أثارت مباحثات الدوحة النووية غير المباشرة بين إيران وبين أمريكا عاصفة من الهجوم والهجوم المضاد بين الإصلاحيين والمحافظين، ففي خلال الأيام الأخيرة، أعاد الإصلاحيون للواجهة الخطابات القديمة لوزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف حول عجز خصومه عن كتابة نص جديد للمباحثات النووية في فيينا؛ بهدف الدفع بفشل الفريق النووي المفاوض، على خلفية تعثر مباحثات الدوحة.
فقد وصف محللون وسياسيون ودبلوماسيون سابقون محسوبون على التيار الإصلاحي في مقابلات مع وسائل إعلام إصلاحية، الفريق المفاوض بأنه عاجز عن إدارة عملية التفاوض النووي مع الولايات المتحدة الأمريكية ورأوا أنه يكتفي فقط بترديد الشعارات، وطرح مطالب تتجاوز خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015.
المباحثات بين فيينا والدوحة
عندما توقفت المفاوضات النووية شهر مارس الماضي نتيجة “الغطرسة” الأمريكية واعتماد فريق السياسة الخارجية لإدارة بايدن ــ على عكس الخطاب اللطيف للغرب ــ على سياسة الضغط القصوى “لدونالد ترامب” الرئيس السابق، أثبتت بما لا يدع مجالًا للشك أنه لا فارق بين الديمقراطيين والجمهوريين في سياسة مواجهة إيران.
منذ ذلك الوقت عاود الإصلاحيون حملتهم الهجومية ضد الفريق النووي المفاوض، لكن مؤخرًا وبعد زيارة مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي “جوزيف بوريل” إلى طهران، رفعت التيارات المناوئة للغرب في إيران شعارات مثل: “إمكانية إحياء الاتفاق النووي” و”النوايا الحسنة للأوروبيين والأمريكيين” بل وخصصت فضاءها التحليلي الإعلامي لهذ القضية حتى رفعت سقف توقعات الرأي العام الإيراني.
لكن خلال محادثات الدوحة غير المباشرة بين طهران وواشنطن، نشرت بعض وسائل الإعلام الإصلاحية اليومية عدة تحليلات في الصحف والمواقع الإخبارية التابعة لها حول إمكانية إحياء الاتفاق النووي.
أما النقطة المشتركة بين تلك التحليلات ــ فضلا عن إظهار الجانب الأمريكي والأوروبي بصورة إيجابية ــ هي الإعراض أو التماس حق إيران في رفع العقوبات خلال جولة المحادثات، لكنها في الوقت ذاته وبعد انتهاء محادثات الدوحة، كثفت اتهاماتها التي وصفتها الصحف المحافظة بالتهم المجحفة والظالمة، ضد الفريق النووي المفاوض ووزير الخارجية حسين أميرعبد اللهيان، وعلى باقري كني كبير المفاوضين الإيرانيين.
صخب الهجوم الإصلاحي
مع تباطؤ واشنطن في اتخاذ قرارها السياسي بشأن التوصل لاتفاق مع إيران وتقرير مصير العقوبات المفروضة عليها، زادت حدة الهجوم الإصلاحي على فريق رئيسي المفاوض، بل وعمد الإصلاحيون على تشويه صورة المفاوضين النوويين في وسائل الإعلام الإصلاحية، ومن هذا اتكأ المسار التحليلي لوسائل الإعلام الإصلاحية تجاه الفريق النووي المفاوض على ثلاثة عوامل، وهي كالتالي:
الأول: عدول الفريق المفاوض عن عودة أمريكا إلى الاتفاق النووي، علاوة على تقصيره في هذا الجانب. حقيقة هذا المسار التحليلي نشأ في أثناء تسليطه الضوء من جديد على انتقادات باقري التفصيلية لنص الاتفاق النووي في الفترة المنقضية لحكومة روحاني، والنهج الظالم للأمريكيين وأخطاء فريق التفاوض النووي السابق كمحاولة استفزاز ومعارضة لكبير المفاوضين النوويين في حال عودة أمريكا إلى الاتفاق النووي واستمرار تلك الاتفاقية.
الثانية: فشل باقري وفريقه في عملية التفاوض، وبناءً عليه هاجم الإصلاحيون علي باقري واتهموه بضعف التعليم والتفاوض كما انتقصوا من سلوكه الشخصي. على سبيل المثال في العام الماضي، تناولت إحدى وسائل الإعلام الإصلاحي بشكل ساخر امتناع باقري عن النظر إلى وجه المفاوضات الأوروبيات والأمريكيات واعتبرتها عقبة أمام سير المفاوضات.
الثالثة: في الأيام الأخيرة ردد الإصلاحيون الخطابات القديمة لمحمد جواد ظريف حول عجز خصومه عن كتابة نص جديد للاتفاق، وذلك للتدليل على عجز الدكتور علي باقري كني وفريق التفاوض الذي يعمل معه منذ توليه المهمة خلفا لعباس عراقجي.
الاستياء الشرس للأصوليين
بينما يرى موقع راهبرد معاصر المؤيد للرئيس إبراهيم رئيسي، أن وسائل الإعلام المستغربة (يقصد الإصلاحية) تغافلت بشكل متعمد عن المطالب المشروعة لإيران في رفع العقوبات والعراقيل الأمريكية بالإضافة إلى “احتيال” واشنطن خلال المفاوضات، ومع ذلك فإن المطالب الرئيسة للفريق المفاوض ترتكز على أربع قضايا، وهي:
1 ــ عدم عرقلة أمريكا المصالح الاقتصادية لإيران بعد العودة إلى الاتفاق النووي.
2 ــ تقديم ضمانات سياسية من الجانب الأمريكي على الأقل بعدم انتهاك الاتفاق النووي أو الانسحاب منه مجددًا.
3 ــ إزالة اسم الحرس الثوري والشركات التابعة له من لائحة المنظمات الإرهابية FTO وقائمة العقوبات.
4 ــ التوقف عن فرض عقوبات نووية بناء على “حجج واهية”.
إلا أن الإعلام المستغرب (أي الإصلاحي) لم يدرج أي من تلك المطالب في تقاريره واكتفى بإعادة شعاره السابق المنطوي على “الفوز” و”أي اتفاق أفضل من عدم وجود اتفاق” في حين أن المشاكل الحالية في البلاد نابعة من تلك الازدواجية الفكرية.
بالاتكاء على تلك المنهجية، والعودة إلى الالتزام بالتعهدات النووية السابقة، فإن إيران لم تجن مكاسب اقتصادية، ولم تحصل على الحد الأدنى من الضمانات لعدم انسحاب أمريكا من جديد، بل على العكس أوقعتها تحت طائلة العقوبات، إذا ما الفائدة التي ستعود على إيران من الاتفاق النووي؟
قبل بدء عمل الحكومة الثالثة عشرة، ارتفع سعر الصرف للدولار إلى 32 ألف تومان، وفي الأشهر العشرة الأخيرة، سجل ثباتًا تداوليًا يتراوح بين 25 إلى 32 ألف تومان، وعلى الرغم من عدم عودة أمريكا إلى الاتفاق النووي بعد، إلا أن أسعار بيع النفط ازدادت، وتم تحصيل 80% من عائداتها.
هذا بالإضافة إلى الزيارات الإقليمية الناجحة لآية الله إبراهيم رئيسي والتي تكللت بعقود تجارية مربحة، وستظهر نتائجها خلال العام أو العامين القادمين.
ففي الوقت الحالي، ومع انتهاء محادثات الدوحة دون رؤية واضحة، من الضروري ألا يتجاهل الفريق المفاوض مطالب إيران المشروعة وأن يحافظ على النهج العام للجمهورية الإسلامية في حالة إحياء الاتفاق النووي.
هذا ويؤكد الموقع في تقريره التحليلي على أنه لا حرج من النقد والتحليل البناء، لكن تجميل الموقف الغربي، وتلميع الأمريكان والأوربيين في مقابل إدانة الفريق المفاوض، ليس نهجًا عادلاً.
أيضا ليس معيبا أن يساعد المحللون المقربون من ظريف، فريق باقري بدلًا من مساعدة فريق بايدن، أما الإعلام الإصلاحي الذي كان أخرسا في عهد ظريف، عليه أن يتوقف عن مهاجمة الفريق المفاوض وأن يظهر اتحاده وتأييده لنهج الحكومة والفريق المفاوض لحين حل أزمة الاتفاق النووي.
خاتمة
خلاصة القول إن الإصلاحيين أججوا فيما مضى الخلاف السياسي بين سعيد جليلي وبين إبراهيم رئيسي وهذه المرة يحاولون إعادة الكرّة باستدعاء خبرة ظريف وإسقاطها على أداء باقري، وهو ما يؤكد أن العقبة الأساسية أمام المباحثات ليست في الغرب وإنما في الداخل الإيراني وأن الجمهورية الإسلامية تعاني نزاعًا محتدمًا بين مكوناتها السياسية من أجل التوصل إلى رأي داخلي موحد يخص الاتفاق النووي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
تحليل لمقالة نشرها موقع “راهبرد معاصر” تحت عنوان: “نوک پیکان حملات اصلاح طلبان علیه تیم مذاکره کننده” أو “رأس حربة الهجمات الإصلاحية ضد الفريق النووي المفاوض”، وذلك يوم الإثنين ۱۳ تير ۱۴۰۱ هـ. ش. الموافق 3 يونيو 2022.