يواجه النظام الإيراني ضغوطا كبيرة؛ بسبب سوء الحالة الاقتصادية غير المسبوقة على خلفية الانسحاب الأمريكي من الاتفاق النووي الإيراني والذي استتبع دخول حزمة عقوبات جديدة في السابع من أغسطس الماضي، ففرضت قيودا على قطاع صناعة السيارات في إيران وتجارة الذهب والمعادن النفيسة وشملت الحزمة أيضا عقوبات متعلقة بالعملة الإيرانية.
هذا الأمر أدى إلى هبوط “الريال” الإيراني إلى مستوى قياسي تاريخي ليصل إلى حاجز 144 ألف ريال مقابل الدولار الواحد.[1] إلا أن الحزمة الثانية المقرر دخولها حيذ التنفيذ في 4 نوفمبر المقبل سيكون لها تأثير خطير على الوضع الاقتصادي الهش، لأنها تستهدف قطاع الطاقة (النفط والغاز والصناعات المتصلة) والنظام المصرفي الإيراني بالكامل، وهو ما يعني مجموعة من الحقائق يمكن سرحها من خلال النقاط التالية:
أولا: يعلم النظام الإيراني أن الولايات المتحدة الأمريكية تتعامل معه من خلال استراتيجية الإضعاف طويل الأمد، كما حدث مع نظام صدام حسين منذ أزمة 1990 وحتى التخلص منه في عام 2003. إلا أن نظام “ولاية الفقيه” لا يمكن تشبيهه بأي نظام سياسي آخر؛ بسبب الخصوصية غير المسبوقة التي يتمتع بها سواء في الداخل الإيراني أو في المنطقة العربية.
ثانيا: الاقتصاد الإيراني بالرغم من معاناته بسبب العقوبات الأمريكية، إلا أن هناك العديد من العوامل الداخلية الأخرى التى تؤثر سلبا عليه. ومنها الفساد وسوء الإدارة، كما أقر بذلك المرشد علي خامنئي نفسه، ومع ذلك فإن الصراع بين مؤسسة الرئاسة والحرس الثوري هو لب ما يحدث في إيران منذ انتخاب حسن روحاني 2013 وحتى الآن.
ثالثا: بالرغم من شن الجيش الإسرائيلي أكثر من 200 هجوم جوي على الأهداف الإيرانية في سوريا وإسقاط حوالي 800 طن من الذخائر على مدى 21 شهرا، من أجل إيقاف التمدد الإيراني في سوريا؛ إلا أن الميليشيات الإيرانية مازالت تعمل بشكل طبيعي. وذلك تم من خلال عمليات دمج للقواعد العسكرية الإيرانية داخل هيكل القوات المسلحة السورية وأيضا من خلال القرب المكاني للقواعد العسكرية الروسية.[2] وخير دليل على هذه التكتيكات الإيرانية، توقيع إتفاقية التعاون العسكري بين الجيش الإيراني والسوري في نهاية أغسطس الماضي.
رابعا: يبدو أن الرد على ما يدور في مدينة البصرة العراقية، جاء سريعا بإعلان الحرس الثوري الإيراني قصفه موقع فى إقليم “كردستان العراق”. إلا أن إعلان عملية القصف ليست موجهة فقط للعراقيين، إنما مسألة استهداف إقليم دولة أخرى بصواريخ “فاتح” التي يصل مدى بعض أجيالها إلى 700 كم، رسالة إلى إسرائيل والمملكة السعودية. ماذا سيحدث إذا تم نقل بعض من هذه الصواريخ للجنوب السوري أو اللبناني؟
خامسا: الرد الإيراني أيضا على الإعلان عن حزمة عقوبات الولايات المتحدة في نوفمبر، كان قد جاء سريعا من خلال استهداف جماعة الحوثي المدعومة من إيران ناقلة نفط سعودية؛ الأمر الذي أدى إلى توقف مؤقت لحاملات النفط السعودية المارة من مضيق باب المندب. عملية الإستهداف هذه جعلت حركة العبور من خلال ترويكا المضايق (مضيق هرمز ـ باب المندب ـ قناة السويس) غير آمنه. توازيا مع العبور غير الآمن في هذه المضايق، ستنقل إيران الميناء الرئيس لتصدير النفط من الخليج العربي إلى خليج عمان.[3] الأمر الذي سيجعل حركة تصدير النفط الإيراني لدول آسيا بعيدة عن مضيق “هرمز” وبعيدة عن أي نزاعات مستقبلية في الخليج العربي.
سادسا: دخول إيران في تحالفات اقتصادية وسياسية مع دول الصين وتركيا وروسيا؛ سيخفف من وطأة العقوبات الأمريكية على الاقتصاد الإيراني. فتوقيع معاهدة الوضع القانوني لبحر “قزوين” مع روسيا والدول الأخرى المطلة عليه يزيد من الفرص الاقتصادية لإيران في هذا البحر الغني. والاتفاق على التخلص من الدولار في المعاملات التجارية مع كل من روسيا وتركيا[4] سيكون له دور في تخفيف الآثار السلبية للعقوبات الأمريكية. بالإضافة إلى أن الصين غير مستعدة للتخلي عن النفط الإيراني في المستقبل القريب.
خاتمة
يمكن استنتاج أن العقوبات الأمريكية التي أقرت في أغسطس الماضي والتي ستتقر في نوفمبر المقبل ليست عقوبات اقتصادية دولية، لكنها عقوبات أحادية الجانب وغير ملزمة للدول الكبرى (أوروبا ـ الصين ـ روسيا الإتحادية) لذلك لن يكون لها التأثير نفسه الذي رأيناه في العقوبات الدولية ما قبل الاتفاق النووي الإيراني 2015.
وبخصوص استراتيجية الإضعاف طويل الأمد، فهي لن تجدي نفعا مع النظام الإيراني الذي لا يشبه نظام صدام حسين ولا نظام العقيد معمر القذافي. بل نحن أمام نظام سياسي – ديني قوي يمتد تأثيره إلى دول عربية أخرى (اليمن ـ لبنان ـ سوريا ـ العراق) بالإضافة إلى أن النظام العالمي الحالي ليس آحاديا، بل هناك دول كالصين وروسيا تزاحم الولايات المتحدة في قيادة هذا العالم.
وعليه لن تكون العقوبات الأمريكية فيما يخص منع تصدير النفط الإيراني، لن تكون ذات فائدة. فعلى الولايات المتحدة الوقوف أمام الإصرار الصيني لشراء النفط الإيراني وعليها الوقوف أمام خط الغاز “تبريز – أنقرة” وعليها الوقوف أمام برنامج محتمل لتبادل سلع غذائية مقابل النفط مع روسيا وعليها الوقوف أمام شركات النفط الخاصة “غير الحكومية” التي تستطيع بيع النفط الإيراني خارج مظلة العقوبات الأمريكية.
ــــــــــ
[1] إيران في مهب الدولار.. الريال ينهار ويصل إلى مستوى قياسي، سكاي نيوز العربية، 05-09-2018.
[2] Iran deepens military grip on Syria despite 200 Israeli strikes in 21 months, Debka File, 5-9-2018
[3] إيران تنقل ميناء رئيسيا لتصدير النفط من الخليج، الشرق الأوسط، 5-09-2018.
[4]روسيا, تركيا و إيران ناقشوا التخلي عن الدولار, وكالة أنباء ريجنوم, 9-9-2018.