تزامنا مع بدء زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة أدلى مسؤولان إيرانيان بتصريحين متناقضين حول العلاقات مع مصر، ففي صباح الثلاثاء 12 يوليو 2022 قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني في مؤتمره الصحفي الأسبوعي: “لدينا تواصل مباشر دبلوماسي مع القاهرة من خلال مكاتب حماية المصالح، وأطر دبلوماسية أخرى، وهذه العلاقة تخدم التفاهم بين البلدين دون الحاجة لوجود وسطاء، ولدينا تعاون مع مصر في المحافل الدولية، وهناك إرادة لاستمرار هذا التعاون”.
وفي صباح اليوم التالي مباشرة وهو الأربعاء 13 يوليو 2022 قال مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون الخليجية محمد رضا عنايتي في تصريح صحفي إن الحديث عن “تطور جديد قد حدث في العلاقات بين إيران وكل من مصر والأردن، يمكن تفسيره فقط في إطار التقارير الإعلامية”.
وفي خضم ذلك، أجرت صحيفة “آرمان ملي” الإصلاحية لقاء مع قاسم محب علي، المدير العام لإدارة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإيرانية سابقًا، حمل عنوان: “فضا براي از سرگيري روابط ايران ومصر مهيا شده است – مصر براي ايجاد توازن به سمت ايران آمده است” أو “الظروف مهيأة لاستئناف العلاقات الإيرانية ــ المصرية، ومصر قدمت إلى إيران من أجل تحقيق التوازن”.
وجاء في المقابلة أنه في السنوات الأخيرة لم تحظ العلاقات المصرية ــ الإيرانية بأي تقدم نحو التحسن نتيجة العراقيل القائمة، إذ كان سبب قطع العلاقات، توقيع اتفاقية كامب ديفيد وهو ما لم تتقبله السلطات الإيرانية؛ ما آل إلى إفساد العلاقات بين البلدين. بعد تلك التوترات الأولية بين البلدين، عمل مسؤولو البلدين على تحسين العلاقات عدة مرات، إلا أنها أفضت إلى الفشل في كل مرة.
الإجراء الجاد والأخير، كان أثناء حكومة الرئيس خاتمي، حيث أجريت مباحثات جيدة وقتها في جنيف، ولكن بعض الجهات الداخلية في إيران حالت دون نجاحها. يذكر أنه في وقت سابق، صرح أحمدي نجاد بإمكانية استئناف العلاقات مع مصر في الحال، الأمر الذي لم ينجم عنه أي ردود فعل من الجانب المصري. وإلى اليوم لم تستأنف بعد العلاقات السياسية بين مصر وإيران.
في ديسمبر 2007م، صرح أحمدي نجاد عن استعداد بلاده إلى عودة العلاقات الدبلوماسية مع مصر، وإعادة فتح سفارتها بالقاهرة، إلا ان تلك التصريحات لاقت معارضة من بعض الجهات السياسية والأمنية الداخلية في إيران.
الغريب هنا، أن وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية “إيرنا” الحكومية نشرت مقالة آنذاك، حول تأييد مصر لتصريحات أحمدي نجاد بشأن عودة العلاقات، وأن وزير الخارجية المصري “أحمد أبو الغيط” وصف التصريحات الأخيرة لنجاد بـ”الإيجابية”، قائلًا: “أبلغت وزير الخارجية الإيرانية منوشهر متكي باقتناع مصر بإيجابية تصريحات رئيس جمهوريته وستتم مناقشة هذه المسألة في اللقاء المقبل بين وزراء خارجية البلدين”، إلا أن أبو الغيط لم يحدد موعدًا لذلك.
ما يعني أن الموقف المصري لم يكن بالخامل حينها، بل على العكس أبدت مصر جدية في إجراء نقاش مع إيران، وهو نقيض ما وصفه “قاسم محب علي” بأن الموقف المصري محض “مُزحة”.
من هذا يتضح أن المسؤولين الإيرانيين لا يزالون يضمرون حقيقة موقفهم تجاه مصر، ولو أن هنالك عائقا في استئناف المباحثات بين مصر وإيران، فهو يرجع إلى السياسة الأحادية التي تنتهجها إيران دائمًا على خلاف تصريحاتها الإعلامية المصطنعة.
فشل المساعي الدبلوماسية
كان لبعض القضايا ورمي التهم النصيب الأكبر في الحيلولة دون عودة العلاقات، على سبيل المثال: يوجد في إيران شارع يحمل اسم مجرم قتل أحد رؤساء مصر، ومن الواضح أن تلك المسألة لا تلقى رضا الشعب المصري. خاصة وأن مصر اشترطت تغيير اسم شارع من تصفه إيران بـ”الشهيد” خالد الإسلامبولي وإزالة صورته في حال رغبت إيران في التفاوض، وهي تعرف أن الشعب المصري يعتبر خالد الإسلامبولي إرهابيا قتل بطلا مصريا ترسخ في وجدان الشعب المصري أنه صانع النصر العربي الوحيد على إسرائيل.
ومع هذا، يبدو أن المسؤول الإيراني غض الطرف عن تبرير موقف بلده الاستفزازي بإطلاق اسم قاتل الرئيس الشهيد البطل محمد أنور السادات بعد عملية الاغتيال على أحد أهم شوارع طهران ووصفه بـ”الشهيد”.
في المقابل، أثيرت مناقشات في الداخل الإيراني، تطالب مصر بإلغاء اتفاقية كامب ديفيد. أما الجانب المصري فكان رده: “أن تلك المسألة تتعلق بالماضي وتعتبر شأنًا داخليا لمصر، ولا يمكن بأي حال من الأحوال التفاوض بشأنها أو حتى اتخاذ إجراء معين حولها”.
لهذا يرى المدير العام لإدارة الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الإيرانية سابقًا “قاسم محب علي” بضرورة إجراء مباحثات مصرية ــ إيرانية، وتنحية تلك القضايا جانبًا من أجل خفض حدة الخلافات إلى أدنى مستوى.
من جهة أخرى، يرى سفير إيران السابق في لبنان والأردن “أحمد دستمالتشيان” أن التباحث بين مصر وإيران شهد تطورًا جراء التغيرات الكبيرة في المنطقة. ومنه، توصلت دول غربي أسيا بعد سنوات من الحروب والصراع وإراقة الدماء، إلى ضرورة بذل مساعي أكثر نحو إحلال السلام بين الدول الإسلامية.
وعلى أساس المنظومة التي تشكلت باسم “تعاون الدول العربية في المنطقة وبين إيران”، لابد لدول مثل مصر والسعودية والأردن أن تكون حاضرة فيها نظرًا لدورها الاستراتيجي الفعال في المنطقة.
ما بين العودة واللا عودة
المؤسسات الداخلية الإيرانية بطريقة ما تضع العديد من الهياكل المؤسساتية في إطار واحد وبالتالي لن يكون هنالك أي إلقاء للتهم على مصر. هذا بالإضافة إلى جاهزية المناخ السياسي لمثل تلك القضايا، ويتحتم على إدارة الجانبين “المصري والإيراني” مراعاة هذا الأمر. فاليوم السياسة الخارجية لمصر، تجعل منها حليفًا لأمريكا والسعودية في المنطقة، علاوة على دعمها لدول الخليج العربي.
أما من منطلق عزم مصر على تحقيق التوازن، يُرجح محللون إيرانيون أن تكون القاهرة قد تحركت نحو إقامة علاقات مع طهران، كما أن إيران اتجهت نحو مصر بدافع مماثل. وباعتبار مصر إحدى القوى الكبرى في العالم العربي، مضت إيران نحو إحياء العلاقات وتطبيعها مع البلدان العربية وعلى رأسها مصر. لاسيما وأن الصدام مع الدول العربية يصب في مصلحة إسرائيل.
زيادة على هذا، شهدت العلاقات الإيرانية مع الدول العربية عدة تقلبات خلال السنوات الماضية، ومع ذلك يمكن القول إن المسار الذي تسلكه العواصم العربية مع إسرائيل لا رجعة فيه، بل سيستمر. وقد بدا ذلك واضحًا خلال الجولات الخمس من المباحثات بين إيران وبين المملكة العربية السعودية، والتي لم تسفر عنها أي ردود فعل من الجانب السعودي، اللهم إلا ردود الفعل الإيرانية، وبعض ردود الجانب العراقي الذي يستضيف المباحثات.
خاتمة
أفسح المقال ــ إلى جانب مقالات أخرى ــ المجال لتحليل الموقف الإيراني واستعداد طهران للتعامل مع التغيير المؤقت لسياسات إيران نحو دول المنطقة وبخاصة نحو “مصر والسعودية” إدراكًا من طهران لأهميتيهما الجيوبوليتكية في المنطقة، وأن إبداء حسن النوايا نحو تعزيز العلاقات سيكون طوق نجاة لإيران من أي ائتلاف إسرائيلي ــ عربي ضدها في الوقت الراهن.
وبرغم ذلك لا تودّ إيران إظهار حاجتها الماسة لعودة العلاقات مع مصر؛ لهذا ترمي بالدوافع نحو القاهرة، على عكس الحقيقة، حرصًا منها على المحافظة على “غطرستها السياسية المعهودة”، ومع ذلك فهي لا تستطيع إخفاء مخاوفها تجاه المساعي المرتقبة لإدارة بايدن نحو ائتلاف عربي ــ إسرائيلي ضد إيران، وزيادة وتيرة اتفاقات السلام بين الدول العربية وبين إسرائيل، الأمر الذي يقلقها بشدة، ويدفعها نحو إعادة جدولة سياساتها الخارجية في المنطقة.