في بعض الوسائط الإعلامية أٌذيعت تصريحات للمبعوث الأمريكي الخاص بإيران، روبرت مالي، تحت عنوان: “ربما لن يُطرح اتفاق آخر ويتوقع سيناريو مختلف”، وقد جاء في حديث مالي ما نصه: “ستتمكن إيران قريبا من تطوير القدرة على إنتاج السلاح النووي، إذا استمرت سرعة نشاطها النووي في وتيرتها الحالية. وفي خلال أسابيع قليلة فقط، سنخلص إلى تلاشي سبل إحياء الاتفاق النووي. ومن الواضح أن إيران ترغب في كسب ركيزة ضغط من خلال توسيع برنامجها النووي، كما تأمل أن تتمكن من استخدام هذا النشاط النووي كوسيلة ضغط للتوصل إلى اتفاق أفضل. لكن هذه الطريقة لن تجدي نفعًا، لأن طهران لو سعت إلى كسب ركيزة ضغط، فلن تتوصل إلى اتفاق أفضل؛ لأننا قلنا: إننا مستعدون لتنفيذ ما تم التفاوض عليه قبل في العام 2015”.
وقد أجرت صحيفة “آرمان ملي” الإصلاحية حوارًا مع دياكو حسيني، المحلل البارز للسياسة الخارجية، لبحث تلك المسألة، ودار على النحو الآتي:
تغيير أٌطر المفاوضات النووية
يرى المحلل السياسي دياكو حسيني أنه في الوقت الحالي لن تحبذ أمريكا إغلاق كل أبواب الدبلوماسية بوجه إيران، إذ إن إخفاق المفاوضات الجارية في فيينا، لن يعني للحكومة الأمريكية إخفاقًا للدبلوماسية؛ وذلك لأنها ستخطو نحو تغيير إطار المفاوضات.
بهذه الطريقة ستطرق إلى مخاوفها الرئيسة لمناقشتها ومعالجتها في خلال المباحثات. وهذا ما أكدته تصريحات روبرت مالي التی أعلن فيها سبب تقدم المفاوضات النووية الإيرانية وقرب التفلت النووي لإيران. فلو فشلت المفاوضات في إحجام مخاوفهم، فهم بصدد تغيير أٌطرها من دون التخلي الكلي عن الدبلوماسية.
التفلت النووي “گریزهستهای” كما يعرفه الدكتور جواد نيكى ملكي، الرئيس السابق للتعبئة الطلابية لجامعة شريف الطلابية والمدير الحالي لمركز الفكر الاستراتيجي، هو مصطلح يرمز إلى الإجراءات الغربية للحد من الأصول والقدرات النووية لإيران.
أيضا تغيير المحادثات يعني أن مباحثات ما بعد فشل المفاوضات ستجري خارج إطار الاتفاق النووي، وهو ما تعنى به أمريكا، خاصة وأنه قد بدأ سعيها لاتفاقية شاملة بدلًا من الاتفاق النووي منذ البداية.
على هذا المنوال، قد تقرره أمريكا كخيار لها في أثناء مواجهة إيران، ويحتمل أن يتضمن أجزاء من الاتفاق النووي، فضلا عن إقحامها قضايا جديدة، طالما حرصت على التفاوض حولها. وحقيقة الأمر أن ذاك الخيار كان غاية إدارة بايدن في السابق.
لكن ما حدث أن إيران أصرت على العدول عن المفاوضات خارج الاتفاق النووي، ما أدى إلى استبعاد هذه الرؤية من البروتوكولات الرسمية لأمريكا؛ لهذا أعربوا عن أملهم في طرح تلك القضايا والمخاوف خلال مباحثات فيينا. على الأرجع، إذا فشل التوصل إلى اتفاق، سيتذرعون بالضغط على إيران، حتى توافق على مفاوضات جديدة.
الموقفان الصيني والروسي
في الواقع أن سبب اطمئنان روسيا والصين وحتى الدول الغربية للبرنامج النووي الإيراني، هو تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتطبيق أشد المعايير الرقابية صرامة، كما أن هناك سببا آخر وهو تطلع الصين وروسيا إلى إحياء الاتفاق النووي في المستقبل القريب؛ للتحكم في برنامج إيران النووي.
مع اجتماع هذين العاملين، أبدت الصين وروسيا ضبط نفسٍ، بل وأظهرتا تقاربًا تجاه إيران. وبالرغم من هذا تجدر الإشارة إلى أن استمرار المفاوضات بالنمط الجاري نفسه، وتطور البرنامج النووي الإيراني بطريقة تثير القلق حول إهمال مفتشي الوكالة الدولية، سيؤدي إلى فقدان الأمل في إحياء الاتفاق النووي، وسيتغير سلوك روسيا والصين تبعًا لهذا.
لكن قبل تحديد الشكل الجديد للمفاوضات، يطرح تساؤل وهو: هل ستشدد أمريكا العقوبات للضغط على إيران؟ وهل ستتفق دولة مثل الصين مع أمريكا؟
في هذه الحالة، يمكن للدول الأوروبية الاستعانة بألية “سناب باك” أو “كبح الزناد” لاسترجاع قررات مجلس الأمن الخاصة بفرض عقوبات على إيران.
سناك باك هي آلية أقرتها إدارة أوباما في حال أخلت إيران بأي من التزاماتها تجاه تعهداتها للأطراف الموقعة على الاتفاق النووي، والذي مثل قرار مجلس الأمن رقم 2231 إطاره العام والمظلة لكل القرارات التفصيلية المنفردة والصادرة عن مجلس الأمن والتي تحمل في طياتها مجموعة من العقوبات.
لهذا لا حاجة للصين وروسيا للموافقة على آلية آخرى، إذ يمكنهما التمويه وممارسة زيادة الضغط على إيران في الظل، علاوة على أن قررات مجلس الأمن ستكون من الناحية القانونية إلزامية، وسيصحبها عقوبات؛ لدفع إيران إلى مفاوضات جديدة ذات مطالب جديدة.
في هذا السياق، يدور سؤال في ظل التطورات الأخيرة، هل قد يسهل التوصل إلى توافق لإحياء الاتفاق النووي؟
يؤخذ في عين الاعتبار أن الجزء الأصعب من المفاوضات، هو تلك التفاصيل التي لم يُتفق عليها في نهاية الجولات الست السابقة، وحاليا لم نتطرق لها في المفاوضات الجديدة. إذ ركزت الحكومة الجديدة خلال جولة المفاوضات الجديدة على الإطار العام للمحادثات. في حين كان يمكن لإيران توفير مزيد من الوقت لنفسها من خلال توافقها الأخير مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك لتعود إلى المفاوضات بتركيز أكبر، فضلًا عن تجنب الضغط.
لكن هذا لا يعني أن تفاصيل الخلاف قد حُلت. فالخلافات العميقة التي تٌعتم مستقبل الاتفاق لا تزال دائرًة، كما لا يمكن التكهن إذا ما كانت هذه الخلافات ستحل أم لا؟
عليه نخلص إلى أن أطراف الاتفاق النووي يدركون جيدًا أن هذا الاتفاق، هو الطريق الأفضل للمضي قدمًا، لكنه ليس الأمثل، وفي حال امتثالهم لهذا المبدأ من الممكن التوصل إلى اتفاق، إلا أن عمق الخلافات الحالية لا يزال بعيدًا، وبالتالي ليس سهلا التوصل إلى اتفاق.
ــــــــــــــــــــــــــ
مادة مترجمة عن صحيفة “آرمان ملي” بعنوان “آمريكا راه هاى دپلماسی را به برخورد ترجیح می دهد” أو “الولايات المتحدة تفضل الدبلوماسية عن المواجهة” فی العدد 1190 لیوم الخمیس 2 دی 1400 هـ. ش/ الموافق 23 دیسبمر 2021م.