يعمل رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي على قدم وساق لمحاولة تخفيف حدة التوترات الإقليمية التي تؤثر على العراق، من خلال وساطة يقوم بها بين إيران والمملكة العربية السعودية، وهو يدرك جيدًا أن سبيل الاستقرار في العراق مرهون بتحقيق التوازن بين أطراف النزاع الإقليمي، وعلى هذا النحو، من الممكن أن تؤدي مبادراته بين طهران والرياض إلى تخفيف حدة التوترات العرقية والدينية وحتى السياسية في الحياة الاجتماعية في العراق.
أبعاد زيارة الكاظمي
ذهب مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي مساء السبت إلى جدة في زيارة رسمية، استقبله فيها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مطار الملك عبد العزيز، ويعتقد العديد من الخبراء الغربيين أن رحلة الكاظمي إلى الرياض، ومن ثم إلى طهران تشير إلى استمرار مشروع وساطة بغداد بين هاتين القوتين الكبريين في المنطقة.
وتأتي زيارة الرئيس السابق لجهاز المخابرات العراقي باعتباره المضيف لخمس جولات من المحادثات بين إيران والسعودية، لمتابعة استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، لاسيما وأن الجولة الخامسة من المحادثات سادها “جو إيجابي” بين الجانبين، فتبادلا وجهات النظر حول ملف أمن الخليج العربي والعلاقات الثنائية.
بدأت إيران والسعودية المحادثات على المستوى الأمني في إبريل 2021م بعد قطع العلاقات الدبلوماسية في شهر يناير 2015م.
كون الكاظمي جهة أمنية، فهو يسعى إلى التعريف بالدور الجديد للعراق في الأحجية الأمنية للمنطقة. وعندما أدركت التكتلات الإقليمية بالتغييرات الملحة في العلاقات الدولية في ظل “الأزمة الأوكرانية”، أو الحرب الباردة بين أمريكا والصين؛ عزمت على تحريف سير الخلافات بين بعضها البعض إلى طور تخفيف التصعيد والتطبيع. كما ترغب بغداد في لعب دور الوسيط بين “إيران والسعودية” و”إيران ومصر” و”إيران وأمريكا” على غرار القوى المعتدلة المؤثرة مثل قطر وعمان والكويت.
التطورات الجيوسياسية العراقية
مع تصاعد حدة التوترات العسكرية والأمنية، والسياسية بين قوى المقاومة والتيارات المناهضة لها بعد اغتيال قائد فيلق القدس في الحرس الثوري، قاسم سليماني، انصبت الاستراتيجية السياسية الخارجية لحكومة الكاظمي، على تحويل العراق من أرض تتنازع عليها قوى المنطقة إلى ساحة للتفاهم والحوار، وذلك من أجل بلوغ الاستقرار السياسي في البلاد، حيث يبدو نسيبًا وعلى عكس الفترات الفائتة، رغبة ضئيلة لدى الجانبين في تشكيل ائتلاف وحكومة وفاق وطني.
مع ذلك، يُعدّ العراق ما بعد صدام ولأسباب متنوعة موضع اهتمام لدى القوتين الكبريين في منطقة غربي أسيا وهما: “إيران والمملكة العربية السعودية”، فإيران مثلًا من أجل الوصول إلى الحدود الفلسطينية المحتلة تحتاج إلى الوجود النشط في سوريا.
غير أن العامل الحاسم في طريق تحقيق هذا الهدف هو امتلاك ممر بري يمر من العراق إلى منطقة أبو الشامات في ريف دمشق؛ ولهذا السبب وضعت إيران على جدول أعمالها ثلاث سياسات بعد سقوط نظام البعث، وهي:
1 ــ كبح جماح القوات الأمريكية، والحد من التوغل العسكري لهذا البلد نحو الأراضي الإيرانية.
2 ــ المساعدة والدعم الشامل للتيارات الشيعية العسكرية والسياسية والاقتصادية.
3 ــ إنشاء شبكة اتصال لربطها بمنطقة أبو الشامات مباشرة.
اللافت للنظر، أن السعوديين كانوا في البداية ينظرون إلى صدام كحليف استراتيجي، لكنهم بعد الغزو العراقي للكويت؛ أدركوا تعرض أمنهم للخطر. نتيجة لذلك، انضموا إلى التحالف الدولي بقيادة أمريكا لتحرير الكويت.
تأرجح الداخل العراقي
بعد مرور عدة أشهر على انعقاد الانتخابات البرلمانية في العراق لم يتم انتخاب رئيس للوزراء، هذا بالإضافة إلى تسبب بعض دول المنطقة والقوى العابرة للحدود في التحريض والتخريب؛ لخلق نزاع في البيت الشيعي، والذي أفضى إلى ابتعاد تحالف سائرون عن الإطار الشيعي القريب من محور المقاومة.
وُلد تحالف “سائرون” في منتصف يناير 2018م وذلك بعد تجربة شارك فيها طرفاه الأساسيان المتناقضان في كل شيء وهما: “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر، والحزب الشيوعي العراقي، وتشاركا في تنظيم تظاهرات في بغداد ضدّ الفساد الذي اتهمت به حكومة حيدر العبادي.
في نهاية المطاف، أدت هذه الخلافات المتسلسلة إلى استقالة جماعية لـ 73 نائبًا من المنتمين إلى مقتدى الصدر، وتهيئة أجواء جديدة وملتهبة في الفضاء السياسي العراقي. على نحو آخر، يمكن أن يؤول خلق حالة مضطربة إلى تهميش المناخ السياسي الرسمي في العراق وبسط لغة القوة في الشارع.
ويمثل الإطار الشيعي كل القوى والأحزاب السياسية التي تدعم التدخل الإيراني في العراق وفي مقدمتها: حزب الدعوة الذي يتزعمه نوري المالكي وتيار الحكمة الذي يقوده عمار الحكيم، كما يتحالف مع بعض القوى السنية وكذلك مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه بافل الطالباني وينضوي تحت هذا المسمى الفصائل والميليشيات المسلحة التي تدعمها إيران ومنها حزب الله العراقي وعصائب أهل الحق، ويقف بالضد من توجهات تحالف السيادة الذي كان يتزعمه رجل الدين مقتدى الصدر قبل الانسحاب من العملية السياسية ويتحالف مع بعض القوى السنية بقادة محمد الحلبوسي وخميس الخنجر.
في مثل تلك الظروف يبقى مصطفى الكاظمي في منصب رئاسة الوزراء محاولًا الحفاظ على موقعه من خلال اجتذاب القوى المؤثرة، واللعب مع التيارات السياسية الداخلية، لكن في خضم هذا دعاه بعض أعضاء مجلس النواب العراقي في مؤتمر صحفي إلى الامتناع عن توقيع اتفاقيات أو اتخاذ مواقف سياسية أثناء زيارته إلى السعودية وحضوره اجتماع الرياض. أما ذريعتهم فكانت امتثال الكاظمي إلى الدستور العراقي نظرا لمحدودية سلطاته بما أنه ضمن الحكومة المؤقتة.
خاتمة
مجمل القول، أن جهود الكاظمي لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية، هي في حقيقتها محاولة تثبيت سلطاته في ظل تهديدات القوى المتناحرة في الداخل، إلى جانب أطماع قوى المنطقة ورغبتهم في تثبيت موطئ قدمٍ لهم في العراق، لهذا السبب يلتمس قربهم ويعمل على توفير أرضية خصبة لجذب استثمارات الدول المنتفعة وخاصة العرب إلى بلاد ما بين النهرين. يبقى هنا أن ننتظر ونرى ما إذا كان الكاظمي سيتمكن من فك العقدة بين إيران والسعودية أم لا؟!
ـــــــــــــــــــــــــ
مقالة نشرها موقع “راهبرد معاصر” الإخباري يوم الأحد الموافق 27 يونيو 2022م تحت عنوان: “اهداف سفر غير منتظره الكاظمي به عربستان وايران چیست؟” أو “ما هی أهداف زیارة الكاظمي غير المتوقعة إلى السعودية وإيران؟”.