تعد إيران أحد أقطاب الهلال الذهبي المشهور بزراعة المخدرات والاتجار بها بالإضافة إلى باكستان وأفغانستان وبالرغم من أن تجارة المخدرات والإدمان مشكلة قديمة في إيران إلا أنها تفاقمت إلى حد كبير خلال السنوات الأخيرة؛ لأسباب اقتصادية واجتماعية، وسياسية بدون شك، ولإيران تاريخ قديم لا يمكن إنكاره في تجارة المخدرات وتلفت إحصاءات إلى مدى انتشار الإدمان إلى الحد الذي اعتبره البعض نتيجة طبيعية لمباركة النظام لهذه التجارة الأمر الذي يظهر جليا في محاولات الدولة تخفيف العقوبة عن تجار المخدرات من جهة وانخراط الحرس الثوري الإيراني وهو الذراع الأساسية في تجارة المخدرات من جهة أخرى.
تجارة مربحة
تجاوزت الأرباح من تجارة المخدرات في إيران 100000 مليار ريال إيراني أي ما يعادل 3 مليارات دولار أمريكي سنوياً، كما أن الدورة المالية السنوية الهائلة لهذه التجارة قد أفسدت النظام الإداري والقضاء وأسواق البورصة والاقتصاد وثقافة البلاد، وتشير الإحصاءات إلى إن 46% من السجناء في إيران سُجنوا بسبب قضايا المخدرات والجرائم التي حصلت بسبب الإدمان، وأن الإدمان وتجارة المخدرات هو سبب أكثر من 52% من الجرائم الأخرى مثل السرقة والقتل والعنف ضد النساء.
ويشكل البائعون بالتجزئة 80% من موزعي المخدرات في إيران، وكان لذلك تبعات سيئة على الاقتصاد والذي وصلت خسائره إلى أكثر من 200000 مليار ريال إيراني أي 6 مليارات دولار أمريكي، أي كل ميزانية الأمور الصحية في البلاد إيران.[1]
ولعل أخطر ما تحمله تلك الظاهرة هو أن طلاب المدارس والجامعات هم الأكثر تضررا من تلك التجارة حسبما تشير الإحصاءات فالفئات المتعاطية في مرحلة التعليم تصل إلى 50% بين سن 15 إلى 19عاما، و50% من المدمنات بدأن التعاطي في أعمار تتفاوت بين 15 و19 عاما، و3% من المدمنات أميات، و15% في المرحلة الابتدائية، و15% في المرحلة المتوسطة، و41% في المرحلة الثانوية، و17% في مرحلة البكالوريوس، وتشير آخر الإحصاءات إلى أن عدد المدمنين في إيران أكثر من 2 مليون نسمة غالبيتهم من جيل الشبان.[2]
كما تؤكد التقارير أن حوالي 140 ألف مدمن على المخدرات يتعاطونها عن طريق الحقن وتقول وزارة الصحة الإيرانية إن بين 5000 إلى 5500 مريض مصاب بالإيدز نتيجة لتعاطيهم المخدرات عن طريق الحقن وحسب تقديرات رسمية تم اكتشاف نحو 870 ألف من المتعاطين والمدمنين في المدارس والجامعات الإيرانية وتعد إيران مركزا لإعادة تهريب المخدرات إلى عدد من الدول العربية خاصة الدول الخليجية والعراق عبر وسائل متعددة منها البحرية أو بواسطة الزوار الإيرانيين الذين يتوافدون إلى العراق لزيارة المراقد الدينية.[3]
إحصاءات رسمية
وحسب ما ورد من إحصاءات شرطة مكافحة المخدرات يتم رصد 2 كيلو مخدرات في الدقيقة والقبض على 30 بائعا ومدمنا في الساعة، أي إن عدد المعتقلين 800 ألف سنويا، وبالرغم من ذلك فإن الإعدامات السياسية هي الأكثر، ما يقارب المليون و350 ألف مدمن على المخدرات في إيران، حيث تشكل النساء نسبة 9% من هؤلاء المدمنين.
وورد فى تقارير الشرطة الإيرانية أن هناك 700 ألف شخص تحت سن 21 عاما يتعاطون المخدرات بشكل وقتي، أي إن عدد مدمني ومستهلكي المخدرات في إيران وصل إلى أكثر من مليوني شخص في إيران، وفق الإحصاءات الحكومية، غير أن إحصاءات مراكز الأبحاث والدراسات تشير لأرقام مضاعفة، وخلال عام 2017 فقد حوالي 3000 شخص حياتهم في إيران بسبب سوء استعمال المخدرات، كان من بينهم 230 امرأة.
وتأتى المخاوف المجتمعية من عدم الاهتمام الجدي من قبل النظام الإيراني بقضية الإدمان، خاصة وأن 65% من نسبة النزاعات الزوجية، و55% من نسبة الطلاق، تحدث بسبب الإدمان على المخدرات.[4]
كما أن هناك ما يُقدر بنحو 5 آلاف شخص ينتظرون تنفيذ الإعدام عليهم بسبب جرائم مخدرات، و90 في المئة منهم أدينوا للمرة الأولى، وتتراوح أعمارهم بين 20 إلى 30 عاما.
ويعد “الكراك” و”الشيشة” و”الترياق”، المخدر الأكثر شيوعاً في إيران حالياً، وهى مخدرات صناعية تصنع في المقابر والسراديب، ومن المنتظر أن تدخل الأسواق الإيرانية عشرين مادة مخدرة جديدة حسب تصريح أمير حسين باوري رئيس لجنة مكافحة المخدرات، ومن الأسباب التي ساعدت على انتشار المخدرات في إيران أنها يتم طرحها بأسماء مواد غذائية كما أن طرق بيعها سهلة وأثمانها رخيصة فهي تباع على شكل علكة أو بودر بطعم النعناع أو معطر فم. [5]
دور الحرس الثوري
لم ينفي النظام الإيراني ذلك بل كشف مستشار رئيس منظمة مكافحة المخدرات الإيراني حميد صرامي بتصريح صادم أن 14% من المدمنين في إيران من الأطفال وتتراوح أعمارهم بين 15 إلى 19 عاما وأن أعمار 58% من المدمنين الإيرانيين هي أقل من 34 عاما. [6]
أما علي رضا جزيني، نائب رئيس لجنة مكافحة المخدرات فصرح بشكل واضح “أنه مع اقتراب موسم الامتحانات يكثر استعمال المواد المخدرة كالريتالين والميثادون والشيشة، بنسبة 50% بين الطلبة”. وأكد جزيني أن الصيدليات تبيع مواد كالريتالين والميتثادون، وهي أدوية مخدرة لعلاج الأمراض العصبية والنفسية وتجيزها للمدمنين بشكل غير قانوني، بالإضافة إلى العطارين. [7]
كما أن الحرس الثوري الإيراني أحد أهم الداعمين لتلك التجارة، ذلك أنه يمتلك أرصفة بحرية خاصة للتهريب، لاسيما بعدما أن قامت وزارة الخزانة الأمريكية بإدراج اسم اللواء غلام رضا باغباني من كبار قادة فيلق القدس الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني في قائمة الحظر بتهمة المشاركة في تهريب المخدرات في مارس 2012. [8]
ما لا شك فيه أن الحكومة الإيرانية تستخدم سلاح الترويج للمخدرات كأداة لتنفيذ مخططاتها وطموحها التوسعي وللضغط على أوروبا في الملف النووي حيث هدد “دري نجف آبادي” المدعى العام الأسبق في إيران في أغسطس 2008 أوروبا، قائلا: “لو استمرت البلدان الغربية في تحدي إيران في مجال الطاقة الذرية، بإمكان إيران أن تسمح بعبور المواد المخدرة ليس عبر الأراضي الإيرانية بل عبر البحر ونقاط أخرى، وهو تصريح يؤكد نوايا إيران في لي ذراع أوروبا للرضوخ لأطماعها. [9]
خاتمة
يمكن القول إن تفشى البطالة الناتج عن الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعيشها إيران بعد فرض عقوبات اقتصادية عليها من قبل الولايات المتحدة ساهم في دفع الشباب إلى ذلك الطريق، سواء من خلال بوابة التهريب أو التجارة، أو الوقوع في مستنقع الإدمان والضياع، ولا يزال النظام الإيراني يعاني من عجز عن التحرك لوقف هذه الظاهرة التي أدت إلى تدهور كبير في قطاعات متعددة بالمجتمع، وسبب تشرد وانفصال كثير من العائلات الإيرانية بعد إدمان رب الأسرة أو وقوعه في شباك التجارة والتهريب ومن ثم الحكم عليه بالإعدام، في وقت تعجز فيه الحكومة عن معالجة المشكلة من جذورها. [10]
———-
1) المخدرات في إيران.. إنكار الحكومة وواقع الإحصائيات موقع أخبار الآن، 1 سبتمبر 2014.
2) المصدر السابق.
3) على أحمد خضر: دراسات في علم الإجرام، دار غيداء، ص90،91.
4) محمد المذحجي: منظمة مكافحة المخدرات الإيرانية تكشف لأول مرة:14% من المدمنين الإيرانيين هم من الأطفال ، نوفمبر 2016، موقع القدس العربي.
5) المخدرات في إيران، مصدر سابق.
6) محمد المذحجي: منظمة مكافحة المخدرات الإيرانية تكشف لأول مرة، مصدر سابق.
7) المخدرات في إيران، مصدر سابق.
8) سعود الزاهد: بالأدلة ..الحرس الثوري الإيراني يتاجر في المخدرات ، فبراير 2016، العربية نت.
9) المصدر السابق.
10) إيران عاصمة المخدرات في العالم.. أرقام خيالية بالإدمان والتهريب، مايو 2016، موقع الخليج أونلاين.