بعد مضي نحو خمسة أشهر على انطلاق مفاوضات فيينا في إبريل الماضي، ما تزال حالة اللايقين تكتنف هذه العملية الدبلوماسية برمتها، خاصة في ظل حرص إدارة بايدن على إجراء مفاوضات شاملة، غير مُنحصرة في الملف النووي فقط، بل تمتد لكل الملفات الخلافية كملف الصورايخ الباليستية والدور الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بخلاف المفاوض الإيراني المُصر على اقتصار المفاوضات على الملف النووي، وعدم تطرقها لملفات تخص شأن إيران السيادي من وجهة نظره.
المعضلة الحقيقية أمام المفاوض الإيراني في الجولة السابعة المحتملة هو المفاجآت التكتيكية الأمريكية المتغيرة من جولة إلى أخرى، لذلك تحاول إدارة الرئيس إبراهيم رئيسي التحسب لكل المتغيرات الممكنة في تلك الجولة المرتقبة، وتحاول السطور التالية الاقتراب قدر الإمكان من طريقة واشنطن في ضبط تكتيكات الطاولة غير المباشرة في فيينا.
دبلوماسية بايدن
بوصول المُرشح الديمقراطي جو بايدن لسدة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية، لم يتأخر في الدخول مع الجانب الإيراني في مفاوضات للعودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه سلفه الرئيس دونالد ترامب يوم 8 مايو 2018.
وقد صرح بايدن بأن الدبلوماسية هي السبيل الوحيد لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وكان هذا القول بمثابة اللبنة الأولى للبدء في مفاوضات فيينا، والتي شهدت حوارا غير مباشر برغم رغبة الجانب الأمريكي في الحوار المباشر، ولكن في ظل رفض الجانب الإيراني لم يكن هناك أمام بايدن سبيل آخر سوى الارتضاء بالحوار غير المباشر.
مع بداية المفاوضات كانت الآمال الأمريكية في التوصل لاتفاق مرتفعة نسبيًا، ولكن مع مرور ست جولات، شاب القلق تلك الآمال، وبدأت الدبلوماسية المُتبعة تتراجع أمام التقدم التقني النووي الهائل الذي أحرزته إيران منذ انسحاب ترامب، هذا بجانب تداعيات انتخاب الرئيس إبراهيم رئيسي في الثامن عشر من يونيو الماضي، وهو ما يُثير الشكوك الأمريكية بشدة حول إمكانية استمرار المفاوضات والتوصل لاتفاق بالرغم من يقين واشنطن أن ذهاب إيران إلى فيينا 7 هو أمر حتمي لا مناص فيه.
فرصة فائتة
شهدت المفاوضات توقفًا مؤقتًا بعد رحيل حكومة روحاني، لحين إجراء الانتخابات وتسليم الرئيس الجديد السلطة، وبتسليم السلطة ليس معروفا ما إذا كان رئيسي سيعين فريقا تفاوضيا جديدا أم سيبقي على عباس عراقجي قائدا للمفاوضات.
بطبيعة الحال من المحتمل أن تعتمد طهران في الفترة المقبلة على أسلوب وسياسة تفاوض جديدة، لاسيما وأن السلطة الجديدة عُرفت بأصوليتها وتشددها ضد الغرب، والولايات المتحدة تحديدًا، وهذا يعني أن فرصة إعادة إيران للاتفاق في ظل حكومة روحاني ذات الأصول المعتدلة، كانت فرصة ذهبية للإدارة الأمريكية، ولكن لم يتم استغلالها.
على الرغم من أن العودة للاتفاق تُتيح لحكومة رئيسي الفرصة، لدفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده والمُسببة لوضع اقتصاد حرج، ومن ثم معالجة الأوضاع المعيشية، وتحسين صورته الشخصية بعد الشكوك في شرعية وصوله إلى السلطة، إلا أن حكومته لن تدخل تلك المفاوضات بدون أوراق ضغط.
ومن المقرر أن تعمل إيران على ذلك لتقليل تكلفة حاجة الدولة للعودة إلى الاتفاق، ويتضح ذلك من موقف إيران الجامد بخصوص التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، بجانب موقفها على الصعيد الإقليمي من ملفات اليمن والعراق وسوريا، وهنا يتجلى اضطرار الجانب الأمريكي للتعامل مع تلك الضغوط.
الوضع الحالي للمفاوضات
بعد انقضاء ست جولات من المفاوضات، لا تزال الملفات كلها مطروحة على طاولة المفاوضات ولم تُحسم بعد، وذلك مع استمرار تمسك الطرفين بمطالبهما من دون تقديم تنازلات، وهو ما تجابهه الإدارة الأمريكية باستراتيجية جديدة جامعة بين المفاوضات، وزيادة الضغط في فرض العقوبات الاقتصادية.
يأتي هذا في ظل تعالي أصوات بالداخل الأمريكي تطالب بالانسحاب الفوري من المفاوضات ردًا على التجاوزات الإيرانية المستمرة، وآخرها، محاولة خطف الصحفية الأمريكية الإيرانية مسيح على نجاد، واستمرار إيران في تقديم الدعم لوكلائها في كل من سوريا والعراق، والتي تعمل على استهداف المصالح الأمريكية بالدولتين.
المعضلة الحقيقية في تصور الشكل المحتمل لفيينا 7 هو الحديث الإيراني المربك عن أن التفاوض سيكون عبر هيكلة جديدة وببرنامج ونهج جديدين، ويمكن قراءة ذلك من خلال تصريح رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، وحيد جلال زاده، الذي قال إن إدارة رئيسي ستستأنف المفاوضات ببرنامج ونهج جديدين مستهدفة من وراء ذلك إجبار الغرب على الوفاء بالتزاماته.
خاتمة
بناء على المعطيات السابقة، يمكن القول إن أمريكا ستفاجئ إيران مثل كل جولة سابقة بتكتيكات تفاوضية جديدة، كما أن إيران ستكون أكثر استعدادا من أي جولة سابقة لمجابهة ــ وربما الرد على ــ تلك التكتيكات المتغيرة، وهو ما يصعب من إمكانية التوصل لاتفاق في ظل تلك السياسة المحتملة من الطرفين، ولذلك فعلى الطرفين البدء في تقديم تنازلات متبادلة، وبحث الملفات بشكل متجزئ والعودة السريعة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، خاصة أن الاتفاق برغم ما يشوبه من عيوب وثغرات، يظل قويًا، وتظل حاجة الطرفين له ملحة.
ــــــــــــــــــــــــــــ
آية جمال
باحثة مساعدة في العلاقات الدولية