
تشير تطورات الأمور في الساحة الماليزية إلى أن إيران نجحت في استقطاب وزير الدفاع الماليزي، محمد سابو، وتحويله من المذهب السني الذي يعتنقه السواد الأعظم من الشعب الماليزي، إلى المذهب الشيعي الإثنى عشري الذي تدين به إيران، رامية من وراء ذلك إلى ثلاثة أهداف.
أولا: تغيير موقف النخب الحاكمة على المستوى السياسي في كوالامبور في إطار محاولة الحصول على أكبر دعم ممكن من الدول الإسلامية المهمة في في ظل إستراتيجية “البعد الأسيوي”.
ثانيا: تخفيف الضغط الاقتصادي والسياسي على إيران نفسها بعد أن أعلن مسؤول إيراني في الغرفة التجارية بطهران أن ماليزيا شددت القيود المصرفية على إيران.
ثالثا: استخلاص موقف ماليزي مناهض لموقف المحور العربي السني في مواجهة المحور الشيعي الإيراني في ساحات النزال بالإقليم.