حصلت جمهوريات أسيا الوسطى على الاستقلال في أعقاب تفكك الاتحاد السوفيتي وهي تتكون حاليا من أوزبكستان وتركمنستان وكازخستان وطاجيكستان وقيرغيزستان، ولم تكن تلك الجمهوريات مهيأة للاستقلال آنذاك بالنظر إلى افتقارها للهياكل والخبرات التي تساعدها على النهوض بأعباء الدولة الحديثة؛ ما جعلها عُرضه للتنافس حولها.
فدول أسيا الوسطى تمتلك موقعاً استراتيجيا مهما بالإضافة إلى الثروة النفطية؛ ما جعلها هدفا للصراع فيما بين الدول الكبرى، في ضوء اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بها وموقعها المتاخم لكل من روسيا الاتحادية والصين وبطبيعة الحال، جمهورية إيران الإسلامية.
أهمية أسيا الوسطى لإيران
تسعى إيران على مر تاريخها عموما، وفي عهد ولاية الفقيه على سبيل التحديد، لاستغلال كل الأوراق المتاحة في علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية وتعزيز دورها الإقليمي كما تم التواتر بشأنه في مجتمع خبراء الشؤون الإيرانية حول العالم.
ومن الجدير بالذكر التأكيد على أهمية منطقة أسيا الوسطى والتي تجلت في العديد من الأحداث الكبرى التي شهدتها الساحة العالمية والإقليمية في الألفية الثالثة، وأبرزها أحداث الحادي عشر من سبتمبر وغزو العراق، بالنظر إلى “القواعد العسكرية الأمريكية الموجودة بتلك الدول” والاستفادة من موقعها الجغرافي المتميز.
من المنظور الإيراني استثمرت إيران بدورها المعطيات الثقافية والدينية للوصول إلى تلك الجمهوريات والنفاذ إليها في منظومة من العلاقات الاقتصادية والسياسية، كما ركزت على الشق التجاري في العلاقات الثنائية مع تلك الدول في محاولة للتخلص من تداعيات الحصار والضغوط الأمريكية المفروضة عليها.
كما تسعي إيران إلى أن تكون جمهوريات أسيا الوسطى بمثابة منفذ إلى المياه الدولية، وبالتالي إلى العالم، من خلال خلق عمق استراتيجي لطهران في المنطقة التي تقع بين (إيران وروسيا والصين).
في ذلك السياق سبق أن أشار وزير الخارجية الإيراني، السابق، محمد جواد ظريف، إلى إمكانية توفير طريق نقل لأوزبكستان إلى الأسواق العالمية والمياه المفتوحة، وذلك خلال لقاء له مع نظيره الأوزبكي عبد العزيز كاملوف.
التنافس التركي ــ الإيراني ــ الإسرائيلي على أذربيجان
بلغ التنافس التركي ــ الإيراني على جمهوريات أسيا الوسطى ذروته في جمهورية أذربيجان التي تتجاذبها إيران مذهبياً، وتستقطبها تركيا على المستوى القومي.
ويرتبط الاهتمام الإيراني بأذربيجان في أحد جوانبه بالتداخل الإثني إذ يوجد نحو 26 مليون أذري يعيشون بالأخص في “شمالي غرب” البلاد، وفي المنطقة المتاخمة للحدود مع جمهورية أذربيجان، بالإضافة إلى الحدود المشتركة بطبيعة الحال.
من جانب تركيا، تستخدم أنقرة باكو كورقة في صراعها مع طهران، وترى تركيا أن طهران وموسكو تقفان “سداً منيعاً” في وجه المشاريع التركية في كل من سوريا وأسيا الوسطى.
ولقد أعلنت إيران مؤخراً رصدها تحركات إسرائيلية داخل أذربيجان قرب حدودها، حيث اتخذت إيران العديد من المواقف كرد فعل لتلك التحركات رغم نفي الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف ما قيل في هذا الشأن.
وأجرى الجيش الإيراني مناورات عسكرية أطلق عليها “غزاة خيبر” بمشاركة وحدات مدرعة ومدفعية وطائرات مُسيرة خلال شهر أكتوبر 2021 قرب حدوده مع أذربيجان وأعلنت طهران في 5 أكتوبر 2021 إغلاق المجال الجوي مع الطائرات العسكرية القادمة من أذربيجان.
استمرارية العلاقات بين إيران وجمهوريات أسيا الوسطى
بوجه عام يمكن القول إن كازخستان تتمتع بمكانة خاصة لجمهورية إيران الإسلامية، ومن الجدير بالذكر أنه سبق لإيران أن دعمت عضوية كازخستان غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى العلاقات التجارية بين البلدين، كما قام الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي بزيارة طاجيكستان في أول زيارة له كرئيس للبلاد.
فيما يخص تركمنستان، يلاحظ المراقب لهذه المنطقة من العلاقات أنه تم توقيع أكثر من 100 وثيقة رسمية بين إيران وبين تركمنستان في العديد من مجالات التعاون، كما اتفقت كل من إيران وتركمنستان على توقيع وثيقة شاملة للتعاون.
كذلك اتفقت الدولتان على إعادة فتح طريق الترانزيت للشاحنات بين البلدين في أربع نقاط حدودية وتطعيم جميع سائقي شاحنات الترانزيت في البلدين.
بالنسبة لقيرغيزستان، يمكن القول إنه على الرغم من اهتمامها بتحسين علاقتها مع تركيا وإسرائيل، إلا أنه يوجد بينها وبين إيران اتفاقيات في مجالات المواصلات والأعمال المصرفية وتبادل السفارات والتعليم والسياحة والنقل.
خلاصة
بعد كل ما تقدم، من المتوقع بوجه عام استمرار الاهتمام الإيراني بمنطقة أسيا الوسطى في ضوء العوامل الجغرافية والاقتصادية المشار إليها علاوة على التنافس مع القوى الإقليمية كتركيا وإسرائيل والسعودية بالإضافة إلى الاهتمام الأمريكي بتلك المنطقة.
ومن المرجح أن تستمر جمهوريات أسيا الوسطى في لعب دور مُشابه للعديد من الدول الأخرى (من حيث كونها ورقة في يد إيران) تستخدمها في دعم هدفها المزدوج لتدعيم وضعها الإقليمي والدولي ومواجهة الولايات المتحدة الأمريكية.