تمر اليوم الذكرى العشرون على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قبيل أيام من حلول الذكرى نفسها على الإطاحة بطالبان من السلطة على خلفية الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، وقد عادت طالبان التي نشأت من مجموعة من طلاب المدارس الدينية في التسعينيات بقيادة الملا عمر، إلى كابول، غير أن عودتها هذه المرة كانت مغايرة للمرة الأولى.
ففي 15 من أغسطس الماضي، سقطت العاصمة المنيعة المحاطة بالجبال العالية من دون قتال، بعد أن فر الرئيس أشرف غني ومعظم وزرائه والمشرعين المنتخبين من البلاد، وفي تلك الأثناء نظر العالم بأسره إلى الوضع المتطور في أفغانستان حيث تحكم طالبان قبضتها على البلاد التي تحتل موقعا جيوستراتيجيا مهما في قلب القارة الأكبر بالعالم.
اقرأ أيضا:
لكن الأهم من كل ذلك هو تتابع الذكريين: سبتمبر في نيويورك وأكتوبر في كابول، ومع ذلك يثور السؤال: هل تعلمت الولايات المتحدة الدرس الأفغاني، أم ستكرره في دولة أخرى كما كررته في كابول بعد أن رأته رأي العين في هانوي.
ردة فعل العالم
مما لا يثير الدهشة، أن باكستان، التي كانت تقول حتى أسبوع من سقوط كابول إنها تدعم تسوية سياسية في أفغانستان، رحبت باعتلاء طالبان قمة السلطة في البلاد، وقال رئيس الوزراء عمران خان إن الأفغان كسروا “قيود العبودية”.
كما قالت الصين، التي ألقت باللوم على “الانسحاب المتسرع” للولايات المتحدة، إنها مستعدة لـ”علاقات ودية” مع طالبان، في إشارة إلى أنها قد تعترف بالحكومة الجديدة بمجرد تشكيلها. كما ظلت سفارتا الصين وروسيا مفتوحتين في البلاد.
في هذا التوقيت التقى سفير روسيا في كابول بمسؤولي طالبان وقال إن الاجتماع كان “إيجابيا وبناء”. وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إن “هزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان فرصة لسلام دائم”.
فضلا عن كل هذا رحبت تركيا بالفعل بـ”الرسائل الإيجابية” من طالبان. ومن المثير للاهتمام أن كلا من هذه الدول باستثناء باكستان كانت لها علاقات عدائية مع طالبان في التسعينيات، وهنا يكمن الدرس الأفغاني لصانعي القرار في واشنطن، إذ يرون العالم يرحب بالجماعة التي طالما حاربوها واعتبروها ذات يوم أكبر خطر يهدد حضارة الإنسان على كوكب الأرض.
بين حربي فيتنام وأفغانستان
يعيد ما حدث في أفغانستان إلى الأذهان أحداث حرب فيتنام، ويبدو الشبه بين الواقعتين ماثلا للعيان، فقد دخلت أمريكا في حرب مع فيتنام بالرغم من اعتراض معظم الشعب الأمريكي على هذا التدخل، ودون أن تكون على دراية كاملة بالوضع الفيتنامي من حيث التركيبات العرقية والمناخ والتضاريس الطبيعية وخلافه، وأدى ذلك الجهل المطبق إلى فقدانها الكثير من رأس المال السياسي والاقتصادي فضلا عن الجنود والعتاد.
شهدت هذه الحرب الوجه الآخر لأمريكا الديمقراطية التي تتغنى بحقوق الإنسان، من حيث اعتماد الجيش الأمريكي على المذابح لتحقيق سيطرته على بعض المدى والقرى الاستراتيجية.
وفي النهاية قررت القوات الأمريكية الانسحاب من فيتنام مع التخلى عن كل من ساندوها خلال تلك الحرب. على سبيل المثال: انتشرت صورة مأخوذة من على سطح السفارة الأمريكية تظهر الفيتنامين المتعاونين مع البنتاجون ووكالة الاستخبارات المركزية وهم يحاولون الهرب من فيتنام الجنوبية لخوفهم من قدوم محاربي فيتنام الشمالية.
عليه يمكن القول إن ما حدث في أفغانستان يشبه حد التطابق ما حدث في فيتنام مع وجود اختلاف واحد وهو أن أمريكا استطاعت أن تضلل الرأي العام وتجعله في صفها قبيل الاحتلال، إذ إنها استخدمت أحداث الحادي عشر من سبتمبر كرافعة لهذا القرار.
اقرأ أيضا:
مع ذلك فإن الوسائل الوحشية نفسها التي اعتادت أمريكا على ممارستها لم تتغير، كما شهدت العديد من المجازر وعمليات نهب الموارد الطبيعية. ومرة أخرى، مع صعود طالبان إلى رأس السلطة في كابول، بدأت القوات الأمريكية في الفرار تاركة وراءها كل الموالين لها من الأفغان.
تراجع شعبية بايدن
تراجعت شعبية بايدن مع دخول طالبان العاصمة ثم استتباب الأمر لها، وقد أدى ذلك إلى القضاء على عقدين من الوجود العسكري الأمريكي الذي كلف ما يقارب تريليون دولار من أموال دافعي الضرائب وآلاف الأرواح الأمريكية.
أظهرت استطلاعات رأي أمريكية أن غالبية الناخبين من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء يرون أن الفوضى العارمة في أفغانستان كانت علامة على أن الولايات المتحدة يجب أن تغادر هذه البلاد قبل وقوع كارثة تشبه كارثة فيتنام.
على إثر ذلك انخفضت شعبية الرئيس جو بايدن بنسبة 7 نقاط مئوية ووصلت إلى أدنى مستوياتها مع انهيار الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة في نهاية اضطراب دفع الآلاف من المدنيين والحلفاء العسكريين الأفغان إلى الفرار من أجل سلامتهم، ولعل مشهد تعلق البعض منهم بأجنحة الطائرات الأمريكية خير دليل على ذلك.
وقد كان للأمريكيين آراء مختلفة ربما لا تزال تتطور مع استكمال طالبان سيطرتها على البلاد، حيث وجد استطلاع للرأي أن 75٪ من الأمريكيين أيدوا قرار إرسال قوات إضافية لتأمين المنشآت الرئيسة في أفغانستان حتى اكتمال الانسحاب، ونحو النسبة نفسها دعمت إجلاء الأفغان الذين ساعدوا القوات الأمريكية في البلاد.
خاتمة
من الواضح أن طالبان أصبحت أكثر نضجا في التعامل مع وسائل الإعلام وأصبحت أكثر حنكة في إدارة السياسة على وجه العموم، فقد أكدت على حفظ حقوق المرأة في التعلم والعمل ما دام كان يتناسب مع التعاليم الإسلامية، وبات في حكم المؤكد أنها تريد تصحيح الصورة النمطية المغلوطة عن الإسلام، وقد أثار هذا العقدان بحلول الذكرى العشرين لأحداث الحادي عشر من سبتمبر الجدل حول وضع أمريكا وحول سياساتها الخارجية تجاه مناوئيها في أسيا؛ لذا فإن تدخل واشنطن مرة أخرى في دولة أسيوية أصبح أمرا بعيد المنال مخافة أن تلدغ من الجحر نفسه عدة مرات من دون أن تتعلم من الدرس في كابول.
ــــــــــــــــــــــــــ
أميرة إيهاب
باحثة مساعدة في العلاقات الدولية