نشر الباحث الإسرائيلي، د. مردخاي كيدار، المحاضر في دراسات اللغة العربية والشرق الأوسط في جامعة بار إيلان، مقالة في “مركز بيجين ــ السادات للدراسات الاستراتيجية” بعنوان “לפרק את איראן עכשיו”، أو “تفكيك إيران الآن” وقد رأى “المنتدى العربي لتحليل السياسي الإيرانية ـ أفايب”، ترجمتها؛ لتعريف القراء والمهتمين العرب بجانب من وجهة نظر مراكز الفكر الإسرائيلية ورؤيتها حيال النظام الإيراني، أخذا في الاعتبار أهمية إيران في الاستراتيجية الإسرائيلية بحكم الصراع الدائر بينهما منذ نجاح الثورة الإسلامية لعام 1979م، مع التأكيد على أن المقالة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر المنتدى ولا وجهة نظر المترجمة.
***
ملخص
يعد تفكيك إيران إلى دول عرقية/ قومية خيارًا قابًلا للتطبيق، وذلك بسبب المطالب المتزايدة بالاستقلال في أوساط الأقليات غير الفارسية التي تشكل حوالي نصف سكان البلاد، بالإضافة إلى أن تفكك إيران وإنهيار حكم “آيات الله” يمكن أن يكون سببًا في فتح صفحة جديدة في تاريخ البشرية.
في الأسابيع الأخيرة، إندلعت مظاهرات حاشدة في ثلاث مقاطعات طرفية لإيران تسكنها مجموعات عرقية غير فارسية، أبرزها محافظة الأحواز التي يقطنها العرب وتقع على ضفاف الخليج الفارسي، بالإضافة إلى أن حشودا في المنطقة الكردية في شمال غربي إيران ومنطقة أذربيجان في شمالي البلاد انضمت كذلك إلى المظاهرات.
ويعد النقص الحاد في مياه الشرب في منطقة الأحواز هو السبب المباشر في إندلاع المظاهرات وهو الأمر الناتج عن تحويل مجاري المقاطعة إلى المنطقة الفارسية الإيرانية التي تعاني منذ سنوات من الجفاف الشديد ونقص الاستثمار في البنية التحتية المائية نتيجة الأزمة الاقتصادية في البلاد، حيث يعتبر أهل الأحواز هذا السبب بمثابة سطو على مصدر رزقهم، والذي ترتب عليه موت الآلاف من الأبقار والأغنام ــ التي تشكل مصدر رزق للأحوازيين ــ من العطش بسبب تحويل مجرى المياه.
تعتبر مشكلة المياه، ما هي إلا القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث أن سكان الأحواز يعانون منذ سنوات من التلوث السام نتيجة الانبعاثات السامة من آبار النفط والغاز ومصاف النفط الموجودة في المنطقة حيث تقع جميع حقول النفط والغاز الإيرانية في هذه المحافظة، بالإضافة إلى موانئ النفط الموجودة في المنطقة.
والجدير بالذكر أيضًا أن الملوثات الرئيسة للتلوث انتشرت بحيث تخترق المواد السامة المنبعثة من صناعة النفط والغاز الإيرانية التربة ومنها إلى الفواكه والخضراوات التي يأكلها سكان المنطقة ومياه الشرب، بالإضافة إلى مياه الخليج التي يتم أكل أسماكها.
ونتيجة لذلك فإن معظم الأطفال في منطقة الأحواز يولدون مشوهين ولديهم عيوب خلقية شديدة. وعلاوة على ذلك فإن الإيرانيين قد أقاموا مفاعًلا نوويًا في منطقة بوشهر، فضلا عن الحديث السائد بين الأحوازيين أن الإيرانيين اختاروا هذا الموقع بحيث إنه إذا حدثت كارثة بيئية بسبب التسرب النووي، مثل كارثة تشيرنوبل الأوكرانية تتضرر الأقلية العربية وليس الفرس.
ففي السابق نظم الأحوازيون مظاهرات ضد النظام الإيراني، وكان الرد عليهم من قبل النظام قاسيًا ومؤلمًا وشمل: اعتقالات وإعدامات واسعة النطاق، حتى وصلت إلى شنق المحتجين فوق الرافعات في الشوارع أمام المارة.
وكما ذكرنا سابقًا فإن الموجة الأخيرة من التظاهرات بدأت احتجاجًا على مشكلة الماء والعطش، ولكنها سرعان ما تطورت إلى مطالب عامة واسعة بتحرير الأحواز من “الاحتلال الإيراني”.
ومما لا يثير الدهشة أن رد النظام الإيراني كان قاسيًا وأسفر عنه نحو 25 قتيًلا و370 جريحًا و3400 معتقًلا، وكان من المتوقع استمرار ازدياد الأرقام ولكن من الواضح أن النظام يخشى من أن يؤدي قتل عدد كبير من المدنيين إلى إثارة موجة من ردود الفعل الإعلامية من قبل منظمات حقوق الإنسان في أوروبا والولايات المتحدة، والتي ستجبر حكومة بايدن علنًا وسياسيًا على عدم رفع العقوبات من إيران وعدم العودة إلى الاتفاق النووي.
من أجل منع تسريب معلومات وصور وفيديوهات عن التطاهرات والمطالبة بالاستقلال، قام النظام بقطع الاتصال بالإنترنت في منطقة الأحواز، لكن بعض الأهالي التقطوا صورًا وسافروا إلى مناطق أخرى بهدف بثها للعالم لمعرفة ماذا كان يحدث في المنطقة أثناء التظاهرات.
بالتزامن من اندلاع التظاهرات في الأحواز، اندلعت مظاهرات أخرى داعمة للمنطقة الكردية والأذرية في شمالي إيران، وفي الوقت نفسه اندلعت مظاهرات في طهران رفعت فيها شعارات مناهضة للشرطة مثل “الموت للديكتاتور”، و”لا غزة ولا لبنان المال للإيرانيين”.
فعلى الرغم من المعارضة واسعة النطاق للنظام الإسلامي بين الإيرانيين المنحدرين من أصل فارسي، فإنهم يعارضون مطالبة الأقليات العرقية بفك الارتباط عن إيران.
لقد أثرت في اجتماعات مع المنفيين الإيرانيين الفارسيين، احتمال تقسيم إيران إلى دول عرقية/ قومية (الفرس والعرب والبلوش والأكراد والتركمان، إلخ)، على غرار ما حدث في الاتحاد السوفيتي ويوغوسلافيا وتشيكوسلوفاكيا، وكان رد فعلهم دائمًا سلبيًا، بالإضافة إلى أنهم بالطبع يسعون إلى إزاحة “آيات الله” من السلطة، بل إن البعض يتحدث عن عودة ابن الشاه وتجديد النظام الملكي، لكنهم يدعمون بشكل قاطع استمرار وجود إيران في شكلها الحالي الذي يديم السيطرة الفارسية على عديد من الأقليات العرقية في البلاد.
ومع ذلك فإن احتمال تفكك إيران إلى دول عرقية أمر ممكن، وتتزايد احتمالية حدوث ذلك نتيجة الطلب المتزايد على الاستقلال بين الأقليات غير الفارسية التي تشكل حوالي نصف سكان البلاد.
في الآونة الأخيرة، تم تحديد قدر أكبر من التعاون بين مختلف تنظيمات المعارضة التي تشعر أن نهاية النظام، أو تفكك الدولة، أمر من الممكن تحقيقه.
ومن غير المرجح أن يحدث تفكك إيران بشكل سلمي، ولكن من المحتمل أن يكون أكثر شبهًا بالنموذج اليوغوسلافي من النموذج السوفيتي، وذلك فقط بسبب عدم رغبة الأغلبية الفارسية في فقدان النفط والغاز والمياه والموارد الطبيعية الأخرى الموجودة في الأراضي المملوكة للأقليات غير الفارسية، وعلى غرار ذلك يلعب الكبرياء الوطني الفارسي أيضًا دورًا مهمًا في السيطرة على الشعوب غير الفارسية.
ومع ذلك فإن انهيار حكم “آيات الله” وتفكك إيران سيكون نعمة ليس فقط لعشرات الملايين من الإيرانيين الذين سيتحررون من أحد أكثر الأنظمة قمعًا في العالم، وخاصة الأقليات العرقية والقومية في البلاد، ولكنه سيشمل أيضًا الفوائد المباشرة لهذا التطور ومنها وقف التخريب الإيراني في جميع أنحاء الشرق الأوسط بسبب الحروب الأهلية وعدم الاستقرار الداخلي، والقضاء على الموجة الدولية للإرهاب التي انتشرت من قبل إيران على مدى العقود الأربعة الماضية مثل (صناعة المخدرات، وغسيل الأموال، إلخ).
ولذلك يجب على دول العالم أن تدعم بقوة نضال الأقليات العرقية/ القومية في إيران ضد النظام الإسلامي، وكذلك نضال الأغلبية الفارسية في ظل هذا النظام، وجهودهم لتفكيك الدولة الإيرانية، وبالطبع لدى الولايات المتحدة دور رئيس تلعبه في دعم هذا.
فإذا كانت حكومة بايدن مدفوعة بالفعل باعتبارات حقوق الإنسان كما أعلن المتحدثون باسمها في الأخبار الصباحية، فعليها التخلي فورًا عن أى نية للعودة إلى الاتفاق النووي وإزالة العقوبات عن نظام “آيات الله”، وبدًلا من ذلك تستثمر جميع مواردها في مساعدة الأقليات الإيرانية.