تحت عنوان: “Why Iran Believes It’s Winning Against Israel” أو “لماذا تعتقد إيران أنها منتصرة على إسرائيل؟” نشرت مجلة فورين بوليسي الأمريكية مقالا تحليليا لعلي فائز وحميد رضا عزيزي قالا فيه ما نصه:
خلُصَت طهران في الأيام الأخيرة إلى أن الشرق الأوسط بات يمر بمرحلة إعادة ترتيب للقوى الإقليمية، وأن وفاة الرئيس الإيراني ووزير الخارجية لن تغير شيئًا في ذلك.
ففي يوم الأحد 20 مايو 2024 أعلنت إيران رسميًا وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي وعدد من المسؤولين الآخرين من بينهم وزير خارجيته حسين أمير عبد اللهيان، جراء سقوط المروحية التي كان يستقلها خلال رحلة العودة من محافظة أذربيجان الشرقية.
يأتي هذا الحادث في أعقاب جولة غير مسبوقة من التصعيد بين إيران وإسرائيل في إبريل الماضي، مما أثار تكهنات حول التداعيات المحتملة لهذا الحادث على السياسة الإيرانية إقليميًا وصراعها المستمر مع إسرائيل.
وعلي الرغم من هذه المستجدات والفراغ المُفاجئ في السلطة التنفيذية الإيرانية بعد وفاة الرئيس، إلا أنه من المستبعد حدوث أي تغيير في الاتجاه الإستراتيجي للسياسة الخارجية والإقليمية الإيرانية، التي يحددها في المقام الأول المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي بالتشاور مع الحرس الثوري، خاصةً أن التصعيد الأخير مع إسرائيل كان قد أثر بالفعل علي الفكر الإستراتيجي الإيراني وحساباته الإقليمية.
وقد اعتبرت إيران الهجوم الإسرائيلي على مجمع السفارة الإيرانية في دمشق – والذي أسفر عن مقتل العديد من أعضاء الحرس الثوري الإيراني بما في ذلك قادة رفيعو المستوى – بمثابة اعتداء صارخ علي السيادة الإيرانية وتجاوزًا لكل الحدود، خاصةً وأن مستوى الهدف وطبيعة المنشأة يمثل كلاهما من وجهة نظر إيران تصعيدًا إسرائيليًا غير مقبول.
وبناءً عليه، اعتقدت طهران أن ترك هذا الهجوم دون رد قد يدفع إسرائيل إلى استهداف المزيد من المسؤولين على الأراضي الإيرانية، ولكن الأهم من ذلك اعتبار المسؤولين الإيرانيين هجوم دمشق خطوة أولى نحو هدف أكبر، وهو التوغل الإسرائيلي في لبنان بهدف قطع الدعم اللوجستي عن حزب الله، وهو ما لم تكن إيران لتسمح به.
وقد أدى اغتيال إسرائيل للجنرال رضا موسوي القائد في الحرس الثوري ديسمبر الماضي، إلى القضاء على قيادة اللوجستيات الإيرانية المسؤولة عن دعم حلفاء إيران غير الحكوميين في بلاد الشام، حيث أن هذا كان دور موسوي في دمشق؛ وعَقِب هذا الهجوم هجمات مماثلة في يناير أدت إلى إقالة رئيس استخبارات الحرس الثوري الإيراني في سوريا؛ وكذلك مقتل قائد العمليات في تلك المنطقة الجنرال محمد رضا زاهدي في إبريل الماضي.
ارتأت الحكومة الإيرانية أنها بحاجة لحفظ ماء وجهها في الداخل وبين حلفائها الإقليميين، خاصةً أنه وبعد ضربات إبريل في دمشق، بدأ بعض المتشددين ينتقدون القيادة علناً، وهكذا شعرت طهران أن عليها الرد بالقوة، أي أنها بحاجة إلى استعادة درجة من الردع دون إثارة حرب.
وقد تمكنت بالفعل من تحقيق المعادلة من خلال شن هجوم بطائرات بدون طيار وصواريخ مكثفة على إسرائيل في الساعات الأولى من يوم 14 إبريل 2024، ولم تكن الأولوية لإيقاع قتلى وإحداث الدمار ــ على الرغم من أن حجم الهجوم كان يهدد بالأمرين معا ــ بل لإثبات جرأتها على ضرب الأراضي الإسرائيلية مباشرةً. ومن المرجح أن طهران اختارت أجزاءً من قدراتها العسكرية التي أرادت الكشف عنها بينما تقوم في ذات الوقت بجمع معلومات استخباراتية مهمة حول القدرات الدفاعية الإسرائيلية والأمريكية.
وقد صرّح قائد القوة الجوفضائية في الحرس الثوري أن إيران نشرت أقل من 20% من القدرات التي أعدتها للعملية، في حين اضطرت إسرائيل، بمساعدة حليفتها الأولى الولايات المتحدة وحلفائها الآخرين، إلى تعبئة ترساناتها الدفاعية الكاملة.
وإذا كانت هذه الادعاءات تحمل شيئا من الحقيقة، فإنها تثير تساؤلات حول مدى إمكانية تكرارهذا الدفاع الناجح إذا شنت إيران وابلاً أكبر باستخدام أسلحة أكثر تقدماً، خاصة تلك التي تأتي مباغتة وتستمر على مدى فترة زمنية طويلة.
وبالرغم من نجاح إسرائيل وحلفائها في تحييد الهجوم إلى حد كبير، إلا أن طهران نجحت بهذا الهجوم في تعزيز مكانتها بين مؤيديها، وربما سمعتها كمدافع صريح عن الحقوق الفلسطينية في الشارع العربي أيضًا.
وكل هذا دون صرف الانتباه الدولي عن أهوال الحرب في غزة ــ وهي الحقيقة التي سلطت الضوء بشكل أكبر على الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في حرم الجامعات في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
من هذا المنظور، لم يأت نجاح الهجوم من إنجازه العسكري المحدود، بل من حقيقة أنه استهدف بشكل مباشر خصمًا قويًا تدعمه القوى الأعظم في العالم. وكما أكد خامنئي، فإن الإشارة الرئيسية التي أرسلتها إيران إلى إسرائيل كانت قدرتها الكبيرة علي تحمل المخاطر، في سبيل ردع إسرائيل عن العمليات المستقبلية التي تهدف إلى الحد من وجود الجيش الإيراني وأذرعه في الشام.
حذر القائد الأعلى للحرس الثوري إسرائيل مباشرة بعد الضربة من أي هجوم في أي مكان على أي هدف إيراني، وأضاف أن هذا من شأنه أن يتسبب في هجوم إيراني آخر على إسرائيل.
وسرعان ما تبين أنه تهديد فارغ بقيام الضربة الإسرائيلية اللاحقة في أصفهان في التاسع عشر من إبريل الماضي، والتي تم تنفيذها بضربة صاروخية جو – أرض من المجال الجوي العراقي على رادار نظام الدفاع الصاروخي إس-300، بالقرب من المنشآت النووية الحساسة في نطنز.
وقد تكون العودة إلى الوضع القائم قبل الحرب نتيجة مقبولة بالنسبة لإيران، حيث تعتقد إيران أنها ستجد في أفضل الأحوال طريقة للحد من نطاق حملة مابام (الحرب داخل الحروب) الإسرائيلية التي تستهدف شحنات الأسلحة والمنشآت الإيرانية في سوريا، أو على الأقل ستضع حدا للاستهدافات الإسرائيلية لكبار القادة الإيرانيين وللعمليات السرية المهينة على الأراضي الإيرانية ومن الصعب الآن تحديد ما إذا كانت إيران قادرة على تحقيق أي من هذه الأهداف.
والسؤال الرئيسي الآن هو: كيف سيسير التنافس الثنائي على المستوى الإقليمي الأوسع. ففي حين يمكن لإسرائيل والولايات المتحدة أن تتباهيا بقيامهما بتنشيط تعاون إقليمي مخصص مع الدول العربية لاعتراض وابل الصواريخ الإيرانية، كانت الدول العربية المعنية حريصة على عدم الكشف عن اسمها لمنع إظهار إنحيازها إلى أي طرف.
وعلى النقيض من المحاولة الإسرائيلية لتأطير تصرفات الدول العربية على أنها إشارة إلى ظهور تحالف إقليمي مناهض لإيران من شأنه أن يفيدها، رأى القادة العرب في ذلك ما كانوا يخشونه منذ فترة طويلة: أن التوترات بين إسرائيل وإيران ستضعهم في موقف حَرج!
يبدو أن القادة الإيرانيين مقتنعون بأن ردهم الإنتقامي – الذي لم يشمل حتى رأس رمحهم الإقليمي ”حزب الله” – قد نجح في التخفيف من احتمال حدوث المزيد من التصعيد في الوقت الحالي.
حيث أن تكلفة الدفاع عن إسرائيل ضد أي ضربة إيرانية تصل إلى مليار دولار، وتتطلب جهداً جماعياً كبيراً يشمل خمس دول على الأقل مقابل 200 مليون دولار لإيران، ما يعني ضمناً أن لا إسرائيل ولا الولايات المتحدة ستسعيان إلى جولات إضافية من القتال. وبالتالي فإن لدى إيران فرصة للتركيز على الدروس المستفادة، تماماً كما هو من المرجح أن تفعل إسرائيل والولايات المتحدة.
وعلى الرغم من تأكيد إيران علي تخفيفها من حدة ضرباتها، فإن المسؤولين الأمريكيين يقدرون أن الهدف كان “التسبب في أضراركبيرة ووفيات”، وهو ما فشلت فيه إيران. ويبدو أن هذا كان نتيجة لنقاط ضعفها الهجومية والدفاعية، ففي حين تم اكتشاف طائرات بدون طيار إيرانية تسافر لمسافات طويلة، تم اعتراض العديد من القذائف قبل أن تصل إلى الأراضي الإسرائيلية، ونسبة كبيرة – ربما تصل إلى النصف – من الصواريخ الباليستية التي يقال إنها فشلت من تلقاء نفسها.
ولتصحيح هذه الإخفاقات، قد تسعى إيران إلى تعزيز تطوير وتخزين الأسلحة بالقرب من إسرائيل، مما يستلزم وجودًا أعمق في سوريا، بالإضافة إلى مضاعفة تطوير صواريخ أكثر تقدمًا – بما في ذلك الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت – كجزء من أي ضربة مستقبلية.
جاء الرد الإسرائيلي بمثابة تذكير للقادة الإيرانيين بأن إسرائيل لديها القدرة على إلحاق ضرر كبير بالمنشآت النووية الإيرانية.
كما كشفت عن نقاط ضعف طهران الرئيسية – افتقارها إلى أنظمة دفاع جوي أكثر قدرة مثل إس -400 – فضلاً عن قدرة إسرائيل التي لا يمكن منازعتها على اختراق المجالات الجوية المجاورة. ولمعالجة المشكلة الأولى، من المرجح أن تضاعف طهران جهودها للحصول على أسلحة روسية متقدمة مقابل الصواريخ الباليستية، حتى لو كان ذلك من شأنه أن يضر بعلاقات إيران مع أوروبا.
وكذلك بالنسبة للمشكلة الاخيرة، فقد تدفعها أيضاً إلى طلب المساعدة من روسيا خاصة في سوريا؛ لكن في العراق، يقف الجيش الأمريكي في الطريق، الأمر الذي على الأرجح سيحفز إيران لمحاولة طرد حوالي 2500 جندي أمريكي من العراق من خلال تشجيع الميليشيات المتحالفة معها على مواصلة استهداف القواعد الأمريكية، وزيادة الضغط السياسي على الحكومة العراقية.
ومن المرجح أيضًا أن تكثف طهران جهودها الرامية إلى تخفيف سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، التي يقودها الأكراد المتحالفة مع الولايات المتحدة على الأراضي الواقعة شرق نهر الفرات في سوريا. وهذا يمكن أن يمنح إيران المزيد من نقاط الوصول البرية إلى سوريا (وإلى لبنان أبعد من ذلك)، مع تعزيز نفوذها على الضفة الغربية للنهر في محافظة دير الزور.
وأخيراً، من المرجح أيضاً أن تركز طهران على معالجة الإخفاقات الاستخباراتية المتكررة التي كشفت عن كبار قادتها في الخارج وجعلتها عرضة للخطر في الداخل.